- إنضم
- 24 ديسمبر 2016
- المشاركات
- 5,056
- نقاط التفاعل
- 15,515
- النقاط
- 2,256
- العمر
- 39
- محل الإقامة
- فرنسا الجزائر وطني
الحلقة السابعة
☆ كلش بالمكتوب☆
مر أسبوع وأحلام بين البيت والمستشفى ، كان الجميع في البيت يسأل عن احوال العجوز ويرثون لحالها ،مراد كان يخرج في الصباح الباكر ويعود في ساعة متأخرة لتفادي لقائه بإيناس ولكي يتركها على راحتها في البيت كما طلبت منه أخته ، وهروبا من مشاعره تجاهها واعتراضا في نفس الوقت على قلبه المجنون، كان يعترض على كل فكرة مجنونة تسول له بها نفسه ان يعود باكرا الى البيت ،كان يذهب الى الحلاق يهذب شعره ويشتري اغلى عطر يضعه ثم إمّا أن يذهب الى المسجد أوقات الصلاة أو مع أصدقائه في المقهى أو يبقى في شاحنته وحيدا لساعات يستمع الى الراديو أو يلعب بهاتفه بلعبة كانت قد ارسلتها له احلام في هاتفه وهي عبارة عن افعى الكترونية تاكل نقاطا وتركض خلفهم ،كان احيانا من شدة تفكيره في إيناس يسرح خياله فتصطدم الافعى بالجدار ولا يستفيق إلا على صوت الاصطدام ويكتشف انه خسر اللعبة ،فيعيد لعبة اخرى لكي يتفادى التفكير بها .
سكنت ضحكاتها خياله منذ ذلك اليوم عندما سمعها مع جميلة في ليلة من الليالي التي نامت فيهم أحلام مع الحاجة فاطمة ،كان قد عاد متأخرا كعادته فوجد جميلة وقد حضرت له كل شيء في المطبخ وعليه فقط أن يسخن الاكل ، تناول وجبته وصعد السلالم في هدوء على أصابع قدميه لكي لا يحدث ضجة ويوقض الجميع ،كانت غرفته بجانب غرفة اخته احلام مر امامها بهدوء شديد إذ به يسمع إيناس تتحدث الى جميلة ،كانتا تتسامران على صحن فول سوداني وابريق شاي ، أحست جميلة بالوحدة لان احلام ليست في البيت فمن عادتهما أن تتسامرا معا واضعتين كل العالم امامهم في مناقشات ساخنة مثل إبريق الشاي فتفرغ كل واحدة للأخرى قلبها .
كان صوت ايناس عالي كعادتها وهي تتحدث وسط ضحكاتها المتواصلة ،لم يقصد مراد التنصت لكنه سمع صوتها وهي تحكي عن نفسها وتطلق تلك الضحكات في صوت كأنه بلبل يصدح في فرح للحياة.
كبرت إيناس مع عائلة أحلام وكانت في المرحلة المتوسطة تأتي لتلعب مع صديقتها وتحلان التمارين العالقة معا ،ومراد كان دائما يضربهما لأنهما تلعبان قرب غرفته ولا تتركانه يدرس في هدوء ،كان يقول انه يدرس لكنه لم يخلق يوما ليدرس كان مشاغبا و كثير الهرب من الثانوية ،وبعد أن رحلت إيناس مع والدها تركت فراغا كبيرا لأحلام وليس لها وحدها لأن مراد قد بدأ يحس أنها تهمه بعد ذلك وأنها يجب أن تكون له بأي وسيلة ،صارح بعدها أخته في رغبته في الارتباط بها ،لكنها أخبرته أنها لا تبادله أي إحساس ،لم تخبره بمشاعرها تجاه مصطفى، فقط أخبرته أنه لا يعني لها شيئا ،فقد الامل وبقى قلبه بين الحين والآخر يوخزه عل القلوب تلتقي في مكان ما ،ولكنه يقف في وجه مشاعره بشجاعة لأنه يعرف أن التفكير في فتاة غريبة ليس من حقه ويتذكر أن له أخت ولا يحب لأحد أن يفكر في أخته مثلما لا يسمح لنفسه بالتفكير في صديقتها.
وفي ليلة من ليالي أوت الحارقة واحلام ما تزال في المستشفى ،أحست إيناس بخنقة غريبة من شدة الحرارة وافتقادها صديقتها ، أطلت برأسها من النافذة لتشم هواءا نقيا باردا ، لكن كان كما لو أن الاشجار في تلك الليلة قررت أن تطلق هواءا ساخنا ،وقفت موجهة نظرها الى مدخل الباب وهي تتأمل منظر الاشجار ،وفجأة رأت شاحنة مراد تركن قرب الباب ،فقررت في تصابي أن تنظر اليه ماذا يفعل في خفاء ،فهدأت عن الحركة وسكنت أعضاؤها وكأنها طفل يحاول أن يلعب لعبة الغميضة ،وأخذت تراقبه وكان قد مر وقت طويل لم تره فيه فاغتنمت الفرصة أن تلقي عليه نظرة كيف أصبح بعد تلك الفترة ،كان مراد يُنزل صناديق من الشاحنة ويدندن ودار حول الشاحنة لكي يتفقدها من جميع الجوانب ومع تعبه نسي أنه وضع الصناديق في طريقه فتعثر بها وسقط ،لم تمسك نفسها إيناس وانفجرت ضاحكة كعادتها " هههههه "،وقف مراد بسرعة ورفع رأسه ليجد إيناس بشعرها المجعد الخفيف و القصير ووجهها الملائكي المملوء كوجه طفل ،سطع ضوء البوابة الخارجية على وجه مراد مما أظهره بصورة واضحة لايناس كان أسمرا صافي الوجه بشعره الاسود الليلي وعيناه البراقتان ورموشه السوداء التي تحلم كل فتاة أن تمتلكهم ،كان وسيما بكل ما للكلمة من معنى ،صمتت إيناس وكأنها تقف دقيقة صمت في حرم الجمال ،ثم تنبه مراد أن إيناس لا تضع خمارها ،ارتبك وحمل الصناديق في عجل ودخل الى البيت ،تسمرت إيناس في مكانها وأخذت نفسا عميقا وكأن الجو أصبح أكثر حرا .....ترى لماذا ؟ تساءلت وهي تحمل شيئا من الورق تنعش بها نفسها في حركة ذهاب وإياب
إيناس بصوت خافت وهي تلقي بنفسها على سريرها :" مرااااد ،كبرت وبهيت يا وحد الشيطان !!" ، لم تكن إيناس من النوع الذي يخفي مشاعرها واستطردت الحديث في العتمة :" وين خبيتيه عني أحلام غير ما تلاڤيت بيك ؟"
دخل مراد وتناول وجبته سريعا على غير عادته وصعد وهو يرتطم بكل شيء في طريقه وكأن الجميع قد رآه وهو ينظر الى إيناس بدون خمار ،كان الارتباك واضحا عليه لدرجة أنه أيقض السعيد ، فخرج ليجده في الردهة وهو يحمل لعبة محمد كان قد اصطدم بها في الردهة
السعيد مغمض العينين ويتكلم بصعوبة :" مراد واش كاين ،الخير ؟"
مراد في ارتباك :" أه ..والو والو روح ترڤد يا سيدي العاب محمد فالدنيا أكل.. "
السعيد يفتح باب غرفته :" روح روح ترڤد تنوض بكري "
يدخل مراد الى غرفته وهو يحمل لعبة محمد ويضع يده على قلبه ويضرب صدره ويحدث نفسه :" أحبس ،أحبس ڤلبي رايح تفضحني الله لا تربحك ،لاه تڤول راك رايح تخرج أوووووف"
إيناس تسمع كل الذي دار بين مراد والسعيد وتضع يدها على فمها وتضحك ضحكة جعلتها تتأكد أنها مهتمة بمراد ، في ثواني وبنظرته تلك في الخارج وصوته في جنح الظلام عرفت إيناس ترجمة مشاعرها أي نعم هي مشاعر فتية وفي بدايتها لكنها عرفت كيف تفسرها تماما لأنها قد مرت بهذه التجربة من قبل ولكن هذه المرة أحست أن الزلزال ضرب بقوة قلبها ،تنهدت على أمل أنه في الصباح تستطيع رؤيته وهو يغادر .
نام مراد تلك الليلة ساعتين فقط ونهض باكرا جدا كأنه يهرب من البيت ،ونهضت ايناس مبكرة لتسرع الى النافذة وتلقي نظرة لكن ضنها قد خاب ووجدت المكان فارغ ،تساءلت في استغراب :" واش صرالي ،علاه راني ملهوفة عليه؟ أنا اللي كنت نشنف عليه؟ " ،كانت ليلة واحدة ونظرة واحدة ونبرة واحدة كافية لتفي بالغرض وتلقي بإيناس في حبائل حب لم تكن تتوقعه أصلا .
كانت تحب الرجل ابيض البشرة وذو العينين الزرقاوين والشعر الاشقر والجسم الهزيل تماما مثل مصطفى ،الذي كانت معتقدة أنها تحبه ولكنها في ليلة اكتشفت أن ما أحسته مع مصطفى كان مجرد إنبهار وفقط ،وأنها تهيم حبا في شخص آخر.
هذا هو الحب يزورنا دون مقدمات ودون مواعيد ،يأتي فيشتتنا ويجعلنا نتوه في حياتنا أو نجد أنفسنا بعد أن ضيعناها وهذه الحالة الاخيرة أحستها إيناس بكل تفاصيلها ،أحست أنها وجدت نفسها ،أحست أنها كانت تغرق ويد مراد مُدّت لتسحبها من الغرق سلّمت قلبها لشخص كانت طوال الوقت تتهكم عليه ولا تعتبره أهلا لها ،يالها من مفارقة للقدر لم تكن لتصدقها ،لولا لهفتها على رؤيته ذلك الصباح .
