((وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ))
الأحمدية القادياينة
دعاة على أبواب جهنم !
إعداد وترتيب
محمود سعد مهران
هذا البحث عبارة عن رد مفصل على مقالات الجماعة الأحمدية القاديانية على موقعهم الرسمي على شبكة المعلومات , وكذلك الرد على الوثيقة المقدمة من جماعتهم لبيان معتقداتهم ومفاهيمهم
مواضيع البحث
(( مقدمة ))
* إن الدين عند الله الإسلام
* نتوءات على جسد الإسلام
* أصل دعوى الفرق الباطلة
* إدعاء غلام أحمد (1839-1908م ) أنه المسيح عليه السلام
(( الفصل الأول ))
الأدلة الجامعة على أن غلام أحمد ليس المسيح عليه السلام
* عودة المسيح ليست عودة روحانية أو مثيلية بل جسمانية ذاتية
* إلغاء الجهاد !
(( الفصل الثاني ))
* الشريعة التي زعمها غلام أحمد !
1- خاتم النبيين وبيان زيف معتقدهم !
2- عقيدتهم في القرآن الكريم وتفسيره !
* عقيدتهم في قضية صلب المسيح عليه الصلاة والسلام !
* عقيدتهم في قضية النسخ في القرآن الكريم !
3- عقيدتهم في السنة والحديث !
* عقيدتهم في معجزة الإسراء والمعراج !
* عقيدتهم في المسيح الدجال !
* عقيدتهم في حكم المرتد !
* عقيدتهم في رجم الزاني والزانية !
* الإمام المهدي عليه السلام ليس الغلام عليه الركام !
(( الفصل الثالث ))
* الحصاد
مقدمة
الحمد لله وحده , والصلاة والسلام على من لا نبي بعده , اللهم يا مسبب الأسباب , ويا مفتح الأبواب , ويا دليل الحائرين , توكلت عليك يارب العالمين , وأفوض أمري إلى الله, إن الله بصير بالعباد .
أما بعد ,,
فلقد خرجت علينا هذه الأيام , إحدى القنوات الفضائية , تدعو إلى الإسلام على الطريقة القاديانية أو الغلامية الأحمدية , وهى التي تدعى إم تي إيه Mta3 أي تليفزيون المسلم الأحمدي , وتبث بعدة لغات منها العربية , كما أنهم قاموا بنشر تعاليمهم عبر شبكة المعلومات من خلال إنشاء موقع الجماعة الأحمدية باللغة العربية على شبكة المعلومات الدولية , وهذا ما يدعونا للرد على هذه الطائفة الغلامية القاديانية التي تزعم الإسلام , والإسلام منها بريء !
ويبدو أن أتباع الغلامية القاديانية قد أخذوا مبدأ التقية من الروافض , فهم قد استطاعوا بمكرهم خداع بعض البسطاء من المسلمين عن طريق الرد على النصارى من خلال قناتهم العربية الفضائية , وظن بعض البسطاء أن هؤلاء يحملون راية الإسلام ويدافعون عنه , ولا يعلمون أن هؤلاء الغلامية وأمثالهم كانوا على الدوام يحملون راية النفاق والتكذيب لمحمد صلى الله عليه وسلم ورسالته !
ولهذا , رأيت أن أعرض شبهات الغلامية القاديانية وأبين وجهتها ثم أبين زيفها وبطلانها, ثم في النهاية أعرض بعض الفتاوى التي حكمت بكفر الغلامية القاديانية .
ولم أتعرض لنشأة الغلامية القاديانية , فلقد كفانا علماء الإسلام ذلك , وأظهروا لنا أن الغلامية القاديانية ما هى إلا دعوة منحرفة عن الدين يحميها المستعمر ويشجعها .
فهب لبيان زيف هذه النحلة الباطلة , صفوة علماء الإسلام أنذاك , ومن أبرزهم العلامة مولوي ثناء الله , الذي نهض ورمى دعاوى غلام أحمد بالحجج الدامغة , فضاقت الأرض على الغلام , فكتب دعاء طويلا خاطب فيه الشيخ ثناء الله , وفيه أيضا أن الكاذب منهما يموت أولا , فمات الغلام بعد هذا الدعاء بنحو سنة , أما الأستاذ ثناء الله فعاش بعد موت الغلام سنين طويلة واستمر في فضح تلك النحلة المزورة .
الراجي عفو ربه الغفور
محمود سعد مهران
* إن الدين عند الله الإسلام
إن الله سبحانه وتعالى ارتضى للبشرية منذ نشأتها دينًا واحدًا , وهو الإسلام , قال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ }آل عمران19 . وقال تعالى : {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ }آل عمران85 .
هذا الدين أرسل الله به المرسلين جميعًا , من أدم إلى محمد عليهم الصلاة والسلام , قال تعالى : {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ }الشورى13 .
هذا الدين الذي جاء به محمد خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم واضحًا جليًا, محفوظًا بحفظ كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه و سلم :{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }الحجر9. فهو الدين الخالد , الذي استجابت وتستجيب له ملايين البشر , إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها , ومنابع هذه الرسالة الخاتمة , من قرآن وسنة , ستظل تمد البشرية , والحياة والأحياء , بالحق الذي لا مرية فيه .
* نتوءات على جسد الإسلام
وعبر هذا الزمن الطويل , منذ بعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم بهذه الرسالة , والإسلام ينتشر , وتعلوا راياته , وتظهر منافعه , وتتأكد حاجة البشرية إلى هدايته ونظامه, وإن كان بين الحين والحين , تتسلل إليه عناصر غريبة عنه , في نشأتها ومنزعها ، أو تنبت في حقلة نابتة لا ينزعها إليه عرق , وتكون هذه وتلك فتنة , ما تلبث أن يظهر اعواجاجها , وتبين غرابتها , وتناقضها مع هذا الدين وتلك الرسالة .
وعبر القرون الاسلامية تعاني الأمة الإسلامية من تلك النتوءات , التي تظهر في جسمها وتعيش على حسابها , مما يتطلب أن تنتبه إليه , وأن تكون على يقظة تامة لتدفع هذا الغريب عنها .
* أصل دعوى الفرق الباطلة
يقول الشيخ المحدث محمد ناصر الدين الألباني فى تعليقه على حديث النبي عليه الصلاة والسلام الذي أخرجه الإمام مسلم في صحيحه : " يكون في أخر الزمان دجالون كذابون يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم وآباؤكم فإياكم وإياهم , لا يضلونكم ولا يفتنوكم " ما نصه :
( وإن من أبرز علاماتهم أنهم حين يبدأون بالتحدث عن دعوتهم إنما يبتدئون قبل كل شيء بإثبات موت عيسى عليه الصلاة والسلام , فإذا تمكنوا من ذلك بزعمهم انتقلوا إلى مرحلة ثانية وهى ذكر الأحاديث الواردة بنزول عيسى عليه الصلاة والسلام , ويتظاهرون بالإيمان بها , ثم سرعان ما يتأولونها , ما دام أنهم أثبتوا بزعمهم موته , بأن المقصود نزول مثيل عيسى ! وأنه غلام أحمد القاديانى ! و لهم من مثل هذا التأويل الكثير والكثير جدًا , مما جعلنا نقطع بأنهم طائفة من الباطنية الملحدة ) ( شرح العقيدة الطحاوية - محمد ناصر الدين الألبانى ص22-23 ) .
* إدعاء غلام أحمد (1839-1908م ) أنه المسيح عليه السلام
يقول غلام أحمد : " محمد – صلى الله عليه وسلم – الذي هو أول كليم , وسيد الأنبياء لقمع الفراعنة الأخرين ... فكان لا بد أن يكون بعد هذا النبي الذي هو في تصرفاته مثل الكليم ( يقصد موسى عليه السلام ) ولكنه أفضل منه , من يرث قوة مثل المسيح وطبعه وخاصيته , ويكون نزوله في مدة تقارب المدة التي كانت بين الكليم الأول والمسيح ابن مريم , يعني في القرن الرابع عشر الهجري وقد نزل هذا المسيح وكان نزوله روحانيا (يقصد أنه هو المسيح ) " ( " فتح إسلام ص 6- 7 " من كتابات غلام أحمد ).
ويقول أيضًا في كتابه " توضيح المرام " ص 4 : " وأنه ليس المراد من النزول هو نزول المسيح بل هو إعلام على طريقة الاستعارة بقدوم مثيل المسيح , وأن هذا العاجز هو مصداق هذا الخبر حسب الإعلام والإلهام " .
الفصل الأول
الأدلة الجامعة على أن غلام أحمد ليس المسيح عليه السلام
* عودة المسيح ليست عودة روحانية أو مثيلية بل جسمانية ذاتية
يقول العظيم أبادي في كتابه " عون المعبود " 11/457 : ( تواترت الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم في نزول عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم من السماء بجسده العنصري إلى الأرض عند قرب الساعة ، وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة ) .
لقد زعم ميرزا غلام أحمد أنه مثيل للمسيح عليه السلام وأولَ آحاديث نزول المسيح عليه السلام تأويلاً باطنياً لا يقبله من له مسحة من عقل !
والأدلة على كذبه نبينها لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد :
1- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أبو هريرة وأخرجه البخاري ومسلم : " والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكمًا عدلاً ..."الحديث , فذكر النبي صلى الله عليه وسلم المسيح ولقبه بـ "ابن مريم" , أي أن المسيح الذي سينزل في أخر الزمان هو المسيح ابن مريم الذي بشر بين بني اسرائيل منذ ألفي عام , أي أن نزوله نزولاً ذاتيًا جسمانيًا , ولهذا قال صلى الله عليه وسلم " ابن مريم" ولم يقل " مثيل المسيح " بل نعته باسم أمه عليها الصلاة والسلام , فهل كانت أم غلام أحمد اسمها مريم ؟!
يقول غلام أحمد : " لإن عيسى الذي سيسمى نبيًا وتابعًا أيضًا للنبي صلى الله عليه وسلم ( يعني نفسه ) هو غير عيسى الذي كان في بني إسرائيل " ( البراهين الأحمدية , الجزء الخامس , الخزائن الروحانية ج21 ص 352 ) .
وهذا كذب صريح بينَّه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : " والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكمًا عدلاً ... " الحديث , ولايوجد ابن مريم إلا سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام الذي وعظ وبشر بين بني إسرائيل .
وإذا نظر القاريء إلى قول الغلام : ( لإن عيسى الذي سيسمى نبيًا ..... هو غير عيسى الذي كان في بني إسرائيل ) يحمل في طياته أن اسم غلام أحمد " عيسى " أيضًا , وهذا ما ذل فيه وأخطأ , ويأبى الله إلا أن يذل من عصاه , وربما بعد قراءة أتباع غلام أحمد لهذا المقال لأولوا النص كما فعلوا في مسألة عودة المسيح والمهدي عليهما السلام , ولزعموا أن غلام أحمد اسمه عيسى أيضًا !
