حبيبتي ..هي جنة وطن أراها كلّ مساء حين يزدل ندى الفجر قطراته معانقا لحشائش الطريق، أراها في ملامح الغجر المغطاة بندوب اللاهبة الحارقة، أراها في غمامة عابرة.
أحاول دوما أن أسبر أغوار أرضها في دمي لأكتشف مفاتنها ولكي ألمحها مرة أخرى أرضا مشاعة. أنا هي و أمّي وهي منّي وعليّ وليَ تجعلني آكل بعضي بحبي حتى أصبح لا شيء، كشيء يشبه السراب قليلا!
نفسها إلى نفسي نصفين، نصف لها ونصف لي أيضا بل أكثر .. أجدها مرتعا بدريا مزروعا ببذور العشق و الحنين هي قصيدة مختلفة وعاشقة لا أحد في ظلّها ليحمي رحيق زهرتها من لسعات النحل، هي أكثر من خيال اخترعه النحّال ليبيع الشبقات مصنع الشهد هي حبيبتي هي كالوطن من جديد.
كالوطن تماما...
في ملامحها الأنثوية و الزهرية يسطع الخوف من وحدتها و ترحالها، هي حبيبتي تشاطرني نزف الوحدة الليلية وكريات دم الساعة الأخيرة من سرطان الليل، تحقنني بالأمل تارة و و أسقيها تارات وتنفخني بأمل اللُّقيا وعناق الشفتين الأبديّ، تحيط خصري بزهر روعتها، وتغرس وشاب حبها في قلبي، هي حبيبتي كالوطن من جديد.
على مرام خدها، هضبةُ السهد تنصب رايةَ السعد الأحمر فوق جثوتين مع فرح ونبيذ، تُسدل ستار النظر على جسدي كي أتفتح على وأد كبراعم آذار، تراود طيوري فوق وسادتها، تفترشني كسرير حلم به رحيق الزهر المنسكب من أوتار العود هي حبيبتي هي كالوطن من جديد.
في جهتي الغربية، وفي اليم الشرقي، وفي الشمال القارص، وفي الجنوب الصحراوي العاق، تكون غزالتي سحر و أملها الشارد، يرعى عشب الزمن وقت الفجر الرطب، وحين يهجع السكان مساءًا تكتفي سحري بأن تتسلى بنسج شوقها وطنا لي بطريقة تثيرني ولا أكثر!
اعتبرتها جاهلة لما بأعماقي واخترت أن سألتني
ألا أجيب اعترفت بما أشعر لأوراقي
وأخفيت عنها سري
العجيب
نطقت بعد صمت وتم إغراقي
قالت
حبيبي وأكثر من حبيب
أيها المتهم حسب أذواقي
أتهمك بالتقصير فبماذا تجيب؟
هل لك مكانا لأشواقي
أم أنت كالطير الغريب
يجوب الحقول فوق
السواقي
يبكي الشمس قبل المغيب.
قلت
رومانسية من الكلام
كيف استطعت توقيف الزمان؟
عاطفية آه منك يامرآد
أحببتك وسأحبك بكل إيمان
خرافية من قصور الأوهام
ملهمتي من ضواحي وهران
ساحرتي
كيف لا يكون لك مقام
وانت التي جعلت مني فنان؟
مشكلتي
منذ سنين وأعوام
أن أضل في عينيك جبان
أنا الفارس الأبيض الهمام
من حدثتك عنه
كل الأديان.
لا رجعة للأمس هكذا يقولون من فقدوا ذاكرتهم في المهب ..
ونبقى وحدنا على الرصيف في انتظار المساء لعله يكون اخر مساء..
نحن العابرون مثلكم من الظلمة الى النور نعود من أبعادنا الأبدية ..
مغرمون بكم وبنرجسيتيكم الخانقة ..
نبحث عن شيئ مفقود وفي غمرة السكون قال لنآ هاتف ..
لا شبيه لكم في هذا الكون ،لا أحد يتمسك بماضيه مثلكم ..
لا أحد يستحق عذابكم..
أأنتم ادميين في بداية الخلق قبل المعصية ؟
للأشياء بدايات وللبدايات امتداد حتى ولو كان الفراغ نفسه..
الامتداد نحن ونحن الحلقة المفرغة من الزمن ..
يدور الزمن داخل الجدار ويتهمنآ بالعبث..
لا مراسي في الأفق تأوينا..
يكفي أننا نكتب أسماءنا على الهامش، سعداء ..
قد جربنآ وتمزقنآ ... فلآ يهون شيء بدآخلنا ... طبعآ بكل بسآطة قلوبنآ تحتــــــرق .