فرشت الشمس أشعتها الذهبية على البساتين ككل يوم من أيام الصيف باكرا جدا لتجعل الجميع يهرع الى أعماله خشية حرارة الزوال ،شغّلت إيناس الراديو كعادتها لتسمع الاخبار وهي ترتب الغرفة فوجدت القناة تضع اغنية ام كلثوم
""""طول عمري بخاف من الحب وسيرة الحب ...من نزرة حب لأيتني بحب.... لأيتني بحب واموت في الحب ......."""" توقفت للحظة وهي تذهب مع كلمات الأغنية ووجدت نفسها تفكر في مراد مع الاغنية ،فانتفضت ولبست حجابها وخمارها وذهبت الى سي الصالح طالبة منه أن يأخذها الى أحلام بسرعة.
ذهبت اليها والتقت بها في رواق قرب غرفة الحاجة فاطمة جلستا على كرسي واحد بصعوبة ،وجدتها في حالة سيئة جدا من التعب فهي طوال تلك الليالي لم تنم جيدا بسبب الفرشة على الارض وآهات الحاجة فاطمة وصرخات المرضى الموجوعين ،وذهاب وإياب الممرضين ورائحة الكحول والخنافس التي تملأ المكان وبين الفينة والفينة تجد خنفسا يركض فوق ساقها فتنهض مفزوعة ومتقززة فيطير النعاس من عينيها ،وأخبرت إيناس أن السعيد لم يعد يهاتفها إلا للضرورة القصوى ،وأنها لم تعد تحس بالطمأنينة وأنها حزينة دائما .... كانت أحلام تتحدث وإيناس في عالم آخر
أحلام تنظر الى صديقتها :" راكي تسمعي فيا ولا راني نهدر وحدي إييييو"
إيناس وهي تائهة بعينيها في قطعة قطن مرمية أمامها :" أحلام لاه عمرك ما صورتي مراد وجبتيلنا فوطوه ؟"
استغربت أحلام من صديقتها السؤال الغريب وسكتت قليلا ثم نهضت لأن الجلسة مع إيناس في مقعد واحد ليست فكرة مريحة ،ووقفت ساندة ظهرها الى الجدار المقابل وهي تنظر اليها في تعجب ،
أحلام :" ما جاتش فرصة برك ومراد ما يحبش يتصور بزاف لاه يعني ههههه تلاڤيتي بيه ولا ...."
وفجأة هجمت عليها إيناس وأمسكتها من أعلى حجابها وكأنها تريد أن تخنقها وضغطت عليها لتثبتها الى الجدار وهي تقول لها :" حرام عليك يا مخلوقة على الاقل صوريه جيبيلي فوطوه ،ڤوليلي عاجبك لالا ،مدرڤاتيه لاه حرام عليك. غير تڤولي راه معجب بيك كشما نهار سييتي توريهلي .. "
أحلام تحاول التملص من صديقتها :"يا إيناس كتلتيني ،استناي ،كنتي تديريلي هكذا كي تشوفي مصطفى جا يحكي معايا وتڤوليلي لاه يهدر معاك ،وضرك أح أح واش صرالك اطلڤيني نهدرو!!!!"
إيناس تترك أحلام وتطلق كلمة عجزت عن تفسيرها أحلام وكأن شخصا آخر غير صديقتها من نطقها ،أو أنها في حالة هلوسة من التعب
إيناس :" نحب مراد ..."
بكل بساطة نطقتها وكأنها قالت أنها تحب المطلوع أو تحب المثلجات ،ابهذه البساطة نكتشف أننا نحب ؟،أبهذه السرعة نعرف أن ما نشعر به تجاه شخص ما هو الحب ،أيوجد أناس في هذا العالم تشبه إيناس يا ترى ؟
كلها تساؤلات دارت في رأس أحلام وهي تحلل كلمتين سمعتهما للتو من صديقتها ،لتنظر اليها مطولا ويسود صمت طويل بينهما، تقاطعه أحلام بضحكة كبيرة مطولة حتى جلست على الارض على ركبيتها وهي تمسك بطنها وتنظر الى إيناس وهي تدير بوجهها خجلا من صديقتها .
أحلام مقهقهة :" قهقهقه ههه آي ما قدرتش نهدر أسمحيلي بالنسبة ليك ماهوش يضحّك بصح أنا كتلتيني ،واش هاذي نكتة ولا صبر الآراء ولا تسيي فيا واش هي هههه ...."
إيناس ترفع حاجبها وتصرخ :" أحلااااام يخي تعرفيني ما نتمسخرش في هاذ الحوايج !!!"
أحلام تتوقف عن الضحك وتعود الى حالتها الجدية :" ومصطفى الله يرحمو ،ولا كنتي تلعبي ثاني ؟"
إيناس تحكي لأحلام كيف أن نظرها وقع على أخيها بالامس فقط وأنها أحست أن هذا هو الرجل الذي يمكنها أن تكمل معه حياتها ،كأي شخص في العالم عندما يعجب من أول نظرة كانت هي ولأنها فتاة صريحة وليست كتومة طفا كل شيء الى خارجها .
إيناس :" مصطفى ،كان مجرد تحدي لأنو حبك وما حزرش فيا ،ولا حسيت في يوم معاه اللي حسيت بيه البارح مع مراد من خزرة واحدة ،صدقي ما تصدقيش راجعة ليك ،أنا قررت أني نتزوج مع مراد كي نكمل الجامعة "
أحلام في استغراب :" رايح يكون بنهار السعد على مراد أكيد ،خبريني صحبتي كيفاه تأكدتي من مشاعرك في لحظة وبين ليلة و ضحاها حيرتيني !؟"
إيناس :" أنا مختلفة عليك أحلام تربيتي وكبرتي وانتي تخبي كل إعجاب في ڤلبك، حتى صحبتك اللي هي أنا ما نعرف على ڤلبك والو ،ما تعودتيش تحكي ،أما أنا خبريني ڤداه واحد ڤتلك راه عاجبني من المتوسطة لحد اليوم ،صح ولا يوم خرجت مع واحد فالحرام ولا حسست واحد فيهم أني معجبة بيه ،شوفي مصطفى كون عرف أني معجبة بيه تحسبي يهدر معايا كزميل ولا يهز عليا التيليفون حتى ؟ الحمد لله عايشة بشرفي ونتبع الدين بصح حاجة خلقها ربي فيا هي المشاعر والانجذاب للطرف الاخر ما نقدرش نخبيها ،وكيما نمرض من راسي نقدر نمرض من ڤلبي وعادي تفوت ،أما هاذي المرة مع خوك حاجة أخرى هذا حب من نوع آخر لأول مرة نحس بيه هذا اللي نشوفو واقيلا فالأفلام هههه"
نظرت إيناس الى صديقتها لتجد دمعتين هربتا من عينيها واحمر وجهها وهي تتنهد ،فاقتربت منها وعانقتها وهي تعرف تماما جرحها ،كانت قد قررت مسبقا أن لا تتدخل وتدعها تكتشف أعماقها بنفسها .
كانت أحلام ضائعة وسط مشاعر متضاربة فمن ناحية مصطفى ولد الأكابر والثاني في الدفعة وناجح في حياته العلمية والمهنية مع والدين ثريين يلبيان له كل طلباته ،أزرق العيون وسيم وأشقر ،فارس أحلام وصفقة رابحة لكل فتاة تحلم بالزواج وفوق كل هذا يعشقها ويطلب لها الرضى أن ترضى ،وفي كل عطلة صيف يطلب من إيناس أن تخبرها بأن تسمح له بزيارتها مع أهله ليخطبها رسميا لكنها ترفض بحجة الدراسة ،لكنها مع ذلك تضل تتجاهله ولا تحدثه إلا في أمور الدراسة ، ومن ناحية تلك المشاعر الدخيلة عليها مع وحيد فلا أحست معه نفس إحساسها مع أخيها السعيد ،ولا نفس الشعور مع مصطفى شعور تغلغل فيها وأخذت تستلذ به لحظة وتتألم منه لحظة.
وهو ما آلمها تلك اللحظة وهي تسمع صديقتها تتحدث وكأنها عاشت شعور صديقتها قبلا لكنها لا تذكر أين ،فهي تستبعد تماما وحيد لأن عقلها الباطن قد وضعه في رتبة أخيها السعيد لأنه كبير في السن ....وفقط .
وبينما إيناس تمسح دموع صديقتها سمعا الممرضة تنادي على أحلام وتصرخ من داخل الغرفة ،ركضت الفتاتان الى داخل الغرفة فوجدتا الحاجة فاطمة تبكي وتصرخ وهي في حالة يرثى لها
الحاجة فاطمة في صوت متألم :" آه صفية خليلي وليدي ، خطفتيه رجعيهلي ....وحيييييد جيبولي وليدي أه أها"
نظرت أحلام الى الممرضة وسألتها :" واش بيها يخي كانت لاباس عليها هاذ الايامات ؟"
الممرضة في صوت خشن :" عادي بدات تخرف على حساب الشوفة راه في عمرها ڤريب تسعين سنة "
إيناس تجيب الممرضة إجابة قوية وغاضبة وهي تلملم ما كسرته العجوز على الارض :" نتي بلا ڤلب على حساب الشوفة روحي أشري واحد من البوشري هاو كاين واحد على الدورة ،روحي خير ما نعيطلك لسيادك يربيوك.... "
توقفها أحلام لأنها تعرف صديقتها لو تكمل معها ستنتهي الممرضة تحت قدميها ،تقدمت من العجوز وأخذت تهدؤها فيما خرجت الممرضة وهي تتوعد وتتهدد و إيناس تمسك نفسها من أجل صديقتها .