2- قال صلى الله عليه وسلم في تتمة كلامه الشريف : " ... فيكسر الصليب , ويقتل الخنزير , ويضع الحرب ..." الحديث , فهل هذا ما رأيناه من ميرزا غلام أحمد أم على النقيض ؟! أكسر غلام أحمد الصليب أو قتل الخنزير ؟!
إن كسر الصليب على يد المسيح عليه السلام يحمل مدلولاً هامًا , هو أن المسيح عليه السلام لن يوالي عباد الصليب , فهل هذا ما فعله ميرزا غلام أحمد ؟!
* إلغاء الجهاد !
يقول غلام أحمد : " لا يمكنني أن أقوم بعملي هذا خير قيام في مكة ولا في المدينة ولا في الروم ولا في الشام ولا في فارس ولا في كابل ولكن تحت هذه الحكومة التي ادعوا لها دائما بالمجد والإنتصار " !!( " تبليغ الرسالة ج6 ص 69 " ) .
ويقول أيضًا : ( وإني لأقول وأدعي أنني أكثر المسلمين اخلاصًا ونصحًا للحكومة البريطانية , لأن هناك ثلاثة أمور قد جعلتني أرتفع في اخلاصي لتك الحكومة إلى الدرجة الأولى , وأول تلك الأمور : نفوذ المغفور له والدي , وثانيهما : أيادى هذه الحكومة العالية , وثالثها : الإلهام من الله تعالى - !- ) ( ترياق القلوب ص 309 , 310 ) .
ولقد ذكر النبي عليه الصلاة والسلام أنه عند عودة المسيح عليه الصلاة والسلام سيضع الحرب , بمعنى أن عهده سيكون عهد سلام وأمن وظهور البركات , لكن هذا بعد أن ينهي عدة معارك مع الدجال وأتباعه , كما جاء في حديث النواس بن سمعان الطويل في صحيح مسلم في ذكر الدجال ونزول عيسى عليه السلام وخروج يأجوج ومأجوج في زمن عيسى عليه السلام ودعائه عليهم وهلاكهم !
لكن غلام أحمد استغل هذا الأمر في أن يدعي أنه بنزول المسيح ستوضع الحرب بمعنى إلغاء الجهاد , وذلك كله خدمة لأتباع الدجال !
يقول غلام أحمد : " وإني لعلى يقين بأنه بقدر ما يكثر أتباعي يقل المعتقدون بمسألة الجهاد, فإنه مجرد الإيمان بي هو انكار للجهاد " ( تبليغ الرسالة ج7 ص17 ).
ويقول أيضًا : " والمأمول من الحكومة أن تعامل هذه الأسرة ( يعني أسرته ) التي هى من غرس الإنجليز أنفسهم ومن صنائعهم بكل حزم و احتياط وتحقيق رعاية وتوصي رجال حكومتها أن تعاملني وجماعتي بعطف خاص ورعاية فائقة ..." ( تبليغ الرسالة ج 7 ص 19 – 25 ) .
ويقول أيضًا : " لقد ألفت عشرات من الكتب العربية والفارسية والأردرية أثبت فيها أنه لا يحل الجهاد أصلاً ضد الحكومة الإنجليزية التي أحسنت إلينا , بل بالعكس من ذلك , يجب على كل مسلم أن يطيع هذه الحكومة بكل اخلاص , وقد انفقت على طبع هذه الكتب أموالاً كبيرة , وأرسلتها إلى البلاد الإسلامية ,وأنا عارف أن هذه البلاد ( الهند) وكون أتباعي جماعة تفيض قلوبهم اخلاصًا لهذه الحكومة والنصح لها , انهم على جانب عظيم من الإخلاص , وأنا أعتقد أنهم بركة لهذه البلاد . ومخلصون لهذه الحكومة ومتفانون في خدمتها " ( من رسالة مقدمة إلى الحكومة الإنجليزية بقلم غلام أحمد , القاديانية نشأتها وتطورها ص 130 ) .
ويقول أيضا : " لقد قضيت عمري في تأييد الحكومة الإنجليزية ونصرتها , وقد ألفت في منع الجهاد ووجوب طاعة أولى الأمر الإنجليز من الكتب والإعلانات والنشرات ما لو جمع بعضها إلى بعض لملأ خمسين خزانة , وقد نشرت جميع هذه الكتب في البلاد الإسلامية ومصر والشام وتركيا , وكان هدفي دائما أن يصبح المسلمون مخلصين لهذه الحكومة , وتمحى من قلوبهم قصص المهدي السفاك والمسيح السفاح والأحكام التي تبعث فيهم عاطفة الجهاد وتفسد قلوب الحمقى " ( ترياق القلوب ص 12 ) .
ويقول أيضا : " ها قد انتهت الحروب الدينية حسبما كان مذكورا في الأحاديث النبوية من أن المسيح إذا نزل وضع الحرب , وبناء عليه , فالقتال في سبيل الدين اليوم حرام , والذي يشهر السيف الآن باسم الدين ويسمي نفسه غازيا ويقتل الكفار , فإنما يعصي الله ورسوله " ( الخطبة الإلهامية ص 9 ) .
ويقول في موضع آخر : " لقد ألغي الجهاد في عصر المسيح الموعود إلغاء باتا , لقد آن أن تفتح أبواب السماء وقد عطل الجهاد في الأرض وتوقفت الحروب كما جاء في الأحاديث, إن الجهاد لدين يحرم في عهد المسيح " ( الأربعين ص 199 ) .
ثم لخص موقفه وموقف أتباعه من قضية الجهاد فقال : " إن الفرقة الإسلامية التي قلدني الله إمامتها وسيادتها , تمتاز بأنها لا ترى الجهاد بالسيف ولا تنتظره , بل إن الفئة المباركة لا تستحله سرا كان أم علانية وتحرمه تحريما باتا " ( الأربعين ص 11 ) .
ففي هذا الوقت العصيب الذي كانت تمر به الآمة الإسلامية التي كانت أحوج ما تكون إلى داعية يوحد شملها ويوحد صفوفها ضد العدو الغاضب , انبعث ذلك الصوت المميت القاتل لقوى الأمة , مطالبا بإبطال الجهاد بدلا من بعث الأمة وجمع شملها وتعبئتها ضد المعتدين !
ولقد عبر الزعيم الهندي نهرو عن الدور التخريبي الذي قام به الغلام وجماعته لخدمة الأهداف الإستعمارية حيث قال بعد عودته من بريطانيا : " إنني في سفري هذا أخذت درسا جديدا , وهو أننا إذا أردنا أن نضعف قوة بريطانيا في الهند علينا أن نضعف الجماعة القاديانية " ( د.أحمد عوف : القاديانية , الخطر الذي يهدد الإسلام ص 101 ) .
3- ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في تتمة الحديث ما سيحدث في عهد عيسى عليه السلام : " ويفيض المال , حتى لا يقبله أحد " , وهذا من بركاته عليه السلام لخدمة مصالح المسلمين يومئذ , فهل رأينا هذا من غلام أحمد أم رأينا أنه يجمع المال ليعيش حياة الترف والبذخ لا لخدمة المصالح العامة للمسلمين ؟!
يقول غلام أحمد : " ولكن الله الذي يرفع الفقراء من الحضيض قد أخذ بيدي , وأنا أؤكد أن ما جاءني من الوارد ومن الإعانات والتبرعات إلى هذا الوقت لا يقل عن ثلاثمائة ألف روبية وربما يزيد على ذلك , وانهالت على الهدايا كأنها بحر تهيج فى كل آن أمواجًا ... كذلك تأتي لهذا العبد من كل طرف تحائف وهدايا وأموال , وأنواع لهذه الأشياء " (الإستفتاء ص25) .
ولقد كانت جماعته تقتطع من أموالها لإرسالها له , وقد شهد بذلك " سرور شاه القادياني" في كتابه " كشف الإختلاف " .
4- صفة عيسى عليه السلام التي جاءت في الأحاديث النبوية الشريفة تفيد أنه رجل , مربوع القامة , ليس بالطويل ولا بالقصير , أحمر , جعد , عريض الصدر سبط الشعر , كأنما يخرج من ديماس ( أي حمام ) له لِـمة ( أي شعره يجاوز شحمة أذنيه ) قد رجلَّها تملأ ما بين منكبيه .
أما غلام أحمد فحسبنا هذه الصورة له , فأجيبونا أيها القاديانية الغلامية , هل هذا ما وصفه النبي صلى الله عليه وسلم ؟!
نقلا عن موقع القاديانية على شبكة المعلومات الدولية
5- ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في حديث النواس بن سمعان في صحيح مسلم أن المسيح عليه الصلاة والسلام : " ينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق , بين مهرودتين , واضعًا كفيه على أجنحة ملكين " . فهل نزل ميرزا غلام أحمد عند المنارة البيضاء شرقي دمشق على الوصف الذي بينه الذي لا ينطق عن الهوى ؟ أم أن دعوته كانت في قاديان بالهند ؟
6- لقد وردت أحاديث كثيرة فيها نزول المسيح عليه السلام , نزولاً حقيقًا لا مثيليًا , وأن النازل هو المسيح عيسى بن مريم الذي بشر بين بني إسرائيل لا غيره , وقد سرد أكثر هذه الأحاديث في ذلك ابن كثير رحمه الله في تفسيره لقول الله تبارك وتعالى : {وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً}النساء 159 , ومنها حديث رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة وفيه : فتح القسطنطينية ثم خروج الدجال , وبعده نزول عيسى وقت إقامة الصلاة .
كما أخرج ابن ماجة عن أبي أمامة الباهلي أن أم شريك بنت أبي العكر سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حال المسلمين أثناء قتنة الدجال فقال صلى الله عليه وسلم :
"هم يومئذ قليل وجلهم ببيت المقدس وإمامهم رجل صالح فبينما إمامهم قد تقدم يصلي بهم الصبح إذ نزل عليهم عيسى ابن مريم الصبح فرجع ذلك الإمام ينكص يمشي القهقرى ليتقدم عيسى يصلي بالناس فيضع عيسى يده بين كتفيه ثم يقول له تقدم فصل فإنها لك أقيمت فيصلي بهم إمامهم " .