الفصل الأول من رواية / الإنسان الأخير / عمر منصورية
تكمن سخرية الحياة في انطلاقها من مركز لا مُتناهٍ، بشهواتها، وغرائزها، وعقلانيتها، و لطافتها،ومنطقها الغريب هو تسييج موغل لحقدها على الإنسان منذ ميلاده الأول ، لكنه في واد الموت تعلم أن الفقد هو الطين في سخائه، والنار في التهابها. منذ عرفت أن الاصل فيه هو التمرد والجنوح عن شرائعها، اتخذت حركتها اللولبية المتسارعة والمتباعدة بشكل رهيب هائل، فعصفت بوحشية تامة، وقسوة مفجعة. لكن شرف الإنسان يبقى في صموده لعلمه بأن ذروة الحركة تلك هي نهاية موت الطبيعة، وبدء مرحلة جديدة ،هي ميلاد الإنسان بفوضوية منطلقاته الأولى.. أن تحيا هو أن تتعلم سرقة رموز الغيب ومفاتيح الصدمة الأولى ، أن تحيا، هو أن تتجاوز رغبات الإغراء والتعري والقمع في سكنات الحياة أثناء تضليلها لك .
يستيقظ ذات صبا ح شتوي بارد في قبوه كالمعتاد ، والغريب أنه غالبا ما ينهض من فراشه مفزوعا ،يرتدي بعنف،معطفه الكحلي ولا حاجة له في ارتداء حذائه الذي ينام به اختصارا للوقت وعجزا منه على إعلان الولاء ، يسعل بشدة طاردا بقايا العفن من حلقه المتآكل ، وبسرعة البرق، مرت صورة على مخيلته فيلعن أيامه، ويستشعر مرارة الحياة وخيباتها … تمر الحياة ببطء شديد، و يفهم هو بدقة متناهية أوجاعه وحنقه الشديدين لأنه كان يمضي أيامه في خدمة البقايا البشرية التي تقتات على الأوهام الغريبة وتلجأ الى التدمير لِأَبسط الإحباطات، تحتل وصية جدته جزءا كبيرا من ذاكرته كل صباح : كن ذئب الضباب ، وتسلل دائما تحت المطر ، لا تكلم أحدا إلا بحافة لسانك ، لا تأمن أحدا على حياتك ولو كان أباك !!
التقيؤ كل صباح في حمام قبوه، هو انذار بيوم جديد حين يغتصب الحامض الأصفر من معدته الخاوية ،هو تخلٍّ عن بعض قذارات الخيانات المتكررة ومحاولة النيل من شخصه، الخيانات تلك، التي يتلقاها كل يوم من أصدقائه ومقربيه وأعدائه ومتملقيه على السواء ، لكن كل ذلك لا يزيده إلا اندفاعا نحو الحياة بمزاج متقلب، فما الغطرسة إلا امتلاك للقوة المثلى. يثابر كل يوم ليصل الى الانبساط النفسي والعصبي، وما الانسان في رأيه، إلا تكيف في مقاومة التغير المستمر..هو الإعتياد على غشهم ونفاقهم و هو نوع من فنون الخطر !
“القيقبة”، القرية الصغيرة الكادحة، مركزعباقرة الشر في خياله ، الثقافة البربرية الضاربة في عمق التاريخ. حين كان بوسعدية يمر عليها في مواسم الجني ، وهو يمسح عذابات الله وعرق الكادحين ، يلتحف بوسعدية جلد خروف، ويربط في خاصرته ذيول الأحمرة، والخرفان، والكلاب، والعجول الثائرة ، ويعتمر طاقية مزينة بريش الطيور المختلفة. يباغت بوسعدية أجداده وهو يحمل بنديرا وقردا رابضا على كتفه ، تطارده كلاب القرية، ويجتمع من حوله أطفال، ونساء يستغربن مدى وقاحته وهو يردد قائلا :
“أنا بوسعدية ، والكلاب تنابح فيا ، والنسا يطلوا عليا ، ومولايا يشوف. ترك… ترك …ترك ، يقفز ويلهو مرحا معتدا بنفسه ، لكن مرابط القرية، الشيخ” أعمر”، يهجم عليه ويطرده بقوة. فيأوي دون أن يشعر، إلى حائط زاوية الشيخ ذاته، منهك القوى، ويلتهم بعدها، بشراهة، ما جاد به أطفال القرية ونسائها .