طوقت أحلام العجوز بذراعها الايسر وأخذت تقبلها وحملت الهاتف بيدها اليمنى وهتفت لأخيها السعيد ليخبر ابنها بالحضور اليها ،كانت لا تستطيع نطق اسم وحيد على شفتيها عندما تتحدث عنه وتقول فقط .....ابنها ،طمأنها السعيد أنه سيخبره حالا لكنها يجب أن تهاتف مراد ليأخذها من المستشفى ،فالبنسبة اليه ممنوع أن تتواجد في نفس المكان مع وحيد وهو يشك فيهما ، فهمت أحلام ما كان يقصده أخوها وهاتفت بسرعة مراد فأخبرها أنه في طريقه ليحضر طلبية وعندما ينتهي سيمر عليها بالسيارة.
جلست تنتظر وتحنن مع صديقتها على العجوز وتسامرانها لكي تهدأ وتارة تنادي العجوز أحلام بصفية وتارة أخرى تنادي بها إيناس وتبكي ثم تضحك وتتحدث الى زوجها المتوفي ،بعد ساعة من الحديث والصراخ تعبت واستسلمت الى النوم لأن جسمها كان هزيل والتجاعيد تملؤه في كل مكان ،كانت كطفل بريء ينام ودمعته على خده .
أحلام تتحدث الى إيناس في هدوء لكي لا توقض العجوز :" حڤا عيطتي لمصطفى كيما ڤتلك ؟"
إيناس :" إيه عيطتلو وڤالي غدوا جاي لواحد صاحبو لهنا ويفوت للفيرمة نتاع وحيد ويهدر معاه كيما ڤلتي "
ارتبكت أحلام وكأنها لا تريد أن يحصل هذا وكأنها تحس أن شيئا ما سيحصل أو أن هناك غلط ما في الموضوع لكنها مع ذلك أكملت ,ثم أغمضت عينيها وقالت :" ضرك اذا جا وحيد قبل مراد نڤولو يستقبل مصطفى عندو واذا ما حبش عادي ميش مشكل ..."
يقشعر بدن صديقتها وتضرب يدها على صدرها :" أخاه هبلتي! انا نروح نروح ما نشوفش ڤلبي ضعيف... "
ابتسمت احلام في خوف ورعشة داخلية أحست بها بسبب ردة فعل صديقتها :" ماتخافيش نشالله ما يصرا والو ... ربي يستر " قالت كلماتها الاخيرة وهي تتنهد وتطل على الرواق في انتظار وحيد ليطل من آخر الرواق ،كانت متلهفة لرؤيته واختلط خوفها مع لهفتها ،لم تفهم لما تفعل ذلك لكنها تفعله لإرضاء شيء بداخلها .
أحلام :" إيناس كي يجي وحيد أنا نهدر معاه وانتي عسي مراد هو يجي وانتي ڤوليلي تفاهمنا ؟"
إيناس ترتجف وتقترب من وجه أحلام :" خوفتيني يا محاينك ،اليوم بارك اكتشفت اني نحب خوك قبل ما يعرف رايح يكرهني وعلاه تديريلي هكذا ركايبي راهم يرجفو حرام عليك حكمتي على قصتي بالموت قبل ما تزيد .....بصح نوڤف معاك ونشوف وين رايحة توصلنا روايتك ؟"
أحلام تسكت صديقتها بيدها وهي واقفة في الباب تنظر الى الرواق خلسة وتركض نحوها في عجل وتتكلم بصوت منخفض :" جا وحيد هو وبنو كيما ڤتلك يخي ؟"
إيناس تهمس في خوف :" أسترنا يا رب من مراد ...."
في هذه الاثناء يدخل وحيد ويده في يد ابنه بدا رائعا وهو يلبس قميصا ابيضا بنطالا اسود ورائحة عطره قد ملأت المكان ،كانت شيبته واضحة هذه المرة كثيرا وسط شعره الاسود وندبته أيضا لأنه قد مشط شعره الى الاعلى ،وكان يحمل كيسين سلم بتحية رقيقة و قدم كيسا الى أحلام ،أقبل على أمه يوقضها مخلفا الفتاتان خلفه ،فأشارت أحلام لإيناس أن تقف في الرواق في همهمات وإشارات لفتت انتباه وحيد لكنه واصل التحدث الى أمه وتدليلها ،أحضر لها العنب الاسود الذي تحبه وبدأ يؤكلها وهي تنظر اليه وتمسح على وجهه وتقبل يده وتقول له :" ما خلاتكش القولة صفية تجيني ،هذا وين طلڤاتك راه ربي كاين ...." ،ارتبك وحيد وابتسم في حزن على امه وغير الموضوع محاولا أن يخرج من الموقف وقال في شفقة :" المخلوقة ماتت الله يرحمها هاذي ڤريب عامين ،ومزلتي متفكرتها الله يرحمها.... "
الحاجة فاطمة تصرخ وكأنها سمعت الخبر لأول مرة :" الله الله ماتت وكت ؟ شفت ڤتلك ربي كاين ورحت وجيت ليا " ثم تعود الى صوابها بعض الشيء وتتذكر صابر :" صابر وينو عوينتي جبتو ؟"
وحيد يقرب صابر لامه ويضعه قربها :" هاو صابر... سلم على جداك والعب معاها شويه ...." يلتفت الى الفتاتين ليجد أحلام وحدها خلفه مباشرة مبتسمة وهي تنظر اليه كيف يتعامل مع والدته ، فيتشكرها على وقفتها معه وهو يحاول أن يهرب من نظراتها فقد كانت تنظر اليه وكأنها تحفظ ملامحه ،وهي غير مدركة ذلك .
أحلام تلقي اليه نظرة مع ابتسامة يقع نظره عليها وهي تقول في كل رقة :" معليهش ،الناس لبعضاهم ،وانت كشما تحلت أمورك مع المال ، وبنك راه لاباس ؟"
جاوبها وهو يعطيها عنقود عنب صغير حمله من العلبة التي أحضرها لأمه:" الحمد لله نحمد ربي ونشكرو ،ومن بعد نتم وبالذات نتي وڤفتي معايا ،جبتلك حاجة ميش كبيرة بزاف بصح معناتها يعطيك الصحة.... نشالله تعجبك ... "
أحلام تتناول من يده عنقود العنب في حياء وتشكره وتبقيه في يدها دون أن تأكله ،و اعتذرت له عن رقم الهاتف الذي أعطته الى السعيد وأخبرته أنه كان تسرع منها أن تطلب منه رقمه .وأكدت له مرة ثانية أنها تريد أن تكتب الرواية وأنها وجدت الطريقة الانسب لكي تعرف القصة كاملة وذلك عن طريق استضافته زميلها في الدراسة عنده ثلاث أو اربع ايام حتى يحكي له القصة إذا كان لا يزعجه ، وطبعا لأنه ممتن لها فهو ليس في وضع يسمح له بالرفض فهو يسعى الى ارضائها قدر الإمكان وافق على الفور بعد أن أخذ رقم مصطفى من عندها ،وفي هذه الاثناء والحديث يأخذهما خرج صابر من الغرفة بعد أن نامت جدته ثانية ،وسار في الرواق الى الخارج ،حين رأته إيناس ركضت لتعيده و التقت عند باب الخروج بمراد قادم ليعيد أخته الى البيت لم يتوقع أن يراها هناك .
سلمت عليه في حياء وهي تحمل صابر : " صباح الخير "،
ارتبك مراد وسلم مستغربا : " صباح الخير واش تديري هنا ؟" تذكرت إيناس كل مشاعرها فجأة واحمرت وجنتاها في خجل وردت بهدوء: "جيت الصباح مع عمي صالح وهاني هنا مع أحلام "
انتبه وحيد أن ابنه اختفى من الغرفة ففزع وراح يبحث عنه كالمجنون ،وعندما رأت أحلام منظره فزعت وتذكرت ذلك اليوم الذي فقد فيه محمد والبئر الذي كادت تسقط فيه ،ومع ارهاقها لأيام سقطت ارضا مغما عليها ،ركض وحيد اليها يوقضها وعندما لم تستفق حملها وركض بها في الرواق في طريقه الى الاستعجالات ،رأى مراد المنظر من بعيد وفار الدم في رأسه واتجه راكضا نحو وحيد ودون أن يسأل عن أخته طلب منه أن يضع أخته ارضا ،رفض وحيد ، كان قلقا جدا عليها لدرجة أنه فقد صوابه ورفض أن يسلمها لمراد من غير تفكير، كانت إيناس تمسك صابر وتمسك قلبها معه ،وتراقب في خوف شديد ،اضطر مراد أن يلكمه ليوقع أرضا وهو يمسك بها بين ذراعيه في هذه اللحظة استفاقت أحلام من الاغماء بعد الرجة التي حدثت لها لتجد نفسها بين ذراعي وحيد ومراد واقف يطلق كلاما جارح لوحيد ،انتفضت من فورها وهي تذهب يمينا وشمالا من الدوار وتمسك بالجدار
صرخت إيناس بمراد :" أحكم ختك رايحة تطيح مراد واش بيك! "
أحلام تصرخ وسط دوارها :" أخطيه علاه تضرب فيه واش من شر دارو حرام عليك يا ناس عييت !!... "
يسمع مراد كلماتها وهو في قمة الغضب فيصفعها صفعة اسقطتها على الارض حتى خرجت الدماء من أنفها وبقت دون حراك، ركضت اليها إيناس في خوف وبكاء .