وكذلك أيضًا ما رواه الإمام أحمد عن ابن مسعود وفيه : " أن الأنبياء تذاكروا الساعة فقال عيسى عليه السلام : أما وجبتها فلا يعلمها أحد إلا الله ذلك , وفيما عهد إلي ربي عز وجل أن الدجال خارج , ومعي قضيبان فإذا رآني ذاب كما يذوب الرصاص , فيهلكه الله حتى إن الحجر والشجر ليقول يا مسلم إن تحتي كافرًا فتعال فاقتله , فيهلكهم الله ثم يرجع الناس إلى بلادهم وأوطانهم قال فعند ذلك يخرج يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون فيطئون بلادهم لا يأتون على شيء إلا أهلكوه ولا يمرون على ماء إلا شربوه ثم يرجع الناس إلي فيشكونهم فأدعو الله عليهم فيهلكهم الله ويميتهم حتى تجوى الأرض من نتن ريحهم , فينزل الله عز وجل المطر فتجرف أجسادهم حتى يقذفهم في البحر " .
فأين هذا من سيرة الغلام ؟!
7- يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود في سننه : ( ليس بيني وبينه نبي - يعني عيسى - وإنه نازل فإذا رأيتموه فاعرفوه رجل مربوع إلى الحمرة والبياض بين ممصرتين كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل فيقاتل الناس على الإسلام فيدق الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام ويهلك المسيح الدجال فيمكث في الأرض أربعين سنة ثم يتوفى فيصلي عليه المسلمون).
وهذا الغلام لم يكسر صليبًا ولم يقتل خنزيرًا , ولم يهلك الله الملل في زمانه , بل على النقيض من ذلك , بل ازدادت شوكة أهل الكفر في زمانه , فإن دول البلقان النصرانية في عهده ما ظهروا على العثمانيين في مكان إلا وأسرفوا في قتل الكبار والصغار , والنساء والأطفال , ونسف ديارهم بالديناميت أو إحراقهم بالنار , بعد سلب الأموال وهتك الأعراض , وقد كان كل هذا يُعمل باسم الصليب ورفع شأنه , فأين القادياني مما ورد من كسر المسيح عليه السلام للصليب , وما كان القادياني إلا خاضعًا لدولة من دول الصليب ( بريطانيا ) , كما أنه مات عن عمر يناهز التاسعة والستين عامًا في حين أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن المسيح عليه السلام سيموت عن عمر يناهز أربعين سنة !
( ملحوظة : هناك روايات تشير إلى أن المسيح عليه السلام سيمكث في الأرض بعد عودته سبع سنين , وهذا لا يتعارض مع الروايات التي ذكر فيها النبي صلى الله عليه وسلم أن فترة مكوث المسيح عليه السلام في الأرض أربعون سنة , لأنه عليه السلام رفع وهو ابن ثلاثٍ وثلاثين سنة وسيمكث بعد عودته سبع سنين فيكون المجموع أربعين سنة ) .
8- يرتبط بالنقاط السابقة نتيجة هامة وهى : أن المسيح ينزل ولا يولد , لأن معظم الأحاديث النبوية الواردة في نزول المسيح لا تترك مجالا لشخص يولد في هذا الزمن من بطن أمه ونطفة والد ثم يقوم بين الناس يدعي أنه ذلك المسيح الذي أخبر بمجيئه سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم , وإنما الذي تدل على نزوله دلالة واضحة قاطعة , هو عيسى ( عليه السلام ) ذلك المسيح الذي ولد قبل أكثر من ألفي سنة من بطن مريم عليها السلام بغير أب .
9- من النقاط السابقة أيضا يظهر من صريح أقوال النبي صلى الله عليه وسلم أن المسيح ينزل فقط لقمع فتنة الدجال , حيث يدخل في جماعة المسلمين ويسلم بقيادة من يكون في زمانه أميرا لهم ويشاركه في مهمة قمع فتنة المسيح الدجال , والأمير الإمام المذكور في الروايات هو المهدي عليه السلام , وقد ورد ذلك صريحا في مسند الحارث بن أسامة بسنده عن جابر بن عبد الله : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ينزل عيسى بن مريم , فيقول أميرهم المهدي تعال صل بنا , فيقول لا , إن بعضهم أمير بعض تكرمة الله لهذه الأمة " . قال ابن القيم : إسناده جيد . (المنار المنيف لابن القيم ص 147) .
فهل دخل غلام أحمد في جماعة المسلمين أم أراد تفريق الجماعة خدمة للصلبيين ؟!
يقول نجل الغلام وخليفته " بشير الدين محمود " معلنا إنشقاق الغلام وأتباعه عن جماعة المسلمين : " من الواجب علينا ألا نعتقد بإسلام غير الأحمديين , وألا نصلي خلفهم , إذ أنهم عندنا كافرون بنبي من أنبياء الله – يعني الغلام – " ( أنوار خلافت ص 89 ).
ويقول " بشير الدين محمود " : ( وقد أبدى المسيح الموعود – يعني الغلام – سخطه العظيم على أحمدي يريد أن يزوج ابنته من رجلا من غير الأحمديين ... ثم إن هذا الرجل زوج ابنته بعد وفاة المسيح الموعود رجلا من غير الأحمديين , فعزله الخليفة الأول عن إمامة الأحمديين , ولم تقبل له توبة في ست سنين من سني خلافته مع أنه لم يزل يتوب من فعلته مرة بعد مرة ) ( أنوار خلافت ص 94 ) .
ويقول أيضا : ( إن جميع المسلمين الذين اشتركوا في مبايعة المسيح الموعود , كافرون خارجون عن دائرة الإسلام , ولو كانوا لم يسمعوا باسم المسيح الموعود ) ( مرآة الصدق ص 35 ) .
كما أن الناظر إلى الأحاديث الشريفة يجد أن المهدي عليه السلام له شخصيته المستقلة, وأعماله المميزة , وكذا المسيح عليه السلام , لكن غلام أحمد زعم أنه المسيح الموعود والمهدي في نفس الوقت , في حين أن النبي عليه الصلاة والسلام بين أن المسيح والمهدي عليهما السلام شخصان مختلفان !
وقد استدل الغلامية بحديث : " لا المهدي إلا عيسى " . وهؤلاء الأحمدية أتباع الغلام يستدلون بالأحاديث وفق الأهواء والأغراض , ولا ينظرون إلى أقوال علماء الجرح والتعديل !
إن من الضلال البيِّن والخطأ الواضح اعتقاد أن عيسى عليه السلام هو المهدي المنتظر، والحديث المذكور لا يصح ، بل هو حديث منكر ، حكم بنكارته جمع من الأئمة، منهم النسائي والذهبي والألباني، وضعفه الحاكم والبيهقي والقرطبي وابن تيمية ، بل حكم بوضعه الصنعاني . ( انظر: منهاج السنة 8/256، والصواعق المحرقة للهيتمي 2/476، والسلسلة الضعيفة 77 , وسيأتي بيان ذلك ) .
10- ظهر من الأحاديث الشريفة أيضا أن المسيح عليه السلام عندما ينزل لا يؤم الناس في الصلاة بل يصلي خلف إمامهم حتى لا يظن الظانون أنه تولى المنصب الذي كان عليه قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم , وحتى يقطع كل شبهة بأنه قد نزل لاستنئناف واجبات النبوة في عهده السابق . في حين أن هذا الغلام زعم في غير موضع من كتبه أنه صاحب شريعة , وأمر ونهي , وأنه نبي مستقل , وسيأتي بيان ذلك .
كما أنه من المعلوم من دين محمد صلى الله عليه وسلم , أن الله تبارك وتعالى قد أكمل له الدين , ليكون الرسالة الخاتمة , ومنهج حياة , ومن زعم أنه آتى ليكمل الدين بعد رسالة محمد صلى الله عليه وسلم فلقد اتهم الله بالكذب على خلقه , قال تعالى : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً}المائدة3.
بل واتهم النبي صلى الله عليه وسلم بالخيانة والتقصير في البلاغ عن ربه , أليس هو القائل صلى الله عليه وسلم : " تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا , كتاب الله وسنتي " ( أخرجه الحاكم في المستدرك ) .
ولقد اتهم هذا الغلام الله ورسوله على النحو الذي ذكرناه , فزعم النبوة وأنه جاء لإظهار الإسلام وصدق النبي عليه الصلاة والسلام ( الخزائن الروحانية 23 / 341).
وقد استغل الغلام هذه الدعوى فبدل وغيّر , وزعم شريعة ما أنزل الله بها من سلطان, بل جعل الإسلام دين التأويل والتبديل , وأراد هدم السنة المطهرة , بتأويلاته الفاسدة, وبوحيه الشيطاني !
يقول العلامة / محمد رشيد رضا : ( غلام أحمد القادياني هذا لا يوثق بنقله ولا بعقله كما يعلم من كتبه المتناقضة , وقد كان يدعي أنه هو المسيح عيسى ابن مريم – عليه السلام – التي أنبأت بأنه سينزل في آخر الزمان من السماء وأنه يوحى إليه , ونشر من وحيه الشيطاني في كتبه كثيرًا من النثر والشعر السخيف , ويتأول الأحاديث الواردة في المسيح تأويلات لا تقبلها اللغة العربية أن تدخل في باب من أبواب الحقيقة ولا المجاز ولا الكناية , وإنما عنى بما نقله عن مقبرة كشمير , لأنه يستدل به على زعمه أنه هو المسيح المنتظر , وقد فندت دعواه الخرافية في مقالات نشرها في المنار , كان لها تأثير عظيم في الهند , ونقلتها الجرائد وترجمتها , واضطر هو إلى الرد عليها بل الهجاء لي بوحيه الشيطاني بما يسخر منه العقلاء , وكان داعية للدولة البريطانية يمدحها ويقول بوجود حبها والخضوع لها وتحريم عصيانها والخروج عليها , وبهذا تيسر له جمع ثروة كبيرة وعصبية وأتباع يفرقون كلمة المسلمين ويدعون الناس إلى الإيمان بنبوته ومسيحيته , وقد أفتى علماء المسلمين بكفره وكفرهم كفانا الله شرهم ) ( عقيدة الصلب والفداء ص 42 ) .
الفصل الثاني
* الشريعة التي زعمها غلام أحمد !
زعم غلام أحمد أنه رسول مرسل من عند الله وأن شريعته لا تخالف شريعة رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم , وأن نبوته من بركات فيوض النبي صلى الله عليه وسلم ( الخزائن 23/341 ) .
لكن دعواه سريعًا ما ذهبت أدراج الرياح خاصة بعد أن نشر مذهبه الباطني !
لقد بينت الأحاديث الشريفة المتواترة في نزول عيسى عليه الصلاة والسلام أنه لن يأتي بأي شرع جديد بل سيأتي تحت لواء محمد صلى الله عليه وسلم , ولذلك ادعى ميزرا غلام أحمد في بداية دعوته أنه لم يأت بشرع جديد , لكن بعد أن وجد لدعوته عقولاً خربة مؤهلة لقبولها , وبدأ نجمه في الإزدهار , كشف عن حقيقة دعواه , وأخذ يهذي بوحيه الشيطاني , فأخضع القرآن والسنة للتأويل الفاسد , وألغى الجهاد ضد الإنجليز, وجعل الإيمان به مدار النجاة في الآخرة .
يقول غلام أحمد : " إننا نخالف المسلمين في كل شيء , في الله , في الرسول – صلى الله عليه وسلم - , في القرآن , في الصلاة , في الصوم , في الحج ,والزكاة " (صحيفة " الفضل " عدد 30 يوليو 1931م , وهى لسان حالهم ) .
ويقول أيضا : ( إن وحيي يشتمل على الأمر والنهي ) ( الأربعين رقم 4 ص 6 ) .
ويقول أيضا : ( إنني أتلقى الوحي التشريعي أيضا ) ( مجموعة الخزائن الروحانية - الشيطانية - جزء 17 ص 435 ) .
لقد بدأ غلام أحمد دعوته من خلال كتاب " براهين أحمدية " والذي زعم فيه : أن الروضة الإنسانية كانت لا تزال ناقصة وقد تمت بأوراقها وأثمارها بقدومه . ( براهين أحمدية ج5 ص113 ) .
ويقول في كذب واضح , وشطح ناضح : ( لقد أعطيت نصيبا من جميع الحوادث والصفات التي كانت لجميع الأنبياء , سواء كانوا من بني إسرائيل أو من بني إسماعيل , وما من نبي إلا أوتيت قسطا من أحواله وحوادثه ... لقد أراد الله أن يتمثل جميع الأنبياء والمرسلين في شخص رجل واحد وإني ذلك الرجل ) ( المصدر السابق ص 98 , 90 ) .
ويقول أيضا : ( إن الله بعث في هذه الأمة مسيحا موعودا هو أعلى مرتبة وشأنا من المسيح السابق , والذي نفسي بيده لو كان المسيح ابن مريم في زمني لما استطاع إنجاز ما أستطيع إنجازه , ولما قدر على إظهار آيات تظهر مني ) ( الخزائن الشيطانية ج22 ص 152 ) .
ثم أخذ بعد ذلك من خلال كتبه في أن يزعم أنه آتى على شريعة محمد صلى الله عليه وسلم , وسنستعرض بعضا مما جاء في شريعته المخالفة لهدي القرآن الكريم والسنة النبوية.
1- خاتم النبيين وبيان زيف عقيدتهم !
يزعم غلام أحمد أن النبوة لم تختم بمبعث النبي محمد صلى الله عليه وسلم , وفي هذه الدعوى الكذب الواضح على الله تبارك وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم . بل ويزعمون أن السيدة عائشة رضوان الله عليها قالت : " قولوا خاتم النبيين ولا تقولوا لا نبي بعده " . وهذا كذب على السيدة عائشة !
يقول الغلام : "فاعلموا يقيناً أن وسيلة العرفان الكامل هي الوحي الرباني الذي أوتيه أنبياء الله الأطهار ، ثم من بعدهم لم يُرد الله أن يوصد باب الوحي في المستقبل فيهلك العالم ، بل إن أبواب وحيه ومكالمته سبحانه لمفتوحة إلى الأبد "( فلسفة تعاليم الإسلام ص 140).
ويقول الكذاب الأشر غلام أحمد : " إن رؤية الله في الدنيا إنما هي أن يكلم الإنسان ربه بحيث يتاح للعبد أن يكون بينه وبين الله مثل السؤال والجواب مرارا وفي حالة يقظة تامة ، حيث العبد يسأل والرب يجيب ويتكرر هذا الحوار بينه وبين الله سؤالاً وجوابا حتى يبلغ هذا السؤال والجواب عشر مرات على الأقل في مناسبة واحدة " ( فلسفة تعاليم الإسلام ص 136 ) .
ثم يعقب هذا الأفاك على ما سبق في نفس الكتاب " فلسفة تعاليم الإسلام " تحت عنوان: " تشرف صاحب المقال بمكالمة الله وخطابه " . فيقول : " وإن مرتبة التشرف بمخاطبة الله ومكالمته التي فصلتها الآن ميسرة لي بفضل الله وعنايته " ( فلسفة تعاليم الإسلام ص 138) .
يقول الله تبارك وتعالى : {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً }الأحزاب40 .
وقد صرحت هذه الآية بأن النبوة والرسالة ختمت بسيد الخلق صلى الله عليه وسلم , وإنما ختمت النبوة به , لأن الله شرع له من الشرائع ما ينطبق على مصالح الناس في كل مكان وزمان , والقرآن الكريم لم يدع شيئًا من أمهات المصالح إلا جلاّها , ولا مكرمة من أصول الفضائل إلا أحياها , فتمت الرسالات برسالته إلى الناس أجمعين , وظهر مصداق ذلك بخيبة كل من ادعى النبوة بعده صلى الله عليه وسلم إلى أن يرث الله الأرض من عليها , وعقيدة ختم النبوة بنبينا صلى الله عليه وسلم من القضايا العقدية التي قررها القرآن , وبينها خير الأنام صلى الله عليه وسلم , وأجمع عليها الصحب الكرام ومن تبعهم بإحسان .
فمازال المسلمون يعتقدون منذ مبعثه صلى الله عليه وسلم ولا يزالون يعتقدون إلى اليوم , أن محمدا صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين فلا نبي ولا رسول بعده إلى يوم القيامة , وذلك المعنى الذي فهمه الصحابة رضوان الله عليهم جميعا , وهم لذلك قاتلوا كل من ادعى النبوة بعد محمد صلى الله عليه وسلم , وهذا هو المعنى الذي مازال المسلمون يفهمونه في جميع العصور المتعاقبة , فلم يقبلوا من بين أنفسهم رجلا ادعى النبوة .
قال الخطيب الشربيني : " والحاصل أنه لا يأتي بعده صلى الله عليه وسلم نبي مطلقًا بشرع جديد , ولا يتجدد بعده صلى الله عليه وسلم مطلقًا استنباء , وهذه الآية مثبتة لكونه خاتمًا على أبلغ وجه وأعظمه , وذلك أنها في سياق الإنكار بإن يكون بينه وبين أحد من رجالهم بنوة حقيقية , أو مجازية , ولو كانت بعده لأحد لم يكن ذلك إلا لولده, ولأن فائدة إثبات النبي تتميم شيء لم يأت من قبله وقد حصل به صلى الله عليه وسلم التمام فلم يبق بعد ذلك مرام " ( السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم 3/238 ) .
ويقول عبد القاهر البغدادي - رحمه الله-: " وقد تواترت الأخبار عنه بقوله: «لا نبي بعدي» " ( أصول الدين للبغدادي ص158 ) .
وسأذكر الآن بعض الأحاديث النبوية الدالة على ختم النبوة والرسالة به صلى الله عليه وسلم ، فمن ذلك ما أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: " أُتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بلحم، فرفع إليه الذراع - وكانت تعجبه - فنهس منها نهسة ثم قال: «أنا سيد الناس يوم القيامة، وهل تدرون مم ذلك؟» ثم ذكر الشفاعة من بعض الأنبياء واعتذارهم عن القيام بها، حتى يذهب الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون له: «يا محمد، أنت رسول الله، وخاتم الأنبياء، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، استغفر لنا إلى ربك...» " .
ففي هذا الحديث نص على أن النبي صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء ، وأن الناس في الموقف يعرفون ذلك ويقولونه ، ثم إن عدم إحالة النبي صلى الله عليه وسلم الشفاعة إلى أحد بعده كما فعل من قبله من الأنبياء والمرسلين يدل على أنه خاتمهم وليس بعده نبي غيره صلى الله عليه وسلم .
وقد صرَّح صلى الله عليه وسلم بأنه خاتم النبيين في أحاديث أخرى كثيرة ، منها ما رواه ثوبان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "«إن الله زوى لي الأرض» أو قال: «إن ربي زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوى لي منها، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض...» " . إلى أن قال : " «ولا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان، وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون، كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي، ولا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله» " . (أخرجه أحمد والترمذي وأبو داود وابن ماجة ) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " «لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان تكون بينهما مقتلة عظيمة، دعوتهما واحدة، وحتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول الله...» " ( أخرجه البخاري ) .
ويلاحظ أنه ذكر في حديث أبي هريرة «قريب من ثلاثين»، وفي حديث ثوبان السابق جزم بثلاثين . وقد جمع بينهما ابن حزم فقال: " إن رواية الثلاثين بالجزم على طريق جبر الكسر ، ويحتمل أن يكون الذين يدعون النبوة منهم ما ذكر من الثلاثين أو نحوها، وأن من زاد على العدد المذكور يكون كذابًا فقط لكن يدعو إلى الضلالة كغلاة الرافضة والباطنية وأهل الوحدة والحلولية ، وسائر الفرق الدعاة إلى ما يعلم بالضرورة أنه خلاف ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم " ( انظر : مجلة التوحيد , العدد 430, شوال 1428هـ).
وأخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء , كلما هلك نبي خلفه نبي, وأنه لا نبي بعدي " . وهذا الحديث يبين أن أنبياء بنو إسرائيل خلفوا بعضهم بعضا , أما النبي صلى الله عليه وسلم فلا يخلفه نبي أبدا .
ولقد قال صلى الله عليه وسلم : " لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب " ( رواه الترمذي وحسنه , وصححه الألباني في الجامع الصغير ) .
فعلم من ذلك الحديث أنه صلى الله عليه وسلم لا نبي بعده , سواء كان في نفس درجته أو أقل من درجته , بل حتى ولو كان من أتباعه صلى الله عليه وسلم , وإلا لكان الفاروق أولى بالنبوة من الغلام , فهو الملهم الذي وافق الوحي رضي الله عنه !
وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية , فجعل الناس يطوفون به , ويعجبون له , ويقولون : هلا وضعت هذه اللبنة , قال: فأنا اللبنة , وأنا خاتم النبيين " . وفي رواية مسلم عن جابر رضي الله عنه: " فأنا موضع اللبنة جئت فختمت الأنبياء " .
وقد ترجم البخاري لهذا الحديث بقوله : «باب خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم» ، كما ترجم مسلم له بقوله : «باب ذكر كونه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين» ، وفي الحديث ضرب الأمثال للتقريب للأفهام وفضل النبي صلى الله عليه وسلم على سائر النبيين ، وأن الله ختم به المرسلين، وأكمل به شرائع الدين .
