في السابق كانت مهمة التسوق او الشراء و القضيان بعاميتنا المتنوعة لها تقاليد وأعراف وربما طقوس تختلف من شخص لاخر ومن عائلة لاخرى ومن علاقة عن غيرها خاصة ما ارتبط بالاولاد والأولياء وذكريات مرافقتهم والتسوق بصحبتهم والذهاب معهم الى الخضارة والى اسواق الفلاح والاروقة الجزائرية ( مونوبري) والاسواق الاسبوعية وأسواق الرحمة وأسواق الطحطاحة والرحبة والرملاية وغيرها فسمي منها ما تشتاق وما تشاء.
لا ابالغ اذا اعتبرت ان التسوق حينها كان بمثابة رحلة طويلة لا تعلم متى تنتهي ولا كيف تجري ، فهي مربوطة بكمّ من نلاقيهم على الطريق ومحتوى المحادثات ومدة النقاشات التي يجريها " الشايب" مع الاصدقاء والمعارف ومع أصحاب المحلات وطاولات العرض وشيوخ وسادات العرش وماشابه من القاشي والشعب .
انها رحلة استكشافية متأنية بطيئة يتوقف فيها الزمن تتطلب منك الصبر على مشقة المشي والتجول وكذا الصبر على احتباس الدمع و التبول .( اكرمكم الله يا من كنتم يوما اطفال)
الرحلة الخالدة تبدء من الصباح باستيقاظ مبكر على وقع النداء ( تسجيل اشتياق) نداء الوالدة المسكينة :
" وجد روحك راك رايح مع بْيٍكْ "
رحمها الله انها لحظة التباهي و الافتخار بالنسل والولد بالأمل والسند بعضد يسندها حين يعجز أحب الاولاد عن الوفاء للأم ، كيف لا وفي صحن بيتها سبع له وقار و شبل مغوار.
إييييه .... يا لنيات الامهات الحالمة وما تخبئه المفاجئات والفجائع الصادمة.
وانت صغير ما ان تسمع هذا النداء الخالد في الاذهان لنبع المحبة و الحنان حتى تبادر بالتجهيز نفسيا وجسديا ( وأوله ايجاد بشماقك او بليقتك او حذاءك المودر بما انك غالب وقتك تقضيه في العراء كالحرباء حافي القدمين تلاحق كويرة تصنعها من صاشيات الحليب تطاردها ككلب مسعور ) وبعد ان تنهال عليك الام الحنون بالتغسيل والتنشيف فالتمشيط والتلبيس فالتجليس والتوقيف حتى تتحول الى أجمل وأزهى عصفور عرفه عالم الطيور أو تيس جميل وأمور.
لا يمكنك ان تكون غير جاهز مع الڨُفة عند نداء والدك الاخير كأنك في مطار لا يحتمل الموقف تأخيرا ولا انتظار. الجميع جاهز الرحلة انطلقت يوما سعيدا وعودا حميدا مع السلامة،،، بالسلامة ،،، باي باي.....
لكل انسان روايته الحلوة منها و المملة.
لم أسبق في طفولتي او شبابي خطوات والدي اثناء مرافقته ولم أجرء على مجاورته أومجاراته في الخطوات كان من العيب مجاوزته و الافضل ان تبقى دائما متواريا وراءه ولا تشجعت حتى بالحديث معه لاأتحدث عن مجادلته ضرب من الخيال ان تناديه او تلاعبه لما كان يحمل من وقار وهيبةو شيء من الصرامة و الغلظة وشحا في العواطف والكلام أو هذا ما اختار ان يبديه حينها .
تجرأت وسبقته في مرة وحيدة عندما حملته الى مثواه الاخير فرحمة الله وليسامحني.
قضاء نصف يوم او يزيد مقيدا كالاسرى والعبيد بلا حرية ولا اختيار بعيدا عن العابك وخططك اليومية مفوتا لمواعيد اصدقائك اللامتناهية هذا النظام والالتزام يجعلك تختنق وتفكر اكثر من مرة في الفرار لكن اين المفر الوالد من أمامكم والشحواط سيكون في انتظاركم لا مجال للتحرر والانتصار.
لست جحودا لمتعة التسوق مع الآباء وما يقع فيها من احداث ومكافئات خاصة للابناء المحظوظين فهي تبقى دوما الرحلة الوحيدة المشابهة لرحلة الحج قد تقضيها مرة واحدة في العمر ثم لا تتكرر.
لا يذكرني بمشهد مرافقة " أُبَّيٍ " في الخضارة سوى المشاهد التمثيلية لغلمان وعبيد تتبع اسيادها باسواق مكة في بداية فيلم الرسالة ولا يذكرني بأبي سوى هيبته ولا يذكرني بالذهاب مع أبي يوما سوى الخضارة.
الى اللقاء.
آخر تعديل بواسطة المشرف: