مفهوم العلامة:-
يقول العالم ايكو: أن السيمولوجيا لا تهتم بقضية "الواقع واللا واقع"، أي بمطابقة العلامة للواقع، وإنما تكمن القيمة السيمولوجية في العلاقة بين الدال والمدلول دون العبور إلى علاقة أخرى هي بين الدال والمدلول من جهة والشيء الذي تشير إليه العلامة من جهة أخرى.
وهنا لابد للأشارة إلى نقطة هامة توضح الفرق بين السيمولوجيا والفلسفة، حيث أن الفلسفة تنطلق من المضمون، بينما السيمولوجيا تنطلق وتعتمد على الشكل Form ومفهوم الانسان له.
فبينما تطمح الفلسفة إلى العثور على مفتاح الوجود، لا تطمح السيمولوجيا إلى أكثر من رسم خارطة الوجود.
ويمكن لنا في البدء تعريف العلامة Sign على أنها شيء مادي محسوس ولكنها في نفس الوقت ترتبط بدلالة من حيث أنها تصور ذهني لأشياء موجودة في العالم الخارجي.
مفهوم العلامة لدى سواسير:
لقد عرّف سواسير العلامة بأنها وحدة ثنائية، تتكون من وجهين يشبهان وجهي الورقة، ولا يمكن فصل أحدهما عن الآخر _ وعبر عن الصفحة الأولى بأنها هي الدال_ (الذي يعتبر حقيقة نفسية أو صورة سمعية)، والتي تستدعي في الذهن (لدى المستمع أو المشاهد) صورة ذهنية أو مفهوم وهذا هو المدلول، ولذا فإن العلامة عند سواسير ليس سوى نتاج عملية نفسية.
إن النظام الدلالي عند سواسير ما هو إلا نظام ثنائي (دال ومدلول) Siginfer & Signified وقد أغفل سواسير الواقع الخارجي، بحيث قاده ذلك إلى اقتصار تطبيقاته على اللغة الملوظة فقط، وعدم الخروج منها إلى الأشياء المستقلة عنها، خاصة عندما قال بأن سلسلة الأصوات في اللغة هي الجانب المادي للعلامة.
مفهوم العلامة لدى بيرس:
يدعو بيرس العلامة بالمصورة Representament ويعرفها بأنها (شيء ما قائم لشيء آخر مدرك أو معبر عنه)، أي أنها تخلق في عقل شخص ما علامة معادلة أو ربما علامة أكثر تطوراً، وهذه العلامة التي تخلقها يسميها (تعبيراً Interpretant) للعلامة الأولى، وأن العلامة تنوب عن شيء ما وهذا الشيء هو (موضوعها Object).
ويضيف بيرس بان العلامة لاتنوب عن هذا الموضوع من كل الجهات بل بالرجوع إلى نوع الفكرة التي سماها (الركيزة Groud) ولقد ركز بيرس بتعريفه للعلاقة على المفاهيم الفلسفية لكل من ارسطو وكانت).
لقد قام بيرس بصياغة ثلات مقولات أسماها بالمقولات الكلية الظاهراتية ووجد بأن كل الأحكام بالرغم مما بينها من اختلافات تشترك في تركيب تلاثي موحد: (وهو ثلاثي: الموضوع والرابطة والمخول) وما المقولات فهي.
1- المقوله الأول: وهي الحالة وجود ما يوجد بحد ذاته نسبة إلى شيء آخر وتنتمي الى هذه المقوله والكيفيات الشعورية بغض النظر عن تحققها بالزمان والمكان.
2- المقولة الثانية: حالة وجود مايوجد بحد ذاته نسبة إلى شيء ثان لكن دون اعتبار ثالث وهي تشكل مقولة الواقع أو الوجود
3- المقولة الثالته: وهي حالة مايوجد بحد ذاته من حيث أنه واقع نسبة بين ثان وثالث ومثالها كل الأشكال والعمليات الذهنية الواعية كالتفكير والمعرفة والتقبيس والاتصال وعلى رأس هذه الأشكال العلامة بالذات والتي تمثل العلاقة الثلاثية على أكمل وجه.