عندما رأى وحيد هذا المنظر لم يحتمل ووقف على الفور ليلكم مراد ويمسكه من اعلى قميصه ويسنده الى الجدار ومراد يتفلت منه في غير جدوى وكأن مصارعا قد ثبته وقال له وعيناه تكاد تنطق غضبا :" شوف مراد المرة اللي فاتت وڤلت ما فهمش مليح وعطيتك عذر درت قدر لبويك ،واليوم خليتك ضربتني في جال ختك هازها وڤلت غار على ختو عادي وكنت رايح نڤولك اسمحلي ..،بصح أنك تضربها في جالي وزايدة باينة مريضة وتعبانة من السهر مع مّا هذا اللي ما نفوتوش نهائيا ،حل عينيك مليح مانيش خدام عندك ولا راني بلا كرامة حتى في كل وقت تهز يدك ،قادر يدك نڤطعها بصح داير في راسي الملح اللي بيناتنا هز ختك من الأرض الناس تلايمت تتفرج فيها، إذا كنت خايف على حرمة ختك ،عيب عليك تضربها ڤدام الغُرب ومرة أخرى خمم قبل ما تهز يدك .... "
بكت أحلام وبكت معها إيناس وقد تركت صابر عند جدته وعادت الى صديقتها تمسح دماءها ودموعها ،ركضت ممرضة فأحضرت كرسيا متحركا ارتكزت أحلام على إيناس وجلست عليه على مرأى من عيني وحيد وقد زاده منظرها شوقا وتمنى لو يعانقها وينزع عنها كل آلامها التي تشعر بها ويعتذر منها آلاف المرات لكن العين بصيرة واليد قصيرة وبنت السلطان بعيدة عنه كبعد السماء عن الارض ،أفلت مراد ونفض بنطاله ونظم قميصه ودخل الى والدته .
بقى مراد مسمرا في مكانه فلا يعرف أهو أخطأ أم هو على حق وقال في نفسه :" مراد هذه بتلك ،ربي يخلص في نفس اليوم وعينك تشوف ،بنت الناس شفت فيها بغير وجه حق لبارح فالطاڤة ربي خلصها في ختك مباشرة ،استغفر الله العلي العظيم من كل ذنب عظيم ، يا ربي اغفرلي ...." قالها وهو يتجه الى أحلام ويتبع الممرضة وإيناس الى قاعة العلاج ولم يهدأ غضبه بعد وفجأة قرر العودة الى وحيد ليمسح به بلاط المستشفى وعندما اقترب من الغرفة وجده يحمل ابنه ويقبله في خوف فرأف بحال الصبي وعاد الى قاعة العلاج ،دخلت إيناس مع صديقتها الى غرفة العلاج تقدمت منها الممرضة لتأخذ ضغطها وهمت أن ترفع لها على ذراعها وإذا هي تمسك بشيئ في يدها بقوة حتى أخرجت ماءهُ كان عنقود العنب الذي أعطاه إياها وحيد فتحت يدها ونظرت اليه وبكت في شهقة لم ترها بها صديقتها من قبل حتى أنها بكت معها .
انهت الفحوصات وأخبرتهم الطبيبة أنها تعاني من هبوط حاد في الضغط بسبب التعب وقلة النوم وأوصتها بالراحة التامة والاكل جيدا ،خرجت إيناس تسند صديقتها على كتفها ووجدت مراد أمام باب المستشفى وقد هدأ قليلا فقادها الى السيارة وهمت بفتح الباب في نفس الوقت معه فوضع يده على يدها دون أن يشعر على قفل السيارة ،ارتبك وارتبكت ثم تركته ليفتح الباب وأدخلت أحلام وركبت بعدها ،وفي الطريق ساد صمت رهيب ،قاطعته إيناس بصوت خافت جدا :" مراد تربح نشالله مكان لاه تحكي واش صرا اليوم مكان والو ،سوء تفاهم وفات وأحلام هي اللي تهمنا راها مريضة ما يزيدوش عليها بالعْفار نشالله تربح ولا حبيت تحكي خلي حتى تبرا واحكي على روحك ..."
مراد في هدوء وكأنه القي عليه سحر بعد سماع اسمه من شفتيها وتوجيهها الكلام له دون وسائط :" إيه معليهش ،أنا أصلا هدرتي ميش معاها هي راها كانت ساكرة ،هو اللي هزها واش كان يخمم على الاقل كون عيط للطبيب ميش يهزها ! ،وزيد لاه ما ستنيتونيش برا لاه ڤعدتو ؟"
إيناس في ارتباك محاولة الاجابة :" ڤعدنا نڤولولو على الدوا اللي يمدولها ونڤولولو واش ڤال الطبيب على مُو هذا مكان... ومن بعد هرب بنو رحت نجيبو وتلاڤيت بيك ،وخلاص "
سمع مراد كل كلمة قالتها إيناس بانتباه وإصغاء شديدين وواصل مسيره الى البيت .
أحلام مع كل هذا لم تكن تنصت الى أحد بل وضعت يدها التي كانت تحمل حبات العنب على أنفها وأخذت تشم رائحة يدها التي كانت قد التصقت بها رائحة عطر وحيد كانت تشمها وهي تذكر كل حركة من حركاته ،كانت تتذكر كيف وجدت نفسها بين ذراعيه كقصة من قصص الخيال ،تذكرت كيف كانت ذراعاه تحيطان بها ،وبكت بكت لأنها لم تفهم لما هي سعيدة بلقائه وسعيدة برائحة عطره وسعيدة بتذكر حضنه حتى وان كان من باب المساعدة فقط رغم كل هذه المشاكل المحيطة بها.
في هذه الاثناء يجلس وحيد وهو يؤنب نفسه ويعاتبه ضميره لانه أحس أنه تمادى بحمله لها أمام أخيها ،وفكر كيف له أن يعتذر للعائلة وكيف له أن يساعدها ،ثم تذكر مصطفى فأمسك الهاتف وشكل الرقم وهو يلعب بخصلات شعر ابنه الذي تمدد على ساقي والده من التعب ،رن الهاتف وحمل ليرد شاب يبدو صغيرا في العمر :" الو وشكون معايا ؟"
وحيد :" السلام عليكم ،أنا وحيد حكاتلك عني أحلام ،عيطتلك نڤولك ،اهلا وسهلا بيك عندي ،كي تخلص شغالاتك غدوا عيطلي نجي نديك للدار "
رد مصطفى في فرح :" إيه إيه علابالي نخلص برك ونعيطلك ،اسمحلنا برك هاذي أحلام كي تحب حاجة تسعى ليها بقوتها ،وقصتك عجبتها وحبت....."
يقاطعه وحيد بصوت صارم :" المهم ،كي تخلص عيطلي هاني هنا ...السلام عليكم "
وأقفل الخط وهو ينظر الى الهاتف مقطب الحاجبين وكأنه ينظر الى مصطفى ويقول في تقليد لحديث مصطفى :" هاذي هي أحلام نا نا نا علابالنا راك تقرا معاها وتعرفها كثر مني " ،ابتسم وحيد عندما رأى ابنه ينظر اليه ويضحك وهو يميل فمه ويقول ما قاله
وقال لابنه :" ايه وليدي ومن بعد إذا غرت شويه لاه تضحك عني ؟"
ثم يلتفت فإذا أحلام نسيت محفظة اليد الخاصة بها والكيس الذي يحوي الهدية وكانت المحفظة مفتوحة ويظهر بداخلها جيدا دفتر ذكرياتها التي تكتب فيه دائما لأنه كان مغلف بغلاف يجذب الناظر اليه ويصعب لمن رآه أن ينساه ،اقترب منه وحمل الدفتر دون سواه وأخذ ينظر اليه ،وعرفه لأنه هو نفسه الذي أعطاه لها في ذاك اليوم عند محطة الحافلات ، نظر اليه مطولا وبدأ الفضول يلعب برأسه ،متسائلا عن خطها وطريقة كتابتها ،وعن ماذا كانت تكتب في ذاك اليوم والفضول يزداد حتى فتح الدفتر وأخذ يقرأ من الاول وأعجبته ذكرياتها الطفوليه ،في بداية الدفتر وبدأ يتصفح بسرعة حتى قرأ في صفحة
" لا أشعر تجاه مصطفى بشيء غير أنه إنسان رائع وكل فتاة تتمناه ،مصطفى عنوان للصفاء والنقاء و..." ،قلب الصفحة وكأنه لا يريد أن يعرف أكثر عن مشاعرها تجاه مصطفى ،وقرأ صفحة أخرى
" شعرت أنني أسقط بالبئر ودّعت العالم كله وتذكرت والدي أخوي وأختاي عندما تدلى ذلك الحبل وكأنه تدلى من السماء وكأن ملكا ما ارسله الله الي لينقذني ،وبعد أن صعدت لم أعد أعرف أأشفق أم أكون ممتنة ،لأن كل شيء قد انقلب والملاك حوله أخي شيطان واختلطت علي الامور لكنني سعيدة بنجاتنا ....." ، وقلب الصفحات حتى لفت انتباهه رسمة وردة وسط الكتابة فقرأ
" شعور غريب كزهرة برية تنمو الى جانب البيت ،فتستأنس بأهل البيت ويستأنسو بها وبعد أن تتكاثر ينزعجو منها ويحاولون التخلص منها لكن فات الاوان وتوغلت بذريّتها في أرجاء المكان وصار لونها يلون خارج البيت وداخله ،كذلك ما شعرت به معك ايها الرجل الغامض ،كان شعورا هادئا ثم بدأ باجتياحي كتلك الزهرة تماما ،لما غموضك ؟ وغموض مشاعري...."
توقف عن القراءة ورفع رأسه ليجد السعيد يقف في الباب محدقا به ودفتر أخته بيده وحقيبتها مفتوحة فوق طاولة في الغرفة .
السعيد يتحدث في غضب محاولا تهدئة نفسه وهو يميل رأسه لجهة وحيد وما يحمل
السعيد :" جيت نطل على الحاجة واقيلا ڤاطعتك ،كمل كمل ...."
يقف وحيد ويضع الدفتر على الطاولة بجانب الحقيبة .......
......
ترى ما الذي سيدور بين السعيد ووحيد ؟ وهل سيبقى السعيد هادئا رغم ما رآه ؟
تابعوني
☆ كلش بالمكتوب☆
مر أسبوع وأحلام بين البيت والمستشفى ، كان الجميع في البيت يسأل عن احوال العجوز ويرثون لحالها ،مراد كان يخرج في الصباح الباكر ويعود في ساعة متأخرة لتفادي لقائه بإيناس ولكي يتركها على راحتها في البيت كما طلبت منه أخته ، وهروبا من مشاعره تجاهها واعتراضا في نفس الوقت على قلبه المجنون، كان يعترض على كل فكرة مجنونة تسول له بها نفسه ان يعود باكرا الى البيت ،كان يذهب الى الحلاق يهذب شعره ويشتري اغلى عطر يضعه ثم إمّا أن يذهب الى المسجد أوقات الصلاة أو مع أصدقائه في المقهى أو يبقى في شاحنته وحيدا لساعات يستمع الى الراديو أو يلعب بهاتفه بلعبة كانت قد ارسلتها له احلام في هاتفه وهي عبارة عن افعى الكترونية تاكل نقاطا وتركض خلفهم ،كان احيانا من شدة تفكيره في إيناس يسرح خياله فتصطدم الافعى بالجدار ولا يستفيق إلا على صوت الاصطدام ويكتشف انه خسر اللعبة ،فيعيد لعبة اخرى لكي يتفادى التفكير بها .
سكنت ضحكاتها خياله منذ ذلك اليوم عندما سمعها مع جميلة في ليلة من الليالي التي نامت فيهم أحلام مع الحاجة فاطمة ،كان قد عاد متأخرا كعادته فوجد جميلة وقد حضرت له كل شيء في المطبخ وعليه فقط أن يسخن الاكل ، تناول وجبته وصعد السلالم في هدوء على أصابع قدميه لكي لا يحدث ضجة ويوقض الجميع ،كانت غرفته بجانب غرفة اخته احلام مر امامها بهدوء شديد إذ به يسمع إيناس تتحدث الى جميلة ،كانتا تتسامران على صحن فول سوداني وابريق شاي ، أحست جميلة بالوحدة لان احلام ليست في البيت فمن عادتهما أن تتسامرا معا واضعتين كل العالم امامهم في مناقشات ساخنة مثل إبريق الشاي فتفرغ كل واحدة للأخرى قلبها .
كان صوت ايناس عالي كعادتها وهي تتحدث وسط ضحكاتها المتواصلة ،لم يقصد مراد التنصت لكنه سمع صوتها وهي تحكي عن نفسها وتطلق تلك الضحكات في صوت كأنه بلبل يصدح في فرح للحياة.
كبرت إيناس مع عائلة أحلام وكانت في المرحلة المتوسطة تأتي لتلعب مع صديقتها وتحلان التمارين العالقة معا ،ومراد كان دائما يضربهما لأنهما تلعبان قرب غرفته ولا تتركانه يدرس في هدوء ،كان يقول انه يدرس لكنه لم يخلق يوما ليدرس كان مشاغبا و كثير الهرب من الثانوية ،وبعد أن رحلت إيناس مع والدها تركت فراغا كبيرا لأحلام وليس لها وحدها لأن مراد قد بدأ يحس أنها تهمه بعد ذلك وأنها يجب أن تكون له بأي وسيلة ،صارح بعدها أخته في رغبته في الارتباط بها ،لكنها أخبرته أنها لا تبادله أي إحساس ،لم تخبره بمشاعرها تجاه مصطفى، فقط أخبرته أنه لا يعني لها شيئا ،فقد الامل وبقى قلبه بين الحين والآخر يوخزه عل القلوب تلتقي في مكان ما ،ولكنه يقف في وجه مشاعره بشجاعة لأنه يعرف أن التفكير في فتاة غريبة ليس من حقه ويتذكر أن له أخت ولا يحب لأحد أن يفكر في أخته مثلما لا يسمح لنفسه بالتفكير في صديقتها.
وفي ليلة من ليالي أوت الحارقة واحلام ما تزال في المستشفى ،أحست إيناس بخنقة غريبة من شدة الحرارة وافتقادها صديقتها ، أطلت برأسها من النافذة لتشم هواءا نقيا باردا ، لكن كان كما لو أن الاشجار في تلك الليلة قررت أن تطلق هواءا ساخنا ،وقفت موجهة نظرها الى مدخل الباب وهي تتأمل منظر الاشجار ،وفجأة رأت شاحنة مراد تركن قرب الباب ،فقررت في تصابي أن تنظر اليه ماذا يفعل في خفاء ،فهدأت عن الحركة وسكنت أعضاؤها وكأنها طفل يحاول أن يلعب لعبة الغميضة ،وأخذت تراقبه وكان قد مر وقت طويل لم تره فيه فاغتنمت الفرصة أن تلقي عليه نظرة كيف أصبح بعد تلك الفترة ،كان مراد يُنزل صناديق من الشاحنة ويدندن ودار حول الشاحنة لكي يتفقدها من جميع الجوانب ومع تعبه نسي أنه وضع الصناديق في طريقه فتعثر بها وسقط ،لم تمسك نفسها إيناس وانفجرت ضاحكة كعادتها " هههههه "،وقف مراد بسرعة ورفع رأسه ليجد إيناس بشعرها المجعد الخفيف و القصير ووجهها الملائكي المملوء كوجه طفل ،سطع ضوء البوابة الخارجية على وجه مراد مما أظهره بصورة واضحة لايناس كان أسمرا صافي الوجه بشعره الاسود الليلي وعيناه البراقتان ورموشه السوداء التي تحلم كل فتاة أن تمتلكهم ،كان وسيما بكل ما للكلمة من معنى ،صمتت إيناس وكأنها تقف دقيقة صمت في حرم الجمال ،ثم تنبه مراد أن إيناس لا تضع خمارها ،ارتبك وحمل الصناديق في عجل ودخل الى البيت ،تسمرت إيناس في مكانها وأخذت نفسا عميقا وكأن الجو أصبح أكثر حرا .....ترى لماذا ؟ تساءلت وهي تحمل شيئا من الورق تنعش بها نفسها في حركة ذهاب وإياب
إيناس بصوت خافت وهي تلقي بنفسها على سريرها :" مرااااد ،كبرت وبهيت يا وحد الشيطان !!" ، لم تكن إيناس من النوع الذي يخفي مشاعرها واستطردت الحديث في العتمة :" وين خبيتيه عني أحلام غير ما تلاڤيت بيك ؟"
دخل مراد وتناول وجبته سريعا على غير عادته وصعد وهو يرتطم بكل شيء في طريقه وكأن الجميع قد رآه وهو ينظر الى إيناس بدون خمار ،كان الارتباك واضحا عليه لدرجة أنه أيقض السعيد ، فخرج ليجده في الردهة وهو يحمل لعبة محمد كان قد اصطدم بها في الردهة
السعيد مغمض العينين ويتكلم بصعوبة :" مراد واش كاين ،الخير ؟"
مراد في ارتباك :" أه ..والو والو روح ترڤد يا سيدي العاب محمد فالدنيا أكل.. "
السعيد يفتح باب غرفته :" روح روح ترڤد تنوض بكري "
يدخل مراد الى غرفته وهو يحمل لعبة محمد ويضع يده على قلبه ويضرب صدره ويحدث نفسه :" أحبس ،أحبس ڤلبي رايح تفضحني الله لا تربحك ،لاه تڤول راك رايح تخرج أوووووف"
إيناس تسمع كل الذي دار بين مراد والسعيد وتضع يدها على فمها وتضحك ضحكة جعلتها تتأكد أنها مهتمة بمراد ، في ثواني وبنظرته تلك في الخارج وصوته في جنح الظلام عرفت إيناس ترجمة مشاعرها أي نعم هي مشاعر فتية وفي بدايتها لكنها عرفت كيف تفسرها تماما لأنها قد مرت بهذه التجربة من قبل ولكن هذه المرة أحست أن الزلزال ضرب بقوة قلبها ،تنهدت على أمل أنه في الصباح تستطيع رؤيته وهو يغادر .
نام مراد تلك الليلة ساعتين فقط ونهض باكرا جدا كأنه يهرب من البيت ،ونهضت ايناس مبكرة لتسرع الى النافذة وتلقي نظرة لكن ضنها قد خاب ووجدت المكان فارغ ،تساءلت في استغراب :" واش صرالي ،علاه راني ملهوفة عليه؟ أنا اللي كنت نشنف عليه؟ " ،كانت ليلة واحدة ونظرة واحدة ونبرة واحدة كافية لتفي بالغرض وتلقي بإيناس في حبائل حب لم تكن تتوقعه أصلا .
كانت تحب الرجل ابيض البشرة وذو العينين الزرقاوين والشعر الاشقر والجسم الهزيل تماما مثل مصطفى ،الذي كانت معتقدة أنها تحبه ولكنها في ليلة اكتشفت أن ما أحسته مع مصطفى كان مجرد إنبهار وفقط ،وأنها تهيم حبا في شخص آخر.
هذا هو الحب يزورنا دون مقدمات ودون مواعيد ،يأتي فيشتتنا ويجعلنا نتوه في حياتنا أو نجد أنفسنا بعد أن ضيعناها وهذه الحالة الاخيرة أحستها إيناس بكل تفاصيلها ،أحست أنها وجدت نفسها ،أحست أنها كانت تغرق ويد مراد مُدّت لتسحبها من الغرق سلّمت قلبها لشخص كانت طوال الوقت تتهكم عليه ولا تعتبره أهلا لها ،يالها من مفارقة للقدر لم تكن لتصدقها ،لولا لهفتها على رؤيته ذلك الصباح .
فرشت الشمس أشعتها الذهبية على البساتين ككل يوم من أيام الصيف باكرا جدا لتجعل الجميع يهرع الى أعماله خشية حرارة الزوال ،شغّلت إيناس الراديو كعادتها لتسمع الاخبار وهي ترتب الغرفة فوجدت القناة تضع اغنية ام كلثوم
""""طول عمري بخاف من الحب وسيرة الحب ...من نزرة حب لأيتني بحب.... لأيتني بحب واموت في الحب ......."""" توقفت للحظة وهي تذهب مع كلمات الأغنية ووجدت نفسها تفكر في مراد مع الاغنية ،فانتفضت ولبست حجابها وخمارها وذهبت الى سي الصالح طالبة منه أن يأخذها الى أحلام بسرعة.
ذهبت اليها والتقت بها في رواق قرب غرفة الحاجة فاطمة جلستا على كرسي واحد بصعوبة ،وجدتها في حالة سيئة جدا من التعب فهي طوال تلك الليالي لم تنم جيدا بسبب الفرشة على الارض وآهات الحاجة فاطمة وصرخات المرضى الموجوعين ،وذهاب وإياب الممرضين ورائحة الكحول والخنافس التي تملأ المكان وبين الفينة والفينة تجد خنفسا يركض فوق ساقها فتنهض مفزوعة ومتقززة فيطير النعاس من عينيها ،وأخبرت إيناس أن السعيد لم يعد يهاتفها إلا للضرورة القصوى ،وأنها لم تعد تحس بالطمأنينة وأنها حزينة دائما .... كانت أحلام تتحدث وإيناس في عالم آخر
أحلام تنظر الى صديقتها :" راكي تسمعي فيا ولا راني نهدر وحدي إييييو"
إيناس وهي تائهة بعينيها في قطعة قطن مرمية أمامها :" أحلام لاه عمرك ما صورتي مراد وجبتيلنا فوطوه ؟"
استغربت أحلام من صديقتها السؤال الغريب وسكتت قليلا ثم نهضت لأن الجلسة مع إيناس في مقعد واحد ليست فكرة مريحة ،ووقفت ساندة ظهرها الى الجدار المقابل وهي تنظر اليها في تعجب ،
أحلام :" ما جاتش فرصة برك ومراد ما يحبش يتصور بزاف لاه يعني ههههه تلاڤيتي بيه ولا ...."
وفجأة هجمت عليها إيناس وأمسكتها من أعلى حجابها وكأنها تريد أن تخنقها وضغطت عليها لتثبتها الى الجدار وهي تقول لها :" حرام عليك يا مخلوقة على الاقل صوريه جيبيلي فوطوه ،ڤوليلي عاجبك لالا ،مدرڤاتيه لاه حرام عليك. غير تڤولي راه معجب بيك كشما نهار سييتي توريهلي .. "
أحلام تحاول التملص من صديقتها :"يا إيناس كتلتيني ،استناي ،كنتي تديريلي هكذا كي تشوفي مصطفى جا يحكي معايا وتڤوليلي لاه يهدر معاك ،وضرك أح أح واش صرالك اطلڤيني نهدرو!!!!"
إيناس تترك أحلام وتطلق كلمة عجزت عن تفسيرها أحلام وكأن شخصا آخر غير صديقتها من نطقها ،أو أنها في حالة هلوسة من التعب
إيناس :" نحب مراد ..."
بكل بساطة نطقتها وكأنها قالت أنها تحب المطلوع أو تحب المثلجات ،ابهذه البساطة نكتشف أننا نحب ؟،أبهذه السرعة نعرف أن ما نشعر به تجاه شخص ما هو الحب ،أيوجد أناس في هذا العالم تشبه إيناس يا ترى ؟
كلها تساؤلات دارت في رأس أحلام وهي تحلل كلمتين سمعتهما للتو من صديقتها ،لتنظر اليها مطولا ويسود صمت طويل بينهما، تقاطعه أحلام بضحكة كبيرة مطولة حتى جلست على الارض على ركبيتها وهي تمسك بطنها وتنظر الى إيناس وهي تدير بوجهها خجلا من صديقتها .
أحلام مقهقهة :" قهقهقه ههه آي ما قدرتش نهدر أسمحيلي بالنسبة ليك ماهوش يضحّك بصح أنا كتلتيني ،واش هاذي نكتة ولا صبر الآراء ولا تسيي فيا واش هي هههه ...."
إيناس ترفع حاجبها وتصرخ :" أحلااااام يخي تعرفيني ما نتمسخرش في هاذ الحوايج !!!"
أحلام تتوقف عن الضحك وتعود الى حالتها الجدية :" ومصطفى الله يرحمو ،ولا كنتي تلعبي ثاني ؟"
إيناس تحكي لأحلام كيف أن نظرها وقع على أخيها بالامس فقط وأنها أحست أن هذا هو الرجل الذي يمكنها أن تكمل معه حياتها ،كأي شخص في العالم عندما يعجب من أول نظرة كانت هي ولأنها فتاة صريحة وليست كتومة طفا كل شيء الى خارجها .
إيناس :" مصطفى ،كان مجرد تحدي لأنو حبك وما حزرش فيا ،ولا حسيت في يوم معاه اللي حسيت بيه البارح مع مراد من خزرة واحدة ،صدقي ما تصدقيش راجعة ليك ،أنا قررت أني نتزوج مع مراد كي نكمل الجامعة "
أحلام في استغراب :" رايح يكون بنهار السعد على مراد أكيد ،خبريني صحبتي كيفاه تأكدتي من مشاعرك في لحظة وبين ليلة و ضحاها حيرتيني !؟"
إيناس :" أنا مختلفة عليك أحلام تربيتي وكبرتي وانتي تخبي كل إعجاب في ڤلبك، حتى صحبتك اللي هي أنا ما نعرف على ڤلبك والو ،ما تعودتيش تحكي ،أما أنا خبريني ڤداه واحد ڤتلك راه عاجبني من المتوسطة لحد اليوم ،صح ولا يوم خرجت مع واحد فالحرام ولا حسست واحد فيهم أني معجبة بيه ،شوفي مصطفى كون عرف أني معجبة بيه تحسبي يهدر معايا كزميل ولا يهز عليا التيليفون حتى ؟ الحمد لله عايشة بشرفي ونتبع الدين بصح حاجة خلقها ربي فيا هي المشاعر والانجذاب للطرف الاخر ما نقدرش نخبيها ،وكيما نمرض من راسي نقدر نمرض من ڤلبي وعادي تفوت ،أما هاذي المرة مع خوك حاجة أخرى هذا حب من نوع آخر لأول مرة نحس بيه هذا اللي نشوفو واقيلا فالأفلام هههه"
نظرت إيناس الى صديقتها لتجد دمعتين هربتا من عينيها واحمر وجهها وهي تتنهد ،فاقتربت منها وعانقتها وهي تعرف تماما جرحها ،كانت قد قررت مسبقا أن لا تتدخل وتدعها تكتشف أعماقها بنفسها .
كانت أحلام ضائعة وسط مشاعر متضاربة فمن ناحية مصطفى ولد الأكابر والثاني في الدفعة وناجح في حياته العلمية والمهنية مع والدين ثريين يلبيان له كل طلباته ،أزرق العيون وسيم وأشقر ،فارس أحلام وصفقة رابحة لكل فتاة تحلم بالزواج وفوق كل هذا يعشقها ويطلب لها الرضى أن ترضى ،وفي كل عطلة صيف يطلب من إيناس أن تخبرها بأن تسمح له بزيارتها مع أهله ليخطبها رسميا لكنها ترفض بحجة الدراسة ،لكنها مع ذلك تضل تتجاهله ولا تحدثه إلا في أمور الدراسة ، ومن ناحية تلك المشاعر الدخيلة عليها مع وحيد فلا أحست معه نفس إحساسها مع أخيها السعيد ،ولا نفس الشعور مع مصطفى شعور تغلغل فيها وأخذت تستلذ به لحظة وتتألم منه لحظة.
وهو ما آلمها تلك اللحظة وهي تسمع صديقتها تتحدث وكأنها عاشت شعور صديقتها قبلا لكنها لا تذكر أين ،فهي تستبعد تماما وحيد لأن عقلها الباطن قد وضعه في رتبة أخيها السعيد لأنه كبير في السن ....وفقط .
وبينما إيناس تمسح دموع صديقتها سمعا الممرضة تنادي على أحلام وتصرخ من داخل الغرفة ،ركضت الفتاتان الى داخل الغرفة فوجدتا الحاجة فاطمة تبكي وتصرخ وهي في حالة يرثى لها
الحاجة فاطمة في صوت متألم :" آه صفية خليلي وليدي ، خطفتيه رجعيهلي ....وحيييييد جيبولي وليدي أه أها"
نظرت أحلام الى الممرضة وسألتها :" واش بيها يخي كانت لاباس عليها هاذ الايامات ؟"
الممرضة في صوت خشن :" عادي بدات تخرف على حساب الشوفة راه في عمرها ڤريب تسعين سنة "
إيناس تجيب الممرضة إجابة قوية وغاضبة وهي تلملم ما كسرته العجوز على الارض :" نتي بلا ڤلب على حساب الشوفة روحي أشري واحد من البوشري هاو كاين واحد على الدورة ،روحي خير ما نعيطلك لسيادك يربيوك.... "
توقفها أحلام لأنها تعرف صديقتها لو تكمل معها ستنتهي الممرضة تحت قدميها ،تقدمت من العجوز وأخذت تهدؤها فيما خرجت الممرضة وهي تتوعد وتتهدد و إيناس تمسك نفسها من أجل صديقتها .
طوقت أحلام العجوز بذراعها الايسر وأخذت تقبلها وحملت الهاتف بيدها اليمنى وهتفت لأخيها السعيد ليخبر ابنها بالحضور اليها ،كانت لا تستطيع نطق اسم وحيد على شفتيها عندما تتحدث عنه وتقول فقط .....ابنها ،طمأنها السعيد أنه سيخبره حالا لكنها يجب أن تهاتف مراد ليأخذها من المستشفى ،فالبنسبة اليه ممنوع أن تتواجد في نفس المكان مع وحيد وهو يشك فيهما ، فهمت أحلام ما كان يقصده أخوها وهاتفت بسرعة مراد فأخبرها أنه في طريقه ليحضر طلبية وعندما ينتهي سيمر عليها بالسيارة.
جلست تنتظر وتحنن مع صديقتها على العجوز وتسامرانها لكي تهدأ وتارة تنادي العجوز أحلام بصفية وتارة أخرى تنادي بها إيناس وتبكي ثم تضحك وتتحدث الى زوجها المتوفي ،بعد ساعة من الحديث والصراخ تعبت واستسلمت الى النوم لأن جسمها كان هزيل والتجاعيد تملؤه في كل مكان ،كانت كطفل بريء ينام ودمعته على خده .
أحلام تتحدث الى إيناس في هدوء لكي لا توقض العجوز :" حڤا عيطتي لمصطفى كيما ڤتلك ؟"
إيناس :" إيه عيطتلو وڤالي غدوا جاي لواحد صاحبو لهنا ويفوت للفيرمة نتاع وحيد ويهدر معاه كيما ڤلتي "
ارتبكت أحلام وكأنها لا تريد أن يحصل هذا وكأنها تحس أن شيئا ما سيحصل أو أن هناك غلط ما في الموضوع لكنها مع ذلك أكملت ,ثم أغمضت عينيها وقالت :" ضرك اذا جا وحيد قبل مراد نڤولو يستقبل مصطفى عندو واذا ما حبش عادي ميش مشكل ..."
يقشعر بدن صديقتها وتضرب يدها على صدرها :" أخاه هبلتي! انا نروح نروح ما نشوفش ڤلبي ضعيف... "
ابتسمت احلام في خوف ورعشة داخلية أحست بها بسبب ردة فعل صديقتها :" ماتخافيش نشالله ما يصرا والو ... ربي يستر " قالت كلماتها الاخيرة وهي تتنهد وتطل على الرواق في انتظار وحيد ليطل من آخر الرواق ،كانت متلهفة لرؤيته واختلط خوفها مع لهفتها ،لم تفهم لما تفعل ذلك لكنها تفعله لإرضاء شيء بداخلها .
أحلام :" إيناس كي يجي وحيد أنا نهدر معاه وانتي عسي مراد هو يجي وانتي ڤوليلي تفاهمنا ؟"
إيناس ترتجف وتقترب من وجه أحلام :" خوفتيني يا محاينك ،اليوم بارك اكتشفت اني نحب خوك قبل ما يعرف رايح يكرهني وعلاه تديريلي هكذا ركايبي راهم يرجفو حرام عليك حكمتي على قصتي بالموت قبل ما تزيد .....بصح نوڤف معاك ونشوف وين رايحة توصلنا روايتك ؟"
أحلام تسكت صديقتها بيدها وهي واقفة في الباب تنظر الى الرواق خلسة وتركض نحوها في عجل وتتكلم بصوت منخفض :" جا وحيد هو وبنو كيما ڤتلك يخي ؟"
إيناس تهمس في خوف :" أسترنا يا رب من مراد ...."
في هذه الاثناء يدخل وحيد ويده في يد ابنه بدا رائعا وهو يلبس قميصا ابيضا بنطالا اسود ورائحة عطره قد ملأت المكان ،كانت شيبته واضحة هذه المرة كثيرا وسط شعره الاسود وندبته أيضا لأنه قد مشط شعره الى الاعلى ،وكان يحمل كيسين سلم بتحية رقيقة و قدم كيسا الى أحلام ،أقبل على أمه يوقضها مخلفا الفتاتان خلفه ،فأشارت أحلام لإيناس أن تقف في الرواق في همهمات وإشارات لفتت انتباه وحيد لكنه واصل التحدث الى أمه وتدليلها ،أحضر لها العنب الاسود الذي تحبه وبدأ يؤكلها وهي تنظر اليه وتمسح على وجهه وتقبل يده وتقول له :" ما خلاتكش القولة صفية تجيني ،هذا وين طلڤاتك راه ربي كاين ...." ،ارتبك وحيد وابتسم في حزن على امه وغير الموضوع محاولا أن يخرج من الموقف وقال في شفقة :" المخلوقة ماتت الله يرحمها هاذي ڤريب عامين ،ومزلتي متفكرتها الله يرحمها.... "
الحاجة فاطمة تصرخ وكأنها سمعت الخبر لأول مرة :" الله الله ماتت وكت ؟ شفت ڤتلك ربي كاين ورحت وجيت ليا " ثم تعود الى صوابها بعض الشيء وتتذكر صابر :" صابر وينو عوينتي جبتو ؟"
وحيد يقرب صابر لامه ويضعه قربها :" هاو صابر... سلم على جداك والعب معاها شويه ...." يلتفت الى الفتاتين ليجد أحلام وحدها خلفه مباشرة مبتسمة وهي تنظر اليه كيف يتعامل مع والدته ، فيتشكرها على وقفتها معه وهو يحاول أن يهرب من نظراتها فقد كانت تنظر اليه وكأنها تحفظ ملامحه ،وهي غير مدركة ذلك .
أحلام تلقي اليه نظرة مع ابتسامة يقع نظره عليها وهي تقول في كل رقة :" معليهش ،الناس لبعضاهم ،وانت كشما تحلت أمورك مع المال ، وبنك راه لاباس ؟"
جاوبها وهو يعطيها عنقود عنب صغير حمله من العلبة التي أحضرها لأمه:" الحمد لله نحمد ربي ونشكرو ،ومن بعد نتم وبالذات نتي وڤفتي معايا ،جبتلك حاجة ميش كبيرة بزاف بصح معناتها يعطيك الصحة.... نشالله تعجبك ... "
أحلام تتناول من يده عنقود العنب في حياء وتشكره وتبقيه في يدها دون أن تأكله ،و اعتذرت له عن رقم الهاتف الذي أعطته الى السعيد وأخبرته أنه كان تسرع منها أن تطلب منه رقمه .وأكدت له مرة ثانية أنها تريد أن تكتب الرواية وأنها وجدت الطريقة الانسب لكي تعرف القصة كاملة وذلك عن طريق استضافته زميلها في الدراسة عنده ثلاث أو اربع ايام حتى يحكي له القصة إذا كان لا يزعجه ، وطبعا لأنه ممتن لها فهو ليس في وضع يسمح له بالرفض فهو يسعى الى ارضائها قدر الإمكان وافق على الفور بعد أن أخذ رقم مصطفى من عندها ،وفي هذه الاثناء والحديث يأخذهما خرج صابر من الغرفة بعد أن نامت جدته ثانية ،وسار في الرواق الى الخارج ،حين رأته إيناس ركضت لتعيده و التقت عند باب الخروج بمراد قادم ليعيد أخته الى البيت لم يتوقع أن يراها هناك .
سلمت عليه في حياء وهي تحمل صابر : " صباح الخير "،
ارتبك مراد وسلم مستغربا : " صباح الخير واش تديري هنا ؟" تذكرت إيناس كل مشاعرها فجأة واحمرت وجنتاها في خجل وردت بهدوء: "جيت الصباح مع عمي صالح وهاني هنا مع أحلام "
انتبه وحيد أن ابنه اختفى من الغرفة ففزع وراح يبحث عنه كالمجنون ،وعندما رأت أحلام منظره فزعت وتذكرت ذلك اليوم الذي فقد فيه محمد والبئر الذي كادت تسقط فيه ،ومع ارهاقها لأيام سقطت ارضا مغما عليها ،ركض وحيد اليها يوقضها وعندما لم تستفق حملها وركض بها في الرواق في طريقه الى الاستعجالات ،رأى مراد المنظر من بعيد وفار الدم في رأسه واتجه راكضا نحو وحيد ودون أن يسأل عن أخته طلب منه أن يضع أخته ارضا ،رفض وحيد ، كان قلقا جدا عليها لدرجة أنه فقد صوابه ورفض أن يسلمها لمراد من غير تفكير، كانت إيناس تمسك صابر وتمسك قلبها معه ،وتراقب في خوف شديد ،اضطر مراد أن يلكمه ليوقع أرضا وهو يمسك بها بين ذراعيه في هذه اللحظة استفاقت أحلام من الاغماء بعد الرجة التي حدثت لها لتجد نفسها بين ذراعي وحيد ومراد واقف يطلق كلاما جارح لوحيد ،انتفضت من فورها وهي تذهب يمينا وشمالا من الدوار وتمسك بالجدار
صرخت إيناس بمراد :" أحكم ختك رايحة تطيح مراد واش بيك! "
أحلام تصرخ وسط دوارها :" أخطيه علاه تضرب فيه واش من شر دارو حرام عليك يا ناس عييت !!... "
يسمع مراد كلماتها وهو في قمة الغضب فيصفعها صفعة اسقطتها على الارض حتى خرجت الدماء من أنفها وبقت دون حراك، ركضت اليها إيناس في خوف وبكاء .