وعن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " «إني عبد الله لخاتم النبيين، وإن آدم لمنجدل في طينته، وسأنبئكم بأول ذلك دعوة أبي إبراهيم، وبشارة عيسى بي، ورؤيا أمي التي رأت، وكذلك أمهات المؤمنين ترين» " ( أخرجه أحمد والحاكم وابن حبان ) .
كما أخبر صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة أنه لا يوجد فاصل بينه وبين الساعة، وهذا يفيد أنه ليس بعده نبي ، ومن ذلك ما رواه البخاري وغيره عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «بعثت أنا والساعة كهاتين» " .
قال ابن التين: " اختلف في معنى قوله: «كهاتين»، فقيل كما بين السبابة والوسطى في الطول ، وقيل المعنى: ليس بينه وبينها نبي" ( فتح الباري 11/349 ) .
وقال القرطبي: " معناه أنا النبي الأخير فلا يليني نبي آخر ، وإنما تليني القيامة كما تلي السبابة الوسطى وليس بينهما أصبع أخرى " ( التذكرة ص 711 ) .
كما دلت أسماؤه صلى الله عليه وسلم على أنه خاتم الأنبياء ، ومن ذلك ما رواه محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه رضي الله عنه قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لي خمسة أسماء: أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي، الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب» " ( أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما ) .
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال:" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمي لنا نفسه أسماء، فقال: «أنا محمد، وأحمد، والمقفى، والحاشر، ونبي التوبة، ونبي الرحمة»" ( أخرجه مسلم ) .
وقد جاء في هذين الحديثين ثلاثة أسماء كل واحد منها يدل على ختم النبوة والرسالة به صلى الله عليه وسلم ، وهذه الأسماء هي: الحاشر ، والعاقب ، والمقفى ، وإليكم معنى كل اسم منها ودلالته على عقيدة ختم النبوة :
فالحاشر وضح النبي صلى الله عليه وسلم معناه في حديثه ، حيث قال: «وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي» ، وقد فسر ابن حجر معناه فقال : " أي على أثري ، أي أنه يحشر قبل الناس ، وهو موافق لقوله في الرواية الأخرى: «يحشر الناس على عقبي»، ويحتمل أن يكون المراد بالقدم الزمان ، أي وقت قيامي على قدمي بظهور علامات الحشر، إشارة إلى أنه ليس بعده نبي ولا شريعة " ( فتح الباري 6/557 ) .
وأما العاقب فقد فسر بأنه الذي ليس بعده نبي ، قال ابن منظور: " والعاقب: الآخر. قال أبو عبيد: العاقب آخر الأنبياء، وفي المحكم آخر الرسل " (لسان العرب لابن منظور جـ1/614 ) .
وقال ابن القيم: " والعاقب: الذي جاء عقب الأنبياء، فليس بعده نبي، فإن العاقب هو الآخر، فهو بمنزلة الخاتم، ولهذا سمي العاقب على الإطلاق، أي : عقب الأنبياء جاء عقبهم" ( زاد المعاد 1/94 ) .
وأما المقفي فمعناه أيضا الآخر . قال ابن منظور: " قال شمر: المقفى نحو العاقب ، وهو المولي الذاهب . يقال : قفى عليه أي ذهب به ، وقد قفى يقفي فهو مقف، فكأن المعنى أنه آخر الأنبياء المتبع لهم، فإذا قفى فلا نبي بعده " ( لسان العرب 15/194 ) .
وقال ابن القيم: " وأما المقفي فكذلك، وهو الذي قفى على آثار من تقدمه ، فقفى الله به على آثار من سبقه من الرسل ، وهذه اللفظة مشتقة من القفو ، يقال: قفاه يقفوه : إذا تأخر عنه، ومنه قافية الرأس ، وقافية البيت ، فالمقفي : الذي قفى من قبله من الرسل ، فكان خاتمهم وآخرهم " ( زاد المعاد 1/94 ) .
وقد ذهب غلام أحمد إلى تأويل لفظة " خاتم النبيين " بأنها تعني أفضل النبيين وزينتهم !
إن علماء اللغة يقولون : " الخاتم " بمعنى الآخر , كما في " لسان العرب " , وكذا قول ابن سيده في كتابه " المحكم" , والأزهري في " التهذيب " , ولم يذكر أحد من هؤلاء الأئمة أو غيرهم كصاحب الصحاح , وصاحب المصباح , وصاحب القاموس , وكذا صاحب أساس البلاغة : أن الخاتم يكون بمعنى الأفضل , والمفسرون بالإجماع يقولون : (خاتم النبيين ) أي آخرهم . وهذا فضلا عن الصحابة والتابعين الذين لم يرد عنهم أن الخاتم بمعنى الأفضل وليس الآخر !
ولقد تجرأ الغلامية على الزعم بأن فهم الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة وكذا الأمة لمعنى ( خاتم النبيين ) فهم " تقليدي " . ألا لعنة الله على القوم الكافرين !
فهل أنتم ونبيكم الكذاب الأشر , أعظم فهما , أرجح عقلا من النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال أنه لا نبي بعده , وهل أنتم أحرص على الإتباع من الصحابة رضوان الله عليهم الذي حملوا المعاني النبوية إلى الأمة كما سمعوها وتعلموها وفهموها , حتى لا يأتي أمثال نبيكم المخرف ليضل الناس عن سبيل الله بوحيه الشيطاني !
بل إن دعوى الغلام هذه , اتهام للنبي صلى الله عليه وسلم بالتضارب والهذيان , والخيانة والكتمان وحاشاه صلى الله عليه وسلم !
فالغلام عليه لعنة الله يقول لنا , أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال : "لا نبي بعدي" كان يعني أن هناك نبيا بعده !
قال ابن عطية في تفسيره : {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً }الأحزاب40 : " هذه الألفاظ عند جماعة علماء الأمة خلفا وسلفا متلقاة على العموم التام , مقتضية نصا : أن لا نبي بعده صلى الله عليه وسلم". ( المحرر الوجيز 5/242 ) .
وقال الإمام ابن كثير في تفسيره : " وقد أخبر الله تعالى في كتابه , ورسوله في السنة المتواترة عنه : أنه لا نبي بعده , ليعلموا أن كل من ادعى هذا المقام بعده , فهو كذاب أفاك دجال مضل " . ( تفسير القرآن العظيم 6/205 ) .
وقال الإمام الآلوسي في تفسيره : " وكونه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين مما نطق به الكتاب, وصدعت به السنة , وأجمعت عليه الأمة , فيكفر مدعي خلافه , ويقتل إن أصر". ( روح المعاني 8/25 ) .
لقد حارب آل البيت والصحابة رضوان الله عليهم كل من ادعى النبوة بعده صلى الله عليه وسلم , فلو كان الأمر كما زعم الغلام , ما حارب آل البيت والصحابة رضوان الله عليهم مسيلمة وسجاح والأسود العنسي , وما قتل مصعب بن الزبير رضي الله عنه المختار بن أبي عبيد الثقفي , وما أباد صلاح الدين رضي الله عنه ملك عبد الله بن ميمون القداح ! بل إن دعوى الغلام , اتهام للصحابة وآل بيته صلى الله عليه وسلم وإجماع الأمة المعصوم بسوء الفهم والضلال .
ويقول الغلام : " أنا أفضل من جميع الأنبياء والرسل " ( حقيقة الوحي ص 72 ) .
وفي صحيفة الفضل , المجلد الرابع عشر ( 29إبريل سنة 1972م ) : ( إنه – أي الغلام – كان أفضل من كثير الأنبياء , ويمكن أن يكون أفضل من جميع الأنبياء ) .
يقول " بشير الدين محمود " نجل غلام أحمد وخليفته الثاني : ( إن غلام أحمد أفضل من بعض أولي العزم من الرسل ) (حقيقة النبوة ص 257 ) .
ويقول أيضا : ( لقد اعتقدوا أن كنوز الله قد نفدت , وما قدروا الله حق قدره , إنكم تتنازعون في نبي واحد – يعني غلام أحمد - , وأنا أعتقد أنه سيكون هنالك ألف نبي , بعد محمد صلى الله عليه وسلم ) ( أنوار خلافت ص 62 ) .
لقد أحدث ذلك فوضى في " النبوة " وفقدت كلمة " النبوة " جلالتها وحرمتها وقداستها, وأصبحت ألعوبة وعبثا , وكثر المتنبئون ومدعو الإلهام في القاديانية الغلامية, وقد عد منهم الأستاذ " محمد إلياس البرني " إلى عام 1355هـ سبعة أنبياء!
لقد استدل الغلامية على صحة نبوة الغلام بعد قوله صلى الله عليه وسلم : "لا نبي بعدي" بعدة أحاديث مكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم , ومنها :
1- "يا عباس أنت خاتم المهاجرين كما أنا خاتم النبيين" . ويقولون : هنا الخاتم بمعنى الأفضل, لأن الهجرة لم تختم بالعباس . وهكذا الغلامية يأتون بأحاديث مكذوبة ومنكرة , لإثبات صحة معتقدهم الفاسد !
والحديث في " ميزان الإعتدال " للذهبي , وفي " كنز العمال " لعلي المتقى الهندي , وفي إسناد هذا الحديث راويان أحدهما الحارث بن الزبير , قال فيه الأزدي : "ذهب علمه" (ميزان الإعتدال 1/433) .
والثاني إسماعيل بن قيس بن سعد، قال فيه البخاري والدارقطني: "منكر الحديث". وقال النسائي وغيره: "ضعيف". ونقل بن القطان أن البخاري قال: "كل من قلت فيه منكر الحديث فلا تحل الرواية عنه" ( ميزان الإعتدال 1/6 ) .
وقال ابن عدي : حدثنا أحمد بن الحسين الصوفي حدثنا سعيد بن سلمة الأنصاري حدثنا إسماعيل بن قيس حدثنا أبو حازم عن سهل عن سعد قال: "استأذن العباس النبي صلى الله عليه وسلم في الهجرة فكتب إليه: يا عم، أقم مكانك فإن الله يختم بك الهجرة كما ختم بي النبوة". ثم قال بن عدي: "عامة ما يرويه منكر" ( ميزان الإعتدال 1/245 ) .
وعلى سبيل التنزل يمكن أن يجاب عن ذلك أن العباس بن عبد المطلب هاجر قبيل فتح مكة إلى المدينة فصار خاتم المهاجرين الذين هاجروا من مكة إلى المدينة لأنه لا هجرة بعد فتح مكة من مكة , كما ورد في الحديث الصحيح الذي أخرجه البخاري : " لا هجرة بعد الفتح" . أي بعد فتح مكة , وإلى هذا المعنى يشير حديث سهل بن سعد: "يا عم أقم مكانك فإن الله يختم بك الهجرة كما ختم بي النبوة" فالمراد بخاتم المهاجرين آخر المهاجرين فلا يثبت دعوى المبشر القادياني أن المراد بخاتم النبيين أفضل النبيين ، فهذا الإستدلال في غاية الوهن والفساد ، والله يهدي من يشاء إلى سبيل الرشاد .
