متهجئ الحرف
:: عضو مُشارك ::
- إنضم
- 17 أوت 2016
- المشاركات
- 328
- نقاط التفاعل
- 1,131
- النقاط
- 141
- العمر
- 39
- محل الإقامة
- الأردن - عمّان
- الجنس
- ذكر
يحيى شابٌ مُجتهد، مُطلّق، يعمل في فندق من فئة الخمس نجوم بوظيفةِ تدبيرٍ منزلي، وأيضاً هو بالأصل شاعرٌ وقاصّ. وكان قد أصدر مجموعة شعرية قبل عامين من زواجه الفاشل، وكتب في العديد من الصُحف المحلية والعربية. يسكن وحيدًا في شقة متواضعة قرب " جبل عمّان ". جُلّ حياته محصورةٌ بين عمله في الفندق وكتابة الشِّعر وقراءة الكُتب، تلك الكُتب التي تستهلك نصف راتبه الزهيد لكنّها متعته الأكبر. من عاداته السيئة أنّه يُحبُّ السُكْر. يذهب كل ليلة خميس لحانته المفضلة: بار "البيكاديلي" وسط "العبدلي" مُصطحبًا أوراقه البيضاء وقلمه الجامح؛ ليُشرك الشِّعر في سَكْرَتِه الواعدة، ولكن هذه المرة غير كل مرة؛ فاليوم عيد ميلاده الثلاثين، قرّر أن يحتفل وحده، تأنّق وخرج من بيتِه بخطواتٍ مُتثاقلة كأنّهُ سيصطدم بشيءٍ أحسّ به، وهو ما حصل لاحقاً. وصل البار، كان المكان يعج بالسكارى والموسيقى تتصبّب بغزارة في كل زاوية، جلس لطاولته التي يُحبّ الجلوس عليها، طلب "فودكا" مشروبه المفضل، وراح يسكر من دون توقف وهو مالم يفعله من قبل، تزاحمت الأفكار في رأسه، كأن اللغة تتشقّق من بين أصابعه، وضع ورقةً بيضاء أمامه وبدأ يكتب:
كم مرةً يجب أن تموت!
قل لإنسانكَ الأبله يُعِد ترتيب صِفات الحُزن
مرثاة الأحياء أوّل السطر
أغاني الملاعين أعلى جوف الحلقوم
رِجْس الشيطان قبل دعاء الغياب
مواجد النُور في الثُلث الأخير من الليل
كُلّ العدم يبكي وأنا أيضاً!
توقف عن الكتابة وهو يتنهّد بصعوبة بالغة، فقد وصل بسكره مرحلة بعيدة حتى خرج عن وعيه، يترنّح، والأرض من تحته تدور وتدور بكل سرعة وكأنها تتعمد أن يفقد اتزانه فيسقط عليها.
وقبل أن يحاول النهوض بنفسه تلتقطه إحدى المومسات عن الأرض وتذهب به لدورة المياه، تضع رأسه تحت صنبور الماء وتفرك شعره بأصابعها وهي تقول: "إذا كان الشِّعر أحياناً يُسكر المرء ويُخرجه إلى متاهات واعدة؛ فكيف تزيد على النار ناراً أخرى؟!"، ثم تأخذه من الحانة وهو متكئٌ عليها بلا وعي، وتذهب به إلى "خليج العقبة" حيث شاطئ البحر لا يضاهيه جمال في الليل، جلسا أمام البحر، هي في كامل وعيها وهو يحاول أن يسترد ما ذهب من وعيه، بدأت تغنّي بالفرنسية. قال وهو يُحاول الوقوف: "هذه من أغاني (أنديلا)". تنفست الصعداء وضحكت بصوتٍ عالٍ، قالت: "أخيرًا أفقت من سكرتك أيها المجنون." حاول رفع رأسه الثقيل وهو يتفحصها من أخمص قدميها إلى أعلى رأسها، صمت لبرهة، قال: "من أنتِ؟ وكيف جئتِ بي إلى هنا؟ ولماذا أصلاً؟"
قالت: "دعنا نتمشى قليلاً، تنفس رويدًا رويداً، ربما لا تصدقني لكني حلمت بكَ بالأمس." قال: "كيف وأنا لا أعرفك ولم يحدث أن التقينا؟" قالت: "لكني أعرفك تمامًا." وصلا لآخر الشاطئ، كان الفجر يدخل ببطء، وضعت يدها على رأسه وأخذت تقرأ من القرآن الكريم ومن ثم انتهت، قال: "ماذا تفعلين؟" تقول: "أحاول أن أرقيك" قال: "لا يبدو عليك الالتزام الديني!" قالت: "وهل ذلك يحتاج لعلامة يختّص بها الإنسان؟" هنا قال بلهجة حازمة: "من أنتِ يا امرأة؟" قالت: "أنا مُومس" قال" "وتقرأين القرآن؟" قالت" "بل أحفظ ما يقارب العشرة أجزاء منه" قال: "إذن لماذا كل هذا التخبّط؟" قالت: "سل بني البشر، سل لقمة العيش، سل الرصيف في البرد كيف يكون، سل معادات التوبة وسر رجعتها، سل من كان زوجاً كم مرة مارس اغتصاب زوجته، نعم اغتصابها لا تتعجب" قال: "والآن" قالت: "ما رأيك أنت؟" قال: "كلنا فاسدون" وافترقا مع أوّل الصباح!
_________________________
جبل عمّان: حي قديم في العاصمة
بار البيكاديلي: حانة
العبدلي: منطقة وسط عمّان
خليج العقبة: مدينة أقصى جنوب الأردن
أنديلا: مغنيّة فرنسية
_________________________
عمّان 6 - 6 - 2019
آخر تعديل بواسطة المشرف: