السّلام عليكم
مراجعتي لرواية فتاة من ورق "لغيوم ميسو"
بعد أن أنهيت قراءة رواية "
فتاة من ورق" للكاتب الفرنسي "
غيوم ميسو"، شعرت بفراغ كبير بعد انتهائي منها، ذلك الفراغ الذّي تشعر بعد كلّ رواية كنت قد عشت تفاصيلها وحياة أبطالها ضمن تلك الصّفحات وتفاعلت معها بكلّ جوارحك...
لقد كانت بالفعل رحلة ممتعة بالنّسبة إليّ خاصّة لكاتب كنت قد قرأت له روايته "
غدا" العام الماضي التّي تعدّ أيضا تحفة أخرى من تحفه الرّوائيّة.
حين كنت أطالع الرّواية سجّلت بعض النّقاط التّي سأتلوها على التّرتيب بتوسّع لأنّها بالفعل رواية تستحقّ الدّراسة المطوّلة لكافّة جوانبها، فهي ليست تحوي تلك المادّة البسيطة التّي تمر فيها الأحداث عبر بنية (مقدمة، عرض، خاتمة) مرور الكرام ولا يستشعر القارئ أنّه غارق تماما في تفاصيلها متناسيا الواقع.
إليكم الآن أهمّ النّقاط التّي استخلصتها :
- العنوان: جذّاب بما فيه الكفاية لتقرأ الرّواية وتعرف من تكون الفتاة الورقيّة؟ كنت قد طرحت السّؤال: هل يمكن أن تكون هناك فتاة من ورق؟ وكنت أعتقد في البداية أنّها مجرّد صفة تدلّ على هشاشة الشّخصية، لأنّ الورق في أصله سهل القطع وهشّ جدًّا، ولكن القراءة قد أزاحت رأيي مع كلّ ورقة تقلب
- ككلّ رواية فالبناء دائما موحّد، مقدّمة، عرض، خاتمة ولكن تختلف طريقة التّرتيب من كاتب إلى آخر، فهناك من الكتّاب من يبتدأُ روايته من النّهاية، أو من البداية أو من منتصف الأحداث، وهنا، ابتدأ غيوم ميسو أحداث روايته من المنتصف حيث يبيّن شهرة شخصيّته الرّئيسة (وهو روائي شهير) التّي وصلت مؤلّفاته إلى القمّة ثمّ يعرض لنا مختلف الأحداث.
- نقطة أخرى تتمثّل في طريقة عرض الأحداث في بداية الرّواية وفي بعض الصّفحات، فتلحظ أنّها أخبار ترد في جرائد ذات عناوين مختلفة تتراوح أخبارها بين "طوم بويد" الكاتب الشّهير ونجاحاته، وبين "أرور فالنكور" عازفة البيانو الجميلة والموهوبة. تنقل الجرائد المختلفة التّي تتبّع حياتهما كما تفعل مع أيّ من المشاهير ولا تترد شاردة ولا واردة إلا وتكتبها في تلك الأسطر الموجزة. فتارة تحكي لنا نجاح "طوم" وتارة أخرى الوجه الآخر لعازفة البيانو "أرور" ، كما تنقل علاقة هذين الاثنين من خلال الملاحقات كما تفعل أيّ صحيفة في العادة، ثمّ حالة الانتكاس والاتهامات وحالات الاعتقال التّي تلقّاها الكاتب المشهور بعد انتكاسته العاطفيّة...
استعملت أيضا نفس النّقطة الرّسائل الإلكترونيّة على جيميل التّي أرسلت من طرف معجبي الكاتب الكبير يعبّرون من خلالها على سعادتهم بقراءة كتبه التّي ساعدتهم، وتكذيبهم لإشاعات الصّحف والجرائد التّي تصدر ضدّه مع إعلامه أنّهم يدعمونه كليًّا.
أيضا الرّسائل الهاتفيّة التّي تخلّلت بعض صفحات الرّواية، مرّة بين "طوم وأرور" ومرّة أخرى بين "ميلو وكارول".