لالا متعة هي أم الدنيا في خيال نسائها ،آلهة الخصوبة، والحب، والجمال ، يباركنها في مواسم الربيع بالبخورفي الجمر، والنار، والحناء ، يذبحن قرابين ويرقصن ويغنين لها ،فيما تظل نساء اخريات يتلصصن بالوكالة عن أفخاذ وأرداف الفتيات الصغريات لأبنائهن كمواسم للتزاوج .
يتذكر رائحة الموت التي كانت تخنق المكان ، و الصراخ و العويل، و عبق الكافور ، والقمر لم يكتمل بدرا بعد.. جثة جدته ماكثة في حجرتها مع أدوات حربها السرمدية مع الحياة، مرتبة بإتقان.. الخناجر التي دستها تحت الوسادة، والمنجل البربري، والفأس الصغيرة الحالمة.. ثغاء النعاج المحشوة في القبو، ونقيق ضفادع الليل تفسدان عليه نومه ، اللعنة! حتى صراصير الليل تتحالف مع ذلك المشهد المقفر والموحش.. الرائحة المنبعثة من الحمام تخنق أنفاسه ،قال في نفسه متسائلا والأسف يطحن روحه بيد اليأس العارمة الشديدة: لا شيء يدوم والجوع الأكبر يجول الأرض.. اللعنة على النواميس والشرائع كلها …لست أطيق شيئا بعد الآن، ألا تكفي رائحة روث المواشي والتبن الاصفر ورغام الأرض؟ وصديق أشعث مغبر مصفر بأسماله المتسخة، تحررت منه لتوي لأرتاح قليلا ،إييييه على حياتي السوداء! الموت أهون من رائحة العفن التي تنبعث من فمه مع كل زفير، و تنضح منه رائحة العرق والبول والمني ! أعيش بالتقطير منذ أربعة اشهر مع صورة المفتاح فوق التابوت الخشبي ، ماعز أبي يقضم حديقة جدتي بلا رحمة ولا هوادة ،و العم الغارق في أوهامه يجري تجربة تفجير الذرة بأدوات بدائية ، أظنه يسخر من العلم بشرف التيه الأزلي للإنسان،ويبقى الحب بخارا للأرض ولغزا أعظما عظيما كماء الروح ..الموت الوحش يتوركنا كل صباح متلهفا لغرس أظافره فينا وآلام مقدسة كقداسة جبل جورزيم …الجسد قربان لميلاد الروح ..متى يصبح الإنسان إلها لتكتمل الخرافة الموعودة ؟ و تؤمن هذه القطعان الهائمة بألوهية الإنسان، و نتحرر من هرمس، حامل الوحي والرمز الاكبر ،فالكهف رمز كما الظلام والحية والنور و القرد والثعبان، فهل كان لزاما علي أن أفكك كومة الرموز هذه، لأصل الى الله الأعلى… أيها الله القديم : أنا متعب وألهف بنهم نحو الأطياب والأكفان ، أريد أن أعرف أسرار المقابر،فأنا لم أجدك في المعابد والهياكل والكنائس والمساجد ، أريد أن أنتصر للإنسان بملاقاتك ، وآخذ لي منك شيئا من نسل الأرض، شيئا من بنات كنعان ؟؟
ليس للإنسان، ذلك الكائن الروحي الطقوسي، سوى أن يعترف بهذا العالم المليء بالطلاسم والأسرار، و أن يعترف بالموت مَذبحةً ومَسلخة ، فما الموت سوى فرضية مغرية تريدنا أن نرى الحياة من مكان الموتى، وأن نرى أشياءا مهينة وجارحة لابتساماتنا البريئة أمام قوتها وجبروتها .. إن الموت هو أكثر الأشياء ازدراءا واحتقارا للإنسان، و أكثر غوائل الطبيعة فتكا به ، هو الرجوع الى عالم الأسلاف لنرقد بجانب قتلى الطبيعة الخرساء ، فيا أيها الإنسان : أيها الطقس الجنائزي في صراعه مع الطين والنار ، أيها التميمة الرثة في عالم الغيب ،لا عزاء لك سوى قوة الروح ، وتجهز للموت بالسهام والحراب !
رائعة هي مدونتك جمهورية الم حتى اسمها فيه نوع من امل لا تتعجب نعم فيه نوع من امل هي جمهورية والحكم الجمهوري لا يدوم احرضك سيدي على انقلاب عسكري بجنود من امل فحزب المعارضة لديك يأبى أن تعيش في الم وحتى شعبك لا يرضى استبداد
مررت بجانب قسم فقلت لما لا احتسي فنجان كلمات من مقهى جمهوريتك
تقبل مروري وتحياتي