عندما رأى وحيد هذا المنظر لم يحتمل ووقف على الفور ليلكم مراد ويمسكه من اعلى قميصه ويسنده الى الجدار ومراد يتفلت منه في غير جدوى وكأن مصارعا قد ثبته وقال له وعيناه تكاد تنطق غضبا :" شوف مراد المرة اللي فاتت وڤلت ما فهمش مليح وعطيتك عذر درت قدر لبويك ،واليوم خليتك ضربتني في جال ختك هازها وڤلت غار على ختو عادي وكنت رايح نڤولك اسمحلي ..،بصح أنك تضربها في جالي وزايدة باينة مريضة وتعبانة من السهر مع مّا هذا اللي ما نفوتوش نهائيا ،حل عينيك مليح مانيش خدام عندك ولا راني بلا كرامة حتى في كل وقت تهز يدك ،قادر يدك نڤطعها بصح داير في راسي الملح اللي بيناتنا هز ختك من الأرض الناس تلايمت تتفرج فيها، إذا كنت خايف على حرمة ختك ،عيب عليك تضربها ڤدام الغُرب ومرة أخرى خمم قبل ما تهز يدك .... "
بكت أحلام وبكت معها إيناس وقد تركت صابر عند جدته وعادت الى صديقتها تمسح دماءها ودموعها ،ركضت ممرضة فأحضرت كرسيا متحركا ارتكزت أحلام على إيناس وجلست عليه على مرأى من عيني وحيد وقد زاده منظرها شوقا وتمنى لو يعانقها وينزع عنها كل آلامها التي تشعر بها ويعتذر منها آلاف المرات لكن العين بصيرة واليد قصيرة وبنت السلطان بعيدة عنه كبعد السماء عن الارض ،أفلت مراد ونفض بنطاله ونظم قميصه ودخل الى والدته .
بقى مراد مسمرا في مكانه فلا يعرف أهو أخطأ أم هو على حق وقال في نفسه :" مراد هذه بتلك ،ربي يخلص في نفس اليوم وعينك تشوف ،بنت الناس شفت فيها بغير وجه حق لبارح فالطاڤة ربي خلصها في ختك مباشرة ،استغفر الله العلي العظيم من كل ذنب عظيم ، يا ربي اغفرلي ...." قالها وهو يتجه الى أحلام ويتبع الممرضة وإيناس الى قاعة العلاج ولم يهدأ غضبه بعد وفجأة قرر العودة الى وحيد ليمسح به بلاط المستشفى وعندما اقترب من الغرفة وجده يحمل ابنه ويقبله في خوف فرأف بحال الصبي وعاد الى قاعة العلاج ،دخلت إيناس مع صديقتها الى غرفة العلاج تقدمت منها الممرضة لتأخذ ضغطها وهمت أن ترفع لها على ذراعها وإذا هي تمسك بشيئ في يدها بقوة حتى أخرجت ماءهُ كان عنقود العنب الذي أعطاه إياها وحيد فتحت يدها ونظرت اليه وبكت في شهقة لم ترها بها صديقتها من قبل حتى أنها بكت معها .
انهت الفحوصات وأخبرتهم الطبيبة أنها تعاني من هبوط حاد في الضغط بسبب التعب وقلة النوم وأوصتها بالراحة التامة والاكل جيدا ،خرجت إيناس تسند صديقتها على كتفها ووجدت مراد أمام باب المستشفى وقد هدأ قليلا فقادها الى السيارة وهمت بفتح الباب في نفس الوقت معه فوضع يده على يدها دون أن يشعر على قفل السيارة ،ارتبك وارتبكت ثم تركته ليفتح الباب وأدخلت أحلام وركبت بعدها ،وفي الطريق ساد صمت رهيب ،قاطعته إيناس بصوت خافت جدا :" مراد تربح نشالله مكان لاه تحكي واش صرا اليوم مكان والو ،سوء تفاهم وفات وأحلام هي اللي تهمنا راها مريضة ما يزيدوش عليها بالعْفار نشالله تربح ولا حبيت تحكي خلي حتى تبرا واحكي على روحك ..."
مراد في هدوء وكأنه القي عليه سحر بعد سماع اسمه من شفتيها وتوجيهها الكلام له دون وسائط :" إيه معليهش ،أنا أصلا هدرتي ميش معاها هي راها كانت ساكرة ،هو اللي هزها واش كان يخمم على الاقل كون عيط للطبيب ميش يهزها ! ،وزيد لاه ما ستنيتونيش برا لاه ڤعدتو ؟"
إيناس في ارتباك محاولة الاجابة :" ڤعدنا نڤولولو على الدوا اللي يمدولها ونڤولولو واش ڤال الطبيب على مُو هذا مكان... ومن بعد هرب بنو رحت نجيبو وتلاڤيت بيك ،وخلاص "
سمع مراد كل كلمة قالتها إيناس بانتباه وإصغاء شديدين وواصل مسيره الى البيت .
أحلام مع كل هذا لم تكن تنصت الى أحد بل وضعت يدها التي كانت تحمل حبات العنب على أنفها وأخذت تشم رائحة يدها التي كانت قد التصقت بها رائحة عطر وحيد كانت تشمها وهي تذكر كل حركة من حركاته ،كانت تتذكر كيف وجدت نفسها بين ذراعيه كقصة من قصص الخيال ،تذكرت كيف كانت ذراعاه تحيطان بها ،وبكت بكت لأنها لم تفهم لما هي سعيدة بلقائه وسعيدة برائحة عطره وسعيدة بتذكر حضنه حتى وان كان من باب المساعدة فقط رغم كل هذه المشاكل المحيطة بها.
في هذه الاثناء يجلس وحيد وهو يؤنب نفسه ويعاتبه ضميره لانه أحس أنه تمادى بحمله لها أمام أخيها ،وفكر كيف له أن يعتذر للعائلة وكيف له أن يساعدها ،ثم تذكر مصطفى فأمسك الهاتف وشكل الرقم وهو يلعب بخصلات شعر ابنه الذي تمدد على ساقي والده من التعب ،رن الهاتف وحمل ليرد شاب يبدو صغيرا في العمر :" الو وشكون معايا ؟"
وحيد :" السلام عليكم ،أنا وحيد حكاتلك عني أحلام ،عيطتلك نڤولك ،اهلا وسهلا بيك عندي ،كي تخلص شغالاتك غدوا عيطلي نجي نديك للدار "
رد مصطفى في فرح :" إيه إيه علابالي نخلص برك ونعيطلك ،اسمحلنا برك هاذي أحلام كي تحب حاجة تسعى ليها بقوتها ،وقصتك عجبتها وحبت....."
يقاطعه وحيد بصوت صارم :" المهم ،كي تخلص عيطلي هاني هنا ...السلام عليكم "
وأقفل الخط وهو ينظر الى الهاتف مقطب الحاجبين وكأنه ينظر الى مصطفى ويقول في تقليد لحديث مصطفى :" هاذي هي أحلام نا نا نا علابالنا راك تقرا معاها وتعرفها كثر مني " ،ابتسم وحيد عندما رأى ابنه ينظر اليه ويضحك وهو يميل فمه ويقول ما قاله
وقال لابنه :" ايه وليدي ومن بعد إذا غرت شويه لاه تضحك عني ؟"
ثم يلتفت فإذا أحلام نسيت محفظة اليد الخاصة بها والكيس الذي يحوي الهدية وكانت المحفظة مفتوحة ويظهر بداخلها جيدا دفتر ذكرياتها التي تكتب فيه دائما لأنه كان مغلف بغلاف يجذب الناظر اليه ويصعب لمن رآه أن ينساه ،اقترب منه وحمل الدفتر دون سواه وأخذ ينظر اليه ،وعرفه لأنه هو نفسه الذي أعطاه لها في ذاك اليوم عند محطة الحافلات ، نظر اليه مطولا وبدأ الفضول يلعب برأسه ،متسائلا عن خطها وطريقة كتابتها ،وعن ماذا كانت تكتب في ذاك اليوم والفضول يزداد حتى فتح الدفتر وأخذ يقرأ من الاول وأعجبته ذكرياتها الطفوليه ،في بداية الدفتر وبدأ يتصفح بسرعة حتى قرأ في صفحة
" لا أشعر تجاه مصطفى بشيء غير أنه إنسان رائع وكل فتاة تتمناه ،مصطفى عنوان للصفاء والنقاء و..." ،قلب الصفحة وكأنه لا يريد أن يعرف أكثر عن مشاعرها تجاه مصطفى ،وقرأ صفحة أخرى
" شعرت أنني أسقط بالبئر ودّعت العالم كله وتذكرت والدي أخوي وأختاي عندما تدلى ذلك الحبل وكأنه تدلى من السماء وكأن ملكا ما ارسله الله الي لينقذني ،وبعد أن صعدت لم أعد أعرف أأشفق أم أكون ممتنة ،لأن كل شيء قد انقلب والملاك حوله أخي شيطان واختلطت علي الامور لكنني سعيدة بنجاتنا ....." ، وقلب الصفحات حتى لفت انتباهه رسمة وردة وسط الكتابة فقرأ
" شعور غريب كزهرة برية تنمو الى جانب البيت ،فتستأنس بأهل البيت ويستأنسو بها وبعد أن تتكاثر ينزعجو منها ويحاولون التخلص منها لكن فات الاوان وتوغلت بذريّتها في أرجاء المكان وصار لونها يلون خارج البيت وداخله ،كذلك ما شعرت به معك ايها الرجل الغامض ،كان شعورا هادئا ثم بدأ باجتياحي كتلك الزهرة تماما ،لما غموضك ؟ وغموض مشاعري...."
توقف عن القراءة ورفع رأسه ليجد السعيد يقف في الباب محدقا به ودفتر أخته بيده وحقيبتها مفتوحة فوق طاولة في الغرفة .
السعيد يتحدث في غضب محاولا تهدئة نفسه وهو يميل رأسه لجهة وحيد وما يحمل
السعيد :" جيت نطل على الحاجة واقيلا ڤاطعتك ،كمل كمل ...."
يقف وحيد ويضع الدفتر على الطاولة بجانب الحقيبة .......
......
ترى ما الذي سيدور بين السعيد ووحيد ؟ وهل سيبقى السعيد هادئا رغم ما رآه ؟
تابعوني