وتقرر هذه المقولات حسب المفهوم البيرسي ثلات عوالم هي:-
1- علم الممكنات
2- عالم الموجودات
3- عالم الواجبات
تعني الأولى (الكائن فلسفيا) وتعني الثانية (الوجود) وتعني (الثالثة الفكر في محاولته تفسير الأشياء).
إذن العلامة تمثل الموضوع في حين المؤل (بالكسر) الفكرة أو الحكم الذي يساعد على أن يكون تمثيل العلامة للموضوع تمثيلاً حقيقيا وهكذا يكون النظام الدلالي عند بيرس ثلاثيا وهو نموذج للمقولة الثالثة.
يؤكد بيرس على أن التعبير هو ما يصدر عن المُعبرّ من رد فعل ظاهرا كان أم غير ظاهر، كما هي الفكرة أو الصورة الذهنية، ورد الفعل هذا الذي يدل على الموضوع يشكل بدوره علامة أخرى تستدعي تعبيراً ثانياً وهلم جرا، ولذلك حدد بيرس العلامة بالتفصيل بأنها: (أول يرتبط بعلاقة أصلية مع ثان يسمى موضوعه، بحيث أنه قادر على أن يعين ثالثاً يسمى تعبيره كي يقوم هذا الثالث بالعلاقة الثلاثية ذاتها وهكذا إلى مالا نهاية له).
علامة
بحد ذاتها
تعبير أول
تعبير ثاني
الموضوع
تعبير ثالث
إن ما نلاحظه في الطرح البيرسي للعلامة هو الشمولية والأرتباط بالواقع عكس سوسير الذي اقتصر على اللغة الملفوظة – ونلاحظ بنفس الوقت أنه تحدد بمفهوم معين من خلال مفهوم الركيزة الفكرية التي تنوب بها العلامة عن الموضوع لهذا يكون الفضاء الدلالي عند بيرس موجهاً وأكثر تحديداً، وهذا حسب رؤيتنا يجعل عملية الأدارك –أي تحديد معنى العلامة- أكثر سهولة من غيره، فكلما زادت المحددات سهلت عملية إدراك المعنى.
إنتهى الجزء الاول ويتبعه بعون الله الجزء الثاني .
نظرية العلامات السيميولوجيا simioloqy
إعداد : د. هاشم عبود الموسوى
مفهوم العلامة لدى كل من أوكدن ورتشارد Ogden & Richards:
في كتابهما معنى المعنى Meaning of meaning جاءت العلامة، كرد فعل لقضية جدل أشار إليها كالآتي فيقولان: (أن نظرية العلامات، عندنا أغفلت تماماً الأشياء التي تحل محلها، قطعت أواصرها بمناهج الأثبات العلمي).
واختصر أوكدن وريتشارد العلاقة التي تربط بين (الأشياء- الأفكار – والكلمات) في شكل مثلث، اشتهر في الدراسات اللغوية والسيميولوجية، وهو على الشكل التالي:
الفكرة Thought
المشار إليه الرمز
Referent Symbol
وهكذا أدخل أوكدن وريتشارد تعليلاً اجتماعياً في ربط الرمز بالفكرة في الذهن كما أدخلا أيضاً الشيء الواقع في العالم الخارجي، ودوره في استدعاء الفكرة، ويمكن تفسير العلاقة بين الفكرة والمشار اليه تفسيراً سببياً، أي أن الفكرة تتولد من فعل المشار إليه.
تكون العلاقة بين الرمز والمشار إليه، علاقة غير معللة وغير مباشرة، ولا تتم إلا من خلال جانبي المثلث (المشار إليه <--- الفكرة <--- الرمز).
فوجدا أن الأشكالية الجوهرية الكائنة وراء استخدام "الرموز" العلامات Signs، في هذه العلاقة حيث أن الرموز لا تحل محل الأشياء، إلا من خلال عملية ترجمتها إلى أفكار، وقد لا تتطابق هذه الأفكار مع الأشياء أو قد تجرد من حقيقتها، ولذلك يُحذران (أوكدن وريتشارد) من الطبيعة الخادعة (للكلمة أو العلامة)، فيناقشان قضية الحقيقة والبطلان.
إن القضية المطروحة هي العلاقة العضوية بين الأبعاد الثلاثة للعلامة كما أقرها أوكدن وريتشارد فبعض العلامات ذات بعدين (كالنوتة الموسيقية)، وبعضها ذو ثلاثة أبعاد (كالكلمة)، وعلى هذا الأساس فرق أميل بنفنست Emile Benvenist بين الأنظمة السيميولوجية ذات البعد الواحد (السيميولوجي)، والأنظمة ذات البعدين (السيميولوجي والدلالي)، أي بين الأنظمة التي لا تتجاوز نفسها والتي تتجاوز نفسها إلى ما هو خارجها، وتعتبر بديلاً لشيء غير نفسها.
وفي بحثه عن الفن (سيميولوجيا الفن) يشير جان نوكارافسكي J. Nukarafsky فيقول بأن الفن يختلف عن غيره من العلامات، بأنه لا يشير إلى شيء محدد في الواقع بل يشير إلى مجموعة الظروف الثقافية والاقتصادية والحضارية، فالذي يميز الفن عن اللافن هو نوعية المشار إليه.
مقارنة بين النظم الدلالية عند كل من سواسير، وبيرس وأوكدن وريتشارد.
سواسير بيرس أوكدن وريتشارد
الدال Signifier المصورة Representament الرمز Symbol
المدلول Signified التعبير Interpretant الفكرة Thought
لا يوجد الموضوع Object المشار إليه Referent
نسب العلامة:
لغرض تحديد الموضوع، سنقتصر في هذه الدراسة على النظام الدلالي عند بيرس Pierce، حيث أنه لا يمكن الوصول إلى الهدف إلا بإختيار طريقة واحدة غير متشعبة التفاصيل، لذلك سنتناول في هذه الفقرة تفرعات العلامة عند بيرس دون غيره، وبشكل مختصر وبما يفي حاجة البحث وبما يوفر فهم أكثر لطبيعة العلامة.
عند تعريفنا لمفهوم العلامة عند بيرس، أوضحنا بأنها تقوم أساساً على حيثيات ثلاث هي على التوالي، العلامة بحد ذاتها Representament، ويفضل بينزي M. Bense تسميتها بالوسيلة _و_ وهكذا سندعوها من الآن، والموضوع _م_ Object، والتعبير _ت_ Interpretant، وهو المثلث التالي:
و(1) الوسيلة
م(2) ت(3) التعبير
الموضوع
وحسب تحليل M. Bense فإن كل حيثية من هذه الثلاث تنتمي إلى إحدى المقولات السابقة الذكر (الوسيلة من مقولة الأول)، الموضوع لكونه يعود إلى الواقع الخارجي، وبالتالي يتفاعل مع بقية الوقائع، فهو مقولة الثاني، وإن التعبير، الذي يشكل بدوره –كما رأينا- علامة أي أنه يتجه نحو الموضوع، يستدعي تعبيراً ثانياً، وهو من مقولة الثالث.
ل ع <-> (( 1 --> 2) --> 3)
(تحديد التركيب العلائقي للعلامة (الموضوع يتبع الوسيلة، التعبير يتبع الوسيلة والموضوع معاً))
بما أن كل حيثية من حيثيات العلامة تمثل إحدى المقولات الكلية، لهذا فالعلامة ككل تشكل نموذجاً حقيقياً للعالم، إذ أنها تتضمن كل الكائنات الممكنة التي تتصور، تحت المقولات الثلاث، حيث أن العلامة ماهي إلا وسيلة وهي جزء من العالم المادي، ومن حيث كونها موضوعاً وهي جزء من عالم الأشياء والأحداث، ومن حيث كونها تعبيراً، تنتمي إلى مجال القواعد والأشكال الفكرية.
لقد قام بيرس بإخضاع العلامة من جديد لتفريع ثلاثي موافق للتقسيم الثلاثي للمقولات، إذ أن كل حقيقة تنطوي بدورها من جهة ما على مقولة الأول والثاني والثالث نسبة إلى (الوسيلة (و)) والموضوع (م) والتعبير (ت) – لتعيين تسعة فروع للعلامة
و معذرة على التأخير