- إنضم
- 27 جويلية 2014
- المشاركات
- 15,118
- نقاط التفاعل
- 39,538
- النقاط
- 13,026
- محل الإقامة
- العاصمة
- الجنس
- أنثى
هنيئا لك يا من أدركت رمضان ؛
لابد من التحلي بالصبر في شهر رمضان ،، تابع القراءه تستفيد ،،
وبعد؛ عباد الله، ها هو شهر الصيام والقيام قد حل بساحتكم، ونزل ضيفا عليكم، يستحثُّ الهِمم، ويستنهض الأرواح، وينبه النفوس؛ لتقوم من غفلتها، وتصحو من نومتها، وتعود إلى بارئها.
جاءنا رمضان ؛ لتتطهر فيه القلوب، وتتزكى فيه النفوس، وتحيا فيه الأرواح، وتغفر فيه الذنوب، وترفع فيه الدرجات، وتمحى فيه السيئات، وتعتق فيه الرقاب.
جاءنا رمضان لتقوية الإرادة، وصدق العزيمة، والانتصار على النّفس، والتّسامي بها فوق الشّهوات، والتّرفع بها عن الأحقاد والضّغائن والكراهية والعناد.
جاءنا رمضان بأيامه الفاضلة، ولياليه المباركة؛ التي لا تنقضي عجائبها، ولا تنتهي نفحاتها، فكلها هبات ونعم، وعطايا ومنح، وخيرات وبركات.
جاءنا موسم الطاعة والعبادة، موسم الجود والرحمة، موسِم العفو والمغفرة، موسم الفوز بالجنان والعتق من النيران.
إخوتي الكرام؛ كم تُطوى الليالي والأيام، وتنصرم الشهور والأعوام، فمن الناس من قضى نحبه ومنهم من ينتظر. يولد المعدوم، ويشِبّ الصغير، ويَهرَم الكبير، ويموت الحي، وينظر المرء ما قدمت يداه، وكلٌّ يجري إلى أجل مسمى. "كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها".
فهنيئا لك يا من أدركت رمضان ؛
فبلوغ رمضان نعمة عظيمة، ومنة كبيرة، لا يعرف قدرها إلا الصالحون المشمِّرون، العالمون بفضائل الأيام والشهور، والأعوام والدهور. فمن أدركه فاغتنمه فقد أدرك خيرا كثيرا، وفاز فوزا عظيما.
أخرج الإمام أحمد وابن حبان وابن ماجة والبيهقي عن طلحة بن عُبيد الله رضي الله عنه: أن رجلين قدِما على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان إسلامهما جميعاً، وكان أحدهما أشدَّ اجتهاداً من صاحبه، فغزا المجتهد منهما، فاستشهد، ثم مكث الآخر بعده سنة، ثم توفي. قال طلحة: فرأيت فيما يرى النائم كأني عند باب الجنة، إذا أنا بهما وقد خرج خارج من الجنة، فأَذِن للذي تُوفّي الآخِرَ منهما، ثم خرج فأَذِن للذي استشهد، ثم رجعا إليَّ، فقالا لي:
ارجع، فإنّه لم يأْنِ لك بعد. فأصبح طلحةُ يحدّث به الناس، فعجبوا لذلك، فبلغ ذلك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال: "مِن أيّ ذلك تعجبون؟ " قالوا: يا رسول الله، هذا كان أشدَّ اجتهاداً ثم استُشهد في سبيل الله، ودخل هذا الجنةَ قبله؟ فقال: "أليس قد مَكث هذا بعده سنة؟ " قالوا: بلى، "وأدرك رمضانَ فصامه"؟ قالوا: بلى، "وصلى كذا وكذا سجدةً في السنة؟" قالوا: بلى. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فَلَمَا بينهما أبعدُ ما بين السماء والأرض".
رمضان يربينا على الصبر:
إخوتي الكرام، وضمن حديثنا عن أخلاق الإسلام العظيمة نودّ أن نقف في هذا الشهر المبارك مع خلق من أعظم الأخلاق والقِيَم التي يتربّى عليها المسلم في شهر رمضان، إنه خلق الصبر، الذي تدور حوله جميع الأخلاق والقيم.
فرمضان يربينا على خلق الصبر، ومن أجل ذلك سمي بشهر الصبر. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «شهرُ الصبر، وثلاثةُ أيام من كل شهر: صومُ الدَّهر». أخرجه الإمام أحمد والنسائي وصححه الألباني في صحيح الجامع.
وإنما وصف النبي صلى الله عليه وسلم شهر رمضان بأنه شهر الصبر لما يشتمل عليه من أنواع الصبر كلها؛ ففيه الصبر على فعل الطاعة، وفيه الصبر على ترك المعصية، وفيه الصبر على أقدار الله المؤلمة.
ففي رمضان صيام وقيام، وصلاة وتلاوة قرآن، وفيه بر وإحسان، وجود وإطعام، وذكر ودعاء، وتوبة واستغفار، وغير ذلك من أنواع الطاعات والقربات، وهي تحتاج إلى الصبر؛ ليقوم بها الإنسان على أكمل الوجوه وأفضلها.
وفي رمضان كفّ اللسان عن الكذب والزور واللغو، والسب والشتم، والصخب والجدال، والغيبة والنميمة، وفيه منع بقية الجوارح من اقتراف جميع المعاصي والآثام، وهذا كله يحتاج إلى الصبر؛ حتى يتمكن العبد من حفظ نفسه عن الوقوع فيها.
وفي رمضان يترك الصائم طعامه وشرابه وشهوته، فيُحِسّ في نهاره بألم الجوع والعطش، وشدة المصارعة للنفس فيما تشتهيه، فيحتاج إلى الصبر؛ حتى يتغلب على ألم الجوع والعطش والشهوة.
فرمضان إذن شهرُ الصبر، وشهرٌ يربي على الصبر.
مفهوم الصبر :
الصبر في اللغة: الحبس والمنع، وهو ضدّ الجزع، ويقال: صبر صبراً: تجلَّد ولم يجزع، وصبر: انتظر، وصبّر نفسه: حبسها وضبطها، وسُمّي الصوم صبراً لما فيه من حبس النفس عن الطعام، والشراب، والنكاح.
والصبر في الشرع هو: حبس النفس على ما تكره، وعلى خلاف مرادها، طلباً لرضا الله وثوابه.
قال ابن القَيِّم في تعريف الصبر: "حبس النفس عن الجزع والتسخُّط، وحبس اللسان عن الشكوى، وحبس الجوارح عن التشويش".
فلا صبر مع الجزع والتسخط، وإنما الصبر مع الرضا والحب، وتفويض الأمر كله لله. فمن الناس من يجزع ويتسخط في رمضان، يجزع من الجوع والعطش، ويعُدّ أيام رمضان عدّا، فهذا لم يتعلم الصبر من الصوم.
كما أنه لا صبر مع الشكوى، إلا أن تكون الشكوى إلى الله وحده، كما قال تعالى عن يعقوب عليه السلام: ﴿ قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 86].
كما أنه لا صبر مع تشويش الجوارح، والتعبير بها عن الجزع والتسخط، كلطم الخدود وشق الجيوب عند نزول المصيبة، وإطلاقها فيما يغضب الله عز وجل، وإنما الصبر مع سكون العبد وتسليم أمره لله، وتوظيف الجوارح فيما يرضي الله سبحانه.
وَإِذَا عَرَتْكَ بَلِيَّةٌ فَاصْبِرْ لَهَا
صَبْرَ الكَرِيمِ فَإِنَّهُ بِكَ أَعْلَمُ
وَإِذَا شَكَوْتَ إِلَى ابْنِ آدَمَ إِنَّمَا
تَشْكُو الرَّحِيمَ إِلَى الَّذِي لا يَرْحَمُ
مكانة الصبر وفضله:
الصبر خلقٌ عظيم، يرتبط بمقامات الدين كلها، فإنما تختلف أسماؤه بسبب اختلاف مواقعه، فإن كان في حبس النفس لمصيبة سُمِّي صبرًا، وإن كان في محاربة سُمِّي شجاعة، وإن كان في إمساك الكلام سُمِّي كتمانًا، وإن كان عن فضول العيش سمي زهدًا، وإن كان عن شهوة الفرج سمي عفَّة، وإن كان عن شهوة طعام سُمي شرفَ نفس، وإن كان عن إجابة داعي الغضب سمي حلمًا. فكل هذه القِيَم ترجع في معناها إلى الصبر، ولِيَتخلقَ المرء بها يحتاج إلى صبر.
فالصبر أساس لكل خُلُقٍ جميل، ووسيلة إلى التنزه عن كلِّ خُلُقٍ ذميم، ولعظم شأنه تكرر ذكره في القرآن الكريم أكثر من سبعين مرة، بألفاظٍ مختلفة، فهو مِن عزائم الأمور، التي يجب الحرص عليها والعزم على أدائها؛ كما قال سبحانه: ﴿ وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [الشورى:43].
وورد الصبر في القرآن الكريم مقرونا بمجموعة من القيم العليا في الإسلام، ومن ذلك:
1 - جاء مقرونا باليقين في قوله تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴾ [السجدة: 24].
2 - وجاء مقرونا بالشكر في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴾ [إبراهيم: 5] في أربع سور.
3 - وجاء مقرونا بالتوكل في قوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [النحل: 42].
4 - وجاء مقرونا بالصلاة في قوله تعالى: ﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ﴾ [البقرة: 45].
5 - وجاء مقرونا بالتسبيح في قوله تعالى: ﴿ وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ ﴾ [الطور: 48].
6 - وجاء مقرونا بالجهاد في قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النحل: 110].
7 - وجاء مقرونا بالتقوى في قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [آل عمران: 186].
8 - وجاء مقرونا بالحق في قوله تعالى: ﴿ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [العصر: 3].
9 - وجاء مقرونا بالرحمة في قوله تعالى: ﴿ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ ﴾ [البلد: 17].
وحسبك من خُلُقٍ يسهِّل على العبد مشقةَ الطاعات، ويهوِّن عليه تركَ ما تهواه النفوس من المخالفات، ويُسَليه عن المصيبات، ويُمِدُّ الأخلاق الجميلةَ كلها ويكون لها كالأساس للبنيان، ومتى علِم العبد ما في الطاعات من الخيرات العاجلة والآجلة، وما في المعاصي من الأضرار العاجلة والآجلة، وما في الصبر على المصائب من الثواب الجزيل والأجر العظيم؛ سهُل الصبْر على النفس، وربما أتت به منقا