2- " لو عاش إبراهيم لكان صديقا نبيا " ( أخرجه ابن ماجة ) . ويقولون : في هذا الحديث دلالة على إمكان النبوة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم , والجواب عن ذلك من وجوه :
أ- هذا الحديث حسب الإسناد في غاية الوهن والفساد ، فيه أبو شيبة بن إبراهيم بن عثمان ، قال السندي في تعليقه على سنن لابن ماجه: "وفي الزوائد في إسناده إبراهيم بن عثمان أبو شيبة قاضي واسط. قال فيه البخاري: "سكتوا عنه" . ( السنن لابن ماجة 1/460 ) .
وقال ابن المبارك: "ارم به". وقال بن معين : "ليس بثقة". وقال أحمد: "منكر الحديث". وقال النسائي: "متروك الحديث" , وقال الذهبي : "كذبه شعبة" . ( ميزان الإعتدال 1/47).
فهذا الراوي متفق على ضعفه فكيف يحتج بروايته ؟!
ب- قد رويت آثار عن الصحابة تدل على خلاف ما استدل به الغلامية ، منها ما روى عبد الله بن أبي أوفى ، قيل له : "رأيت إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مات وهو صغير ولو قضي أن يكون بعد محمد صلى الله عليه وسلم نبي لعاش ابنه ولكن لا نبي بعده". ( رواه البخاري في صحيحه وابن ماجه وأحمد في مسنده ولفظه: "ولو كان بعد النبي صلى الله عليه وسلم نبي ما مات ابنه إبراهيم" ) .
وعن أنس قال: "رحمة الله على إبراهيم لو عاش لكان صديقا نبيا" ( أخرجه أحمد بسند صحيح على شرط مسلم ورواه ابن ماجه في مسنده وزاد في روايته: "ولكن لم يكن ليبقى، لأن نبيكم آخر الأنبياء ". ذكره الحافظ ابن حجر في فتح الباري وصححه 10 / 577 ) .
وهذه الروايات وإن كانت موقوفة فلها حكم الرفع إذ هي من الأمور الغيبية التي لا مجال للرأي فيها.
ج- إن كلمة "لو" لا تدل على الوقوع والثبوت كما ورد في القرآن الحكيم: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} الأنبياء22 .
3- "أنا آخر الأنبياء ومسجدي آخر المساجد". ( أخرجه مسلم ) , ويقولون : قد بنيت مساجد كثيرة بعد مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فلا يكون هذا إلا تعبيرا عن فضل مسجد النبي صلى الله عليه وسلم .
وهؤلاء كعادتهم , حرفوا الحديث بقطعهم لمتنه , قال الإمام مسلم في صحيحه : ( عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وأبي عبد الله الأغر - وكانا من أصحاب أبي هريرة - أنهما سمعا أبا هريرة يقول : "صلاة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر الأنبياء وأن مسجده آخر المساجد" ) .
وفي رواية: ( قال لنا عبد الرحمن بن إبراهيم أشهد أني سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى عليه وسلم: "فإني آخر الأنبياء ومسجدي آخر المساجد " ) .
في هذا الحديث مقارنة بين المسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم في الثواب كما ورد في هذا الباب حديث آخر يدل على فضل المساجد الثلاثة أي المسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم والمسجد الأقصى .
فهذا السياق يدل على أن المراد بقوله صلى الله عليه وسلم: "مسجدي آخر المساجد" أي آخر مساجد الأنبياء .
ولا شك أن هذه المساجد الثلاثة أسست بأيدي الأنبياء وتحت إشرافهم فتكون كلمة "أل" في المساجد عوضا عن المضاف إليه , فصار المعنى مسجدي آخر مساجد الأنبياء.
وهذا يوافق ما ذكرناه من النصوص الصريحة الصحيحة التي تدل على انقطاع النبوة بجميع أنواعها , فلا بد من تقديم المنطوق الصريح على المفهوم المشكوك فيه كما صرح به علماء الأصول .
ويؤيد هذا المعنى ما أخرجه البزار في مسنده من زيادة في هذا الحديث هو قوله صلى الله عليه وسلم : " أنا خاتم الأنبياء ، ومسجدي خاتم مساجد الأنبياء ، أحق المساجد أن يزار ويشد إليه الرواحل المسجد الحرام ومسجدي " ( ذكره المنذري في "الترغيب والترهيب " وسكت عنه 2/214 ) .
وهذه الزيادة أخرجها ابن النجار في " الدرة الثمينة " 2/357 , والديلمي في الفردوس كما أشار إلى ذلك المتقى الهندي في كتابه "كنز العمال" في باب فضل الحرمين 5/361 على هامش المسند للإمام أحمد .
وأخرج الهيثمي هذا الحديث في كتابه " مجمع الزوائد " ونسبه إلى البزار، وقال: "فيه موسى بن عبيدة وهو ضعيف" ( ميزان الإعتدال 4 / 213 ) .
ولكن مع ضعف هذه الزيادة يستأنس بها لأن سياق الحديث الصحيح يوافق هذه الزيادة.
4- " أنا خاتم الأنبياء وأنت علي خاتم الأولياء ".
أخرجه الخطيب البغدادي في تاريخه من طريق عمر بن واصل وقال: "هذا من عمل القصاص وضعه عمر بن واصل أو وضع عليه "( تاريخ بغداد 10/358 ) .
وقال الذهبي : " عمر بن واصل الصوفي شيخ روى عن سهل بن عبد الله اتهمه الخطيب بالوضع" (ميزان الإعتدال 3/230 ) .
قال مؤلف مجمع البحار (مجمع بحار الأنوار) محمد طاهر الهندي الفتني : " لفظ خاتم الأولياء باطل لا أصل له ، فإن خاتم الأولياء آخر مؤمن بقي من الناس وليس هو خير الأولياء ولا أفضلهم فإن خيرهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما " ( مجمع البحار ج3 ص518 فصل في الخاتمة ) .
5- " أبو بكر خير الناس إلا أن يكون نبي" .
أخرجه الطبراني وابن عدي , وقال المناوي في " فيض القدير شرح الجامع الصغير للسيوطي" : " قوله إلا أن يكون نبي أي يوجد نبي فلا يكون خير الناس يعني هو أفضل الناس إلا نبي والمراد الجنس و(يكون) هنا تامة و(نبي) مرفوع بها، والإستثناء لإخراج عيسى عليه السلام " (فيض القدير ج1 ص90 وميزان الاعتدال للذهبي ج1 ص231) .
وفي " الميزان " قال الذهبي : " تفرد به إسماعيل هذا فإن لم يكن هو وضعه فالآفة ممن دونه" (ميزان الإعتدال 3/230 ) .
وقال الهيثمي بعد عزوه للطبراني: "فيه إسماعيل بن زياد الأيلي ضعيف" (مجمع الزوائد ج9 ص44 ) .
خلاصة الكلام أن هذه الرواية في غاية الوهن حسب الإسناد بل يبلغ إلى درجة الموضوع كما صرح بذلك الذهبي .
6- عن عائشة رضي الله عنها قالت : "قولوا خاتم الأنبياء ولا تقولوا لا نبي بعده" ( الدر المنثور للسيوطي 5/204 ) .
إسناد هذا الأثر منقطع لأن فيه محمد بن سيرين الذي لم يسمع من عائشة شيئاً , قال الإمام ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: "ابن سيرين لم يسمع من عائشة شيئا" ( كتاب المراسيل ص 116 ) .
وقال البخاري: "لم يسمع ابن سيرين من عائشة رضي الله عنها شيئا" ( جامع التحصيل في أحكام المراسيل 2/635 , تهذيب التهذيب 9/216 ) .
2- عقيدتهم في القرآن الكريم وتفسيره !
يقول غلام أحمد في " الخطبة الإلهامية " : ( أم يقولون إنا لا نرى ضرورة مسيح ولا مهدي , وكفانا القرآن وإنا لمهتدون , ويعلمون أن القرآن لا يمسه إلا المطهرون , فاشتدت الحاجة إلى مفسر زكي من أيدي الله , وأدخل في الذين يبصرون ) .
وهذا نمط من التفسير الأحمدي القادياني الذكي للقرآن الكريم وذلك نقلا عن محمد علي , أمين جماعة القاديانية وزعيم شعبة لاهور من خلال تفسيره " بيان القرآن " :
* تفسير منطق الطير في قوله تعالى : {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ }النمل16 : حمل الطيور للرسائل من مكان إلى مكان كالحمام الزاجل .
* تفسير وادي النمل بأنها موضع نواحي اليمن , والنملة : بطن من بطون العرب , أو أمة كانت تسكن في وادي النملة .
* تفسير الجن في قوله تعالى : {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ }الأحقاف29 : طائفة من البشر اجتمعوا بالنبي صلى الله عليه في الخفاء , وليس المراد به نفوسا لا يقع عليها البصر , وقد جاءوا من الخارج وكانوا أجانب غرباء ولذلك سموا جنا .
* المراد من قوله تعالى : {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً }الجن1: يظهر أنهم كانوا نصارى وقد جاء ذكرهم على طريق النبوءة , ويكون المراد شعوبا مسيحية تبلغ الروعة في العظمة والرقي , فتصبح بذلك جنا وعفاريت وعباقرة.
بل ويذهب غلام أحمد إلى تأويل قول الله عز وجل : {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً}الإسراء15 . فيقول : " فهذا أيضا يدل على بعث رسول في الزمن الأخير , وهو المسيح الوعود – يعني نفسه – " ( الخزائن الشيطانية 22/500 ) .
ويقول عن قول المولى عز وجل : {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً }الكهف99 : " المراد من الصور هنا المسيح الموعود , لأن أنبياء الله تعالى هم بمثابة الصور له " ( الخزائن الشيطانية 23/85 ) .
وهذا الزنديق ينكر جسمانية الجنة والنار وحقيقتهما فيقول في تأويل قوله تعالى : {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ } البقرة 25 : "إن الله تعالى قد شبه هنا الإيمان بالجنة التي تجري من تحتها الأنهار... بل إن جنة الإنسان تنشأ من باطن الإنسان نفسه ، وإن جنة المرء هي إيمانه وأعماله الصالحات التي يبدأ بالتلذذ بها في نفس العالم " ( فلسفة تعاليم الإسلام ص 85 ) .
وأما قوله تعالى :{أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ * إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ * إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ } الصافات62-64 . فيقول مسليمة الغلام في تفسيره لهذه الآيات : " إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم : أي تنشأ من الكبر والزهو لأنهما جذور جهنم ... خلاصة القول إن الله تعالى مَثَّل كلمة الكفر التي هي في هذه الدنيا بالزقوم واعتبرها شجرة الجحيم ، كما مثل كلمة الإيمان التي هي في هذه الدنيا بالجنة المثمرة " ( فلسفة تعاليم الإسلام ص 87 , 88 ) .
ثم يؤكد على روحانية الجنة والنار وعدم جسمانيتها : " لقد تبين من جميع هذه الآيات أن الجنة والجحيم بحسب كلام الله القدس ليستا كهذا العالم الجسماني ، وإنما منشأهما أمور روحانية سوف تشاهد بأشكال مجسمة في عالم الآخرة ، ومع ذلك لن تكون من هذا العالم المادي " ( المصدر السابق ص 89 ) .
ويقول معلنا كفره بما نزل في القرآن العظيم وبما جاء به النبي الكريم صلى الله عليه وسلم : "إننا لا نؤمن بجنة هي عبارة عن أشجار مغروسة غرساً ظاهرياً ، ولا نؤمن بجحيم فيها أحجار من كبريت مادي ، بل الجنة والجحيم هما انعكاسات للأعمال التي يعملها الإنسان في الحياة الدنيا " ( المصدر السابق ص 111 ) .
قال الله تعالى : }مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ } (محمد 15) .
وقال تعالى : }هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ * كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ * إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ } الحج 19 – 25 .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قلنا يا رسول الله حدثنا عن الجنة ما بناؤها قال : " لبنة ذهب ولبنة فضة ولماطها المسك وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت وترابها الزعفران من يدخلها ينعم ولا يبؤس ويخلد لا يموت لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه " ( رواه أحمد واللفظ له والترمذي والبزار والطبراني في الأوسط وابن حبان في صحيحه ) .
ووصف صلى الله عليه وسلم النار قائلا : " ناركم هذه ما يوقد بنو آدم جزء واحد من سبعين جزءا من نار جهنم قالوا والله إن كانت لكافية قال إنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءا كلهن مثل حرها " ( أخرجه البخاري ومسلم وبقية أصحاب السنن ) .
* عقيدتهم في قضية صلب المسيح عليه الصلاة والسلام !
تفسير قوله تعالى : {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً }النساء157 : كلمة صلبوه لا تنفي تسميره على الصليب , ولكنها تنفي موته على الصليب كنتيجة لتسميره عليه .
فهم يقولون أن المسيح قد صلب لبضع ساعات على الصليب , لكنه لم يمت على الصليب بل حدث له إغماء , فظن الناس أنه مات !
ولقد اتفقت الأمة الإسلامية على ما أخبر به القرآن الكريم , من أن المسيح عليه الصلاة والسلام لم يُقتل ولم يُصلب {بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً }النساء158 , فسلمه الله من شر اليهود وأذاهم , ورغم أن الصلب يسبق القتل , إذ هو وسيلة للقتل , إلا أن الله تبارك وتعالى قدم نفي القتل على نفي الصلب فقال تعالى: ( وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ ) , بمعنى : أنه لم يُقتل أصلاً , فكيف تزعمون أنه قد صُلب؟!
ويقول الغلام في كتابه " المسيح الناصري في الهند " أنه بعد واقعة الصلب هاجر المسيح عليه السلام إلى كشمير وتوفي فيها قبل ألفي سنة , مستدلا بقول الله عز وجل : {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ }المؤمنون50 , ولقد ناقض الغلام المفسرين بالإجماع لأن " الربوة " هى بيت المقدس ببلاد الشام , كما أن الآية لا تشير إلى هجرة بل إلى إيواء واستقرار , لكن الغلام زعم هذا وقطع بوفاة المسيح ليخلي المقام لنفسه , لأن من مات يستحيل أن يعود إلى الحياة بجسمه وروحه على حسب زعمه , ولهذا زعم أن عودة المسيح ستكون مثيلية ( أي مثيل المسيح ) , وأنه هو المثيل !
والمسيح عليه السلام لم يمت , قال تعالى : {إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ }آل عمران55 . أي إني قابضك من عالم الأرض ورافعك إلى السماء بعد استيفائك كامل أجلك , والمقصود بشارته بنجاته من اليهود ورفعه إلى السماء سالما دون أذى ... ومن هذا المعنى قول العرب : توفيت مالي من فلان أي قبضته كله وافيا .
كما أن هذا من المقدم والمؤخر تقديره إني رافعك إلي ثم متوفيك بعد ذلك كما قال قتادة, وقد ذكره الطبري أيضا فقال : " وقال آخرون معنى ذلك : إذ قال الله يا عيسى إني رافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا , ومتوفيك بعد إنزالي إياك إلى الدنيا " ( انظر تفسير الطبري 6/458 ) .
وهذا ما قاله الحسن وابن عباس وابن زيد واختاره ابن جرير الطبري وقرره شيخ الإسلام ابن تيمية , وهذا هو الصحيح كما ذهب إليه المحققون من أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
فالحق الذي دلت عليه الأدلة البينة وتظاهرت عليه البراهين أنه عليه السلام رفع إلى السماء حيا وأنه لم يمت بل لم يزل حيا في السماء إلى أن ينزل في آخر الزمان , ثم يموت بعد ذلك الموتة التي كتبها الله عليه . فيكون ذكره في الآية قبل الرفع من باب المقدم ومعناه التأخير , لأن الواو لا تقتضي الترتيب , كما نبه أهل العلم وعلماء اللغة .
ومن هنا يعلم أن تفسير الوفاة بالموت قبل الرفع قول ضعيف مرجوح , بل الذي عليه الجمهور هو أنه عليه السلام رفع حيا بجسده وروحه , وسينزل في أخر الزمان على النحو الذي بينه النبي صلى الله عليه وسلم .
يقول الإمام فخر الدين الرازي : ( وقد ثبت الدليل أنه حي – أي المسيح عليه السلام –، وورد الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سينزل ويقتل الدجال ، ثم إنه تعالى يتوفاه بعد ذلك ) ( التفسير الكبير 8/ 60 ) .
هذا وقد نقل الشيخ حمود بن عبد الله التويجري رحمه الله في رده على الشيخ شلتوت رحمه الله إجماع أهل العلم على ذلك . ( انظر بتوسع " اتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشرط الساعة" 3/128-131 ) .
ولو تتبعنا سخافاتهم في تحريف القرآن الكريم لطال المقام , وحسبنا ما نقلناه من تأويلهم الباطل المخالف لصريح الكتاب والسنة .
* عقيدتهم في قضية النسخ في القرآن الكريم !
يقول غلام أحمد : ( إن رقبتي هي تحت نير القرآن الكريم ، وليس لأحد أن ينسخ حتى نقطة أو حركة من القرآن الكريم ) ( جريدة " أخبار عام " الصادرة من لاهور عدد يوم 26 مايو 1908م ) .
والنسخ كما هو معلوم باتفاق علماء الأمة , ثابت في القرآن والسنة , والحكمة منه ظاهرة جلية .
قال القرطبي : ( معرفة هذا الباب أكيدة وفائدته عظيمة ( أي النسخ ) ، لا يستغني عن معرفته العلماء ، ولا ينكره إلا الجهلة الأغبياء ، لما يترتب عليه من النوازل في الأحكام ، ومعرفة الحلال والحرام . روى أبو البختري قال : دخل علي رضي الله عنه المسجد فإذا رجل يخوف الناس ، فقال: ما هذا ؟ قالوا : رجل يذكر الناس ، فقال : ليس برجل يذكر الناس ! لكنه يقول أنا فلان بن فلان فاعرفوني ، فأرسل إليه فقال : أتعرف الناسخ من المنسوخ ؟! فقال : لا ، قال : فاخرج من مسجدنا ولا تذكر فيه . وفي رواية أخرى : أعلمت الناسخ والمنسوخ ؟ قال : لا ، قال : هلكت وأهلكت . ومثله عن ابن عباس رضي الله عنهما ) ( تفسير القرطبي 1 / 43 ) .
قال ابن كثير : ( والمسلمون كلهم متفقون علىجواز النسخ في أحكام الله تعالى ، لما له في ذلك من الحكمة البالغة ، وكلهم قال بوقوعه ) ( تفسير ابن كثير 1 / 181 , 182 ) .
وقال الشيخ " رحمة الله بن خليل الهندي " : ( .... فكذلك في نسخ الأحكام حكم ومصالح له – تبارك وتعالى - , نظرًا إلى حال المكلفين والزمان والمكان , ألا ترى أن الطبيب الحاذق يبدل الأدوية والأغذية بملاحظة حالات المريض وغيرها على حسب المصلحة التي يراها , ولا يحمل أحد فعله على العبث والسفاهة والجهل ؟ فكيف يظن عاقل هذه الأمور في الحكيم المطلق العالم بالأشياء بالعلم القديم الأزلي الأبدي ؟! ) (إظهار الحق ص 232) .
3- عقيدتهم في السنة والحديث !
لقد قام الغلام وأمثاله من المخربين على مر العصور , بالطعن في السنة النبوية , إما تصريحا وإما تأويلا , فالغلام وأتباعه يتعاملون مع السنة والأحاديث بمعيار الهوى والغرض , فإذا وافق الحديث أهواءهم انتصروا له وجعلوا دينهم يدور عليه كما فعلوا في حديث : " إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها " . وإذا خالف الحديث أهواءهم ومنهاجهم الباطل ردوه , ولو كان في أعلى درجات الصحة , وقالوا حسبنا القرآن فما وافق القرآن قبلناه , وما خالف القرآن رددناه , ويجعلون فهمهم وأهواءهم الحكم في الموافقة والمخالفة للقرآن والسنة !
ثم إنهم يسعون لتحريف الأحاديث كما فعلوا مع القرآن الكريم فحرفوا معاني الآيات بما يتماشى مع عقائدهم , ولم تسلم الأحاديث النبوية من أذاهم وتحريفهم , وأعرض نبذا من تحريفهم للسنة المطهرة بتأويلهم للأحاديث النبوية الصحيحة :
* يزعم الغلام أنه نبي من عند الله , وأن لفظة " خاتم النبيين " لا تعني بالضرورة أنه لا نبي بعد رسول الإسلام صلوات الله وسلامه عليه , بل تعني أنه صلى الله عليه وسلم أفضل النبيين وزينتهم , وقد سبق بيان ذلك .
* قام الغلام بتأويل أحاديث نزول المسيح عليه السلام شرقي دمشق عند المنارة البيضاء وعليه رداءان أصفران , فقال محرفا : " المراد بالرداء الأصفر : العلة وقد جاء في الحديث أن المسيح ينزل وعليه رداءان أصفران وهذا شأني فإنني أعاني علتين : إحداهما : في مقدم جسمي وهو الدوار الشديد الذي قد أخر به الأرض , وأخاف به على نفسي , والعلة الثانية : في أسفل الجسم وهى كثرة التبول " ( براهين أحمقية 1/201 ) .
ولجأ إلى الخداع والتزييف فادعى أن قرية قاديان مشابهة لدمشق , وأن الله أنزله في دمشق هذه بطريق شرقي , عند المنارة البيضاء من المسجد الذي دخله كان آمنا . ( إزالة أوهام ص 68 ) .
وإذ قد تغلب على تأويل لفظ دمشق والشام ... إلخ , فقد بقى له أن يتغلب على مشكلة المنارة الشرقية , وذلك ببنائه منارة في شرقي قاديان وقرر ذلك سنة 1900 وفتح الإكتتاب لذلك وحث على الإعانات ووضع أساسها عام 1903 وتم هذا المشروع بعد وفاته في حياة نجله " بشير الدين محمود " .
ولم يكتف الغلام بهذا فقط , بل لما رأى فساد تأويله , أنكر أحاديث نزول المسيح عليه السلام بالكلية , واتهم النبي صلى الله عليه وسلم بالكذب , فقال : " إن فكرة نـزول المسيح الموعود من السماء لفكرة باطلة تماما. اعلموا جيدًا أنه لن ينـزل من السماء أحدٌ. إن جميع معارضينا الموجودين اليوم سوف يموتون، ولكن لن يرى أحد منهم عيسى بن مريم نازلاً من السماء أبدًا ، ثم يموت أولادهم الذين يخلفونهم ، ولكن لن يرى أحد منهم أيضًا عيسى بن مريم نازلاً من السماء ، ثم يموت أولاد أولادهم ، ولكنهم أيضًا لن يروا ابن مريم نازلاً من السماء . وعندئذ سوف يُلقي الله في قلوبهم القلقَ ، فيفكرون أن أيام غلبة الصليب قد انقضت ، وأن العالم قد تغيَّر تمامًا، ولكن عيسى بن مريم لم ينـزل بعد؛ فحينئذ سوف يتنفّر العقلاء من هذه العقيدة دفعةً واحدة، ولن ينتهي القرن الثالث من هذا اليوم إلا ويستولي اليأسُ والقنوط الشديدان على كل من ينتظر عيسى ، سواء كان مسلمًا أو مسيحيًّا، فيرفضون هذه العقيدة الباطلة , وسيكون في العالم دين واحد وسيد واحد.وإنني ما جئت إلا لزرع البذرة، وقد زُرعتْ هذه البذرة بيدي ، والآن سوف تنمو وتزدهر ، ولن يقدر أحد على أن يعرقل طريقها " ( الخزائن الشيطانية 20/67 ) .
يقول السفاريني في كتابه " لوامع الأنوار" 2/94-95 : ( فقد أجمعت الأمة على نزوله- أي المسيح عليه السلام - ولم يخالف فيه أحد من أهل الشريعة ، وإنما أنكر ذلك الفلاسفة والملاحدة ممن لا يعتد بخلافه ، وقد انعقد إجماع الأمة على أنه ينزل ويحكم بهذه الشريعة المحمدية ، وليس ينزل بشريعة مستقلة عند نزوله من السماء ) .
* اعتمد الغلام في تأويلاته وتحريفاته على المنامات , ولجأ إلى أساليب باطنية في حساب الجمل والأعداد كعادة اليهود , والتطرف في تأويل المصطلحات الدينية الشرعية المتواتر لفظها ومعناها ومفهومها .
كما زعم أتباعه أن الغلام تلقى وحيا يخبره بموته , وهو : ( لا تثق بالحياة الفانية ) وزعموا أن القيمة العددية لحروف هذا الوحي تشير إلى سنة وفاته !( مصطفي ثابت القادياني : السيرة المطهرة ص 629 ) .
* عقيدتهم في معجزة الإسراء والمعراج !
يزعم أتباع الغلام في مقال لهم عن " حقيقة الإسراء والمعراج " : أن الإسراء شيء والمعراج شيء آخر ولم يجتمعا في رحلة واحدة بل ولا في سنة واحدة ، وإنما يفصلهما عدد من السنوات يبلغ ستا أو سبعا لأن سورة النجم نزلت في السنة الخامسة من البعثة وهى التي فيها ذكر المعراج , أما سورة الإسراء فقد نزلت في أوآخر الفترة المكية . وأن الرواة هم الذين اختلط عليهم الأمر فجعلوا الإسراء والمعراج حدث واحد !
ويقولون : إن واقعة المعراج لم تكن انتقالا جسديا من الأرض إلى ما وراء عالم الأفلاك والمجرات , ولم تكن انتقالا روحيا بمعنى أن الروح الشريفة غادرت الجسد وانتقلت إلى هذا المجال.. لأن الأرواح لا تفارق أجسادها مادام المرء على قيد الحياة.. ولم تكن حلما يمر برأس نائم يغط في فراشه . وإنما هي من قبيل الوحي الإلهي الذي يكلم به المولى تبارك وتعالى من يصطفيه من عباده.. إنه الكشف . والكشف أو الرؤيا.. تحدث للإنسان المصطفى وهو في حالة اليقظة الكاملة... يرى الشيء ويعي أحداث الكشف.. وحده في خلوة بعيدا عن الناس ، أو أمام الناس ولا يدرون بما يجري معه ، أو أمام الناس ومعهم ويشتركون معه .
ويقولون : إن الإسراء والمعراج ليس بمعجزة , لأن شرط المعجزة لم يتحقق , وهو أن يقع العمل أمام القوم ويشاهدونه , ويقولون أن الحادثة بلا أي قيمة لأنها حدثت أمام من جرت على يديه فقط دون أن يشاهدها أحد !
وهذه عادة الطاعنين في السنة المطهرة , فهم يطعنون في أجل الأمور وأعظمها , حتى يصير الإسلام بلا معجزات تثبت مصداقيته , فإذا طعنوا في القرآن والسنة , فماذا يتبقى من الإسلام ؟!
أما قولهم أن المعراج لم يحدث ليلة الإسراء , فهذا تكذيب للنبي عليه الصلاة والسلام وليس للرواة فحسب , لأنه قد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال بعد أن أخبر بقصة الإسراء ليلا على البراق إلى بيت المقدس : " ثم عرج بنا إلى السماء الدنيا .... الحديث". وهو حديث أنس بن مالك رضي الله عنه الذي أخرجه البخاري ومسلم وأحمد وفيه ذكر المعراج بعد الإسراء مباشرة .
واستدلالهم بأوقات النزول غير صحيح , بل فيه كذب على العلماء , فلم يزعم أحد - فيما أعلم – أن سورة النجم نزلت في السنة الخامسة , بل أجمع العلماء أنها مكية دون الإشارة إلى زمن النزول بالتحديد , وكذا الأمر في سورة الإسراء .
وعن قولهم أن الإسراء والمعراج كانا من أنواع الكشف أوالرؤيا أثناء اليقظة , فهذا مما قالوه خدمة للمستشرقين الذين يستدلون بأقوال الفرق المارقة عن الإسلام !
ولقد رد علماء الإسلام سلفا وخلفا على هذه الدعاوى , قال الله تبارك وتعالى : {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ }الإسراء60 . وأخرج البخاري والترمذي عن ابن عباس قال : " هي رؤيا عَيْن اُرِيها النبيّ صلى الله عليه وسلم ليلة أسْرِيَ به إلى بيت المقدس" .
فكيف يكون كشفا أو رؤيا إلهامية ويكون فتنة للناس ؟! فلو قال قائل : لقد طفت الدنيا بأسرها في رؤيا إلهامية هذه الليلة ؟ ترى هل يكذبه أحد ؟! فالناس يعلمون أن قانون الرؤيا الإلهامية يختلف عن قانون الرؤيا العينية الحقيقية , إذ النفس تسرح في الرؤيا الإلهامية كيفما شاءت , فلا يمكن لأحد أن يعترض .
أما لو قال قائل : لقد طفت الدنيا بأسرها في رؤيا حقيقية بجسدي وروحي في هذه الليلة؟ فسترى المعترضين يسدون عين الشمس !
ولهذا اعترض المشركون وقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : " ... نضرب إليها أكباد الإبل في شهرا – أي بيت المقدس – وتزعم أنك أتيتها في ليلة ؟ " ( أخرجه مسلم وأحمد والبيهقي ) .
أسمعتم أيها الغلامية ؟ قالوا : أتيتها , ولم يقولوا : رأيتها , أو انكشف لك في رؤيا إلهامية!
ولو كانت رؤيا إلهامية , أكان هذا يستدعي أيضا أن يرتد بسبب ذلك ضعاف الإيمان؟!
كما أن كلمة ( الرؤيا ) وردت في البصر , وذكرت كذلك في كثير من قصائد الشعر لفحول شعراء العرب , خاصة عند الحديث عن غرائب الأشياء التي تشبه الرؤيا المنامية .
هذا , وقد قال الله تبارك وتعالى : {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}الإسراء1. والعبد لا يكون عبدا إلا بجسمه وروحه , وقد علمت أن المعراج حدث بعد الإسراء في نفس الرحلة , فعلم من هذا أيضا أن المعراج كان بالجسد والروح .
وأما عن زعمهم أن معجزة الإسراء والمعراج فقدت قيمتها , لأنها جرت أمام صاحبها فقط , فنقول : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم – وكذلك الأنبياء - كان يأتيه الوحي بالقرآن الكريم خفية . فلم يشهد جبريل عليه السلام أحد غيره صلى الله عليه وسلم , وكذا موسى عليه السلام كلمه الله وحده ولم يشهد أحد ذلك , بل آمن بنو إسرائيل بذلك غيبا , فأولى للغلام وأتباعه أن يطعنوا في القرآن الكريم ورسالة موسى عليه السلام !
إن المسألة المطروحة هنا مسألة إيمانية , أي إخبار بغيب , وليست مسألة مشاهدة , وذلك حتى تناقش بالعقل , وتكون مدخلا للإيمان , لأن الإيمان ليست أداته الرؤية , فليس بعد العين أين , ولكنه يتم بالدليل العقلي على أن ما هو غيب حدث فعلا .
إن كل الدعاوى التي زعمها الغلام وأتباعه , قيلت من المستشرقين , وكانوا يحسبون بذلك أنهم يهدمون المعجزة , لكن أسئلتهم بينت نواحي الإعجاز في الإسراء والمعراج , فسبحان الله الذي سخر عبده غير المسلم لخدمة دين الحق !
تتبع