قراءة في سياسة إقصاء الحركات الاسلامية

الحالة
مغلق ولا يسمح بالمزيد من الردود.

عمار صادق

:: عضو بارز ::
أحباب اللمة
إنضم
14 فيفري 2009
المشاركات
2,585
نقاط التفاعل
17
النقاط
77
ليس ثمة جدال في أن الاتجاه الاسلامي الصادق بصياغته الاسلامية المعتدلة له دور بارز إن لم يكن الأبرز في فهم الأحداث والفعاليات والمواقف اليوميّة التي تعيشها الامة. فقد أصبح المواطن العربي يميز بين الغث والسمين وبين الاطروحات الهزيلة والصياغة الميدانية للحدث الاسلامي والذي هو جزء من حياة الناس وتفاعلهم. فعلى المستوى الميداني وفي قلب المواجهة الميدانية ظهرت الحركات الاسلامية تتناغم مع قناعات الناس وتوجهاتهم ليس لها أي ارتباط رسمي يكبل أذرعها أو يطمس موقفها الناصع. وعلى المستوى الجماهيري كذلك استطاع الاتجاه الاسلامي أن يفرض نفسه رغم هذا الكم الهائل من الزحام الحزبي سواء كان في الميدان المحلي أو الاقليمي. وقد بدا ذلك واضحا من خلال قدرة التيار الاسلامي في الحضور وفتح باب التساؤلات حول دلالات الأحداث وتأثيراته المستقبلية على حياة الناس في المجال السياسي والاقتصادي.
ورغم سياسة الطمس والتجاهل والاقصاء الذي ينتهجها الموقف الرسمي العربي بشكل عام، إلا أن ذلك لم يفلح إلا في زيادة الطلب على الاتجاه الاسلامي المسؤول والذي أصبح له الدور الأساسي بتوجيه الأمة نحو ما ينشدونه من تطلعات وقناعات يصعب على السياسة المقننة تبريرها أو تغيير مسارها.
لقد جرّبت مصر أكثر من غيرها من الدول محاولة طمس وإقصاء وتنحية جماعة الاخوان المسلمين عبر خمسين سنة مضت .وقد شددت على منع الجماعات الاسلامية من الظهور أكثر مما يخطط له المبتدؤن الآن. فماذا حدث في مصر وما هي النتائج التي حصدتها الاجهزة الامنية هناك؟ . لقد ظهر تيار متطرف كان أول ضحاياه الرئيس السادات نفسه . ولم ينفعه جنده ولا حرسه من الوصول اليه واغتياله في بث حي مباشر على شاشات التلفزة المرئية، ليكون مشهداً مثيراً لجماعات التطرف ومروّجي صناعة الموت. وبعد ذلك الحدث عاد الاعتبار مرة أخرى لجماعة الاخوان المسلمين الجماعة الأكبر في مصر وهي الأكثر تقديراً وتقريراً للمصريين فيما يرونه منها من طول نفس وبعد رؤيا ، فزاد الاقبال على الجماعة ودخلت محبتها القلوب بسبب المفارقات غريبة الاطوار على المستوى العربي المتهالك الذي يفتقر الى الهويّة أو الى الهدف أو حتى الصبغة الاجتماعيّة التي يحاول أن يصبغ أو (ينيّل) بها نفسه. فاعتبارات الناس وآرائهم حول الانظمة العربيّة لا يخرج من قناعة واحدة أصبحت شبه أكيدة وهي أن هذه الأنظمة عبارة عن أجسام ممسوخة ليس فيها روح الأصالة الاسلامية أو حتى رائحة الهبّة الجماهيريّة الوطنيّة التي تدعي.
لقد آن للحكومات العربية أن تعلم أن طريقة التجاهل والتطنيش لن تجدي نفعاً. وأن الطريقة الوحيدة الناجحة في التعامل هي طريق الطاولة المستديرة والاجتماع على ثوابت محبة الوطن وقوّة الانتماء للبلد الذي نعيش فيه أو ننتمي اليه. وأن الذي ينتقد الحكومة انتقاداً بنّاءً في وضح النهار أفضل ألف مرّة من الفاسد الذي ينتهب خيرات بلده ليلاً ثم يدّعي الاخلاص والانتماء والولاء ليغطّي عيبته ويستر سوأته ويخفي ما فيه من جرائم.
وقد آن أيضاً لأنظمتنا العربيّة أن تعلم أنه ترسّخ لدى تيار واسع من الخبراء والسياسيين قناعة أكيدة وهي أنّ إصلاح العالم العربي ومنحه الحريّة في التعبير ضرورة ملحة لمواجهة قوى التطرف وكبح جماحه وذلك بعدم خلق عزلة مع الانظمة وشعوبها تكون هذه العزلة أرض خصبة وظروف ملائمة للتطرف الفكري والتعصب المذهبي.وإن إندماج الإسلاميين في الحياة السياسية العربية يأتي في سياق إدراك داخلي وخارجي لأهمية الإصلاح السياسي وضرورته من ناحية، وعدم القدرة على تجاوز ظهور الإسلاميين وحضورهم في الشارع من ناحية أخرى.
والحقيقة الاخرى التي يجب أن لا نغفل عنها إن الاحزاب غير الاسلامية على اختلاف مشاربها لا تزال ضعيفة ولا تلبي تطلعات الشعوب العربية وغير قادرة على المنافسة السياسية على صناديق الاقتراع، في حين تستحوذ الحركات الإسلامية على كثير من الاصوات وتحصد معظم المقاعد، ولذلك فإن التعامل مع الحركات الإسلامية في بعض الدول العربية إما أن يتم على قاعدة الإلغاء والإقصاء، ومن ثم يكون الحديث عن الحريات مجرد حديث شكلي غير واقعي، وإما أن يتم القبول بالإسلاميين في اللعبة السياسية كشريك وطني فعّال له القدرة على المشاركة الفعلية في التغيير والاصلاح والانماء.
يظل هنالك أسئلة ملحّة تحتاج الى أجوبة مقنعة: ما هي المواصفات والشروط التي ينبغي أن تتوفر في الحركات الإسلامية لتتمكن من المشاركة في اللعبة السياسية؟ وما هي مواصفات المواطن الصالح الذي ترضى عنه أنظمتنا العربية ليحصل على حسن سلوك يؤهله في المشاركة في معركة البناء والإعمار الوطني؟. وقبل كل ذلك ما هي المحددات الاساسية والبرامج الوطنيّة التي تتطلع اليها أنظمتنا العربية لصناعة انسان عربي حر عفيف كريم شريف .
 
الحالة
مغلق ولا يسمح بالمزيد من الردود.
العودة
Top