- إلى نقطة أخرى تتعلّق بالاقتباس، لاحظت أنّ الاقتباسات في بداية كلّ فصل كانت مناسبة جدا لمحتواه، أعني كيف يمكن تخيّل فصل كامل يتناسب مع مقولة لا تتعدّى السّطرين إنّه فعلا يدعوك إلى التّفكير في الكمّ الهائل للمؤلّفات التّي قرأها "غيوم ميسو" حتّى يستخلص كلّ هذه الأقوال، أعنّي لا يمكنك فقط أن تبحث في الانترنت عن اقتباسات بشكل عشوائي، فكلّ اقتباس يجب أن يكون له صداه في نفس قارئه حتّى يتمّ استغلال كلّ المعنى استغلالا صحيحا في مكانه، وإليكم أحدها التّي أعجبتني وشدّة مطابقتها لما يحتويه الفصل: ، وتمثّل هذه المقولة تطبيقا على نصّ الرّواية دور "ميلو وكارول" لإخراج صديق طفولتهم "طوم" من هذه الانتكاسة التّي خرّبت حياته الاجتماعيّة والمهنيّة. وهناك مقولة أخرى: أمّا المرأة الأولى فكانت "بيلي" شخصيّته التّي ابتدعها والتّي ظهرت في منتصف انهياره لتحوّله شيئا فشيئا إلى انسان سويّ في حين أنّ المرأة التّي حطّمته بعد أن كان سويًّا كانت "أرور".
- النّقطة الآتية تتعلّق بالمعجم اللّغوي، الأدبي والفنّي للكاتب "غيوم ميسو"، حيث نجد أنّه متمكّن من اللغة المكسيكية، الإنجليزيّة رغم أنّه فرنسي بسبب إقامته في ولاية نيويورك، كما يورد عدد كبيرا من أسماء الكتّاب من مختلف الأجناس، كشكسبير، بول سارتر، أرنست همنغواي، فرجينيا وولف وغيرها من الأسماء، وعلى المستوى الفنّي فنجد ذكرا للمشاهير في عالم السّنما وكذلك القاموس الموسيقي وخاصّة الأمريكي المتمثّل في الرّاب والجاز وأسماء بعض البرامج التّلفزيونيّة كبرنامج x-file والأفلام.
- الشّخصيّات: أكثر شخصيّة أعجبتني في الرّواية هي شخصية بيلي لأنّها كانت واقعيّة بشكل كبير، في وصف الكاتب لتصرّفاتها وطريقة حديثها وتحرّكاتها. كلّ شخصيّة من الشّخصيات الكثيرة جدّا لها مميّزاتها. كما يجعلك القارئ تحسّ فعلا أنّها موجودة في الحقيقة لأنّه يقدم لها هويّة، كأي شخصٍ من العالم الواقعي، وما يزيدها واقعيّة هو ارتباطها بالمكان الذّي سوف أتطرّق إليه في نقطة الآتية.
- آخر نقطة هي المكان، المحاور الثلاث التّي دارت فيها الرّواية هي أمريكا، فرنسا، والمكسيك وإيطاليا وفي كلّ من هذه الأمكنة أرى أنّ الكاتب قد أوفاها حقّها من الوصف الدّقيق كما أنّه أعطانا أسماء لشوارع ومكتبات توجد في الحقيقة وكنت قد تحقّقت من أحد الفنادق – من باب الفضول- لأجد أنّه موجود بالفعل وهو فندق La puerta del paraiso الموجود بالمكسيك، وكنت قد ربطت الشّعور بوجود شخصيّات الرّواية حقيقة هو تجوّلها فيؤ مختلف الأماكن. ويمكن أن أرجع هذه الدّقة في معرفة الأماكن ووصفها هو أنّه أولا هو كاتب فرنسي ولد بفرنسا وترعرع فيها فمن المؤكّد جدّا أنّه يعرف كلّ شارع من شوارعها. كما أنّه أقام في أمريكا فهو يعرف نيويورك لأنّه عمل بها، من المرجّح أنّه زار إيطاليا والمكسيك أيضا ما يدلّ على معرفته باللّغة المكسيكيّة وأهمّ الأماكن الموجودة بها.
كانت هذه قراءتي لرواية فتاة من ورق "
لغيوم ميسو" أرجو أن أكون وفّقت ولو قليلا لأنّها رواية دسمة، تحتاج لأكثر من مراجعة حتّى تلمّ بجميع جوانبها.
الرّواية التّالية :
الخيميائي لباولو كويلو