هنا مملكة الأحلام
على امتداد مئات الفراسخ
الشواطئ مقفرة عارية مالحة .
لكن الماء فيها - بلون الزمرد و السماء
و الحرير الأبيض أشد بياضاً من الثلج .
في حرير الرمال مجرد نبات الشيح الأزرق
يرعاها الله لأجل قطعان الغنم الرحّل ،
والسماوات هنا زرقاء لدرجة لا تصدق،
والشمس فيها - كما نار جهنم ، سَقر .
وفي ساعة القيظ ، حين السراب المصقول
يُغْرِقُ العالمَ بأكمله في نوم عميق ،
في بريق لا نهائي، خلف حدود الأرض الحزينة،
يحمل الروح إلى حدائق الجنة .
وهناك يجري، هناك يصب خلف الضباب
نهرُ كل الأنهار، الكوثر اللازوردية ،
و لكل الأرض، لكل القبائل و البلدان
يمنح الهدوء . اصبر، صلِّ - وآمن .
"لقد فقدتَ صوابك و اتّخذتَ الطريق المنحرف, لقد آثرتَ الكذب على الصدق و البشاعة على الجمال. ستتعجّب لو -بداعي أحداث غريبة لبعض الأنواع- فجأة تستسيغ الضّفادع و العضّاءات أشجار التّفّاح و البرتقال بدلا من الفاكهة, أو أن تفوح الورود برائحة حصانٍ مُتعرِّق. لهذا أنا أتعجّب منك كيف تستبدل الجنّة بالدّنيا ؟! أنا لا أريد أن أفهمك !"
ألا فلتشهد السماء أنني لا أكذب ولا أتباهى في هذه اللحظة !
إن المصير الفاجع الذي كتب على البشر يعذبني تعذيبا شديدا ،
لأنني أنا نفسي واحد من هؤلاء الأشقياء البؤساء !!
لابد للإنسان
من أجل أن تبعث نفسه بعثا جديدا
وأن ترتفع بعد سقوط
لا بد له أن يقطع للآلهة القديمة " أم الأرض "
عهدا الى الأبد .
اوبراين: "كيف يؤكد إنسان سلطته على إنسان آخر يا وينستون ؟"
قال وينستون بعد تفكير: "يجعله يقاسي الألم"
رد أوبراين: "أصبت فيما تقول. بتعريضه للألم , فالطاعة وحدها ليست كافية ,
وما لم يعانِ الإنسان الألم كيف يمكنك أن تتحقق من انه ينصاع لإرادتك لا لإرادته هو ؟
إن السلطة هي إذلاله و إنزال الألم به , وهي أيضا تمزيق العقول البشرية إلى أشلاء ثم جمعها ثانية وصياغتها في قوالب جديدة من اختيارنا.
هل بدأت تفهم أي نوع من العالم نقوم بخلقه الآن ؟ إنه النقيض التام ليوتوبيا المدينة الفاضلة التي تصورها المصلحون الأقدمون, إنه عالم الخوف و الغدر والتعذيب, عالم يدوس الناس فيه بعضهم بعضا.
عالم يزداد قسوة كلما أزداد نقاء , إذ التقدم في عالمنا هو التقدم باتجاه المزيد من الألم.
لقد زعمت الحضارات الغابرة أنها قامت على الحب والعدالة أما حضارتنا فهي قائمة على الكراهية,
ففي عالمنا لا مكان لعواطف غير الخوف و الغضب والإنتشاء بالنصر وإذلال الذات, واي شيء خلاف ذلك سندمره تدميراً..
إلى المستقبل أو الماضي ..
إلى الزمن الذي يكون فيه الفكر حراً طليقاً ..
إلى زمن يختلف فيه الأشخاص عن بعضهم البعض ..
ولا يعيش كل منهم في عزلة عن الآخر و إلى زمن تظل الحقيقة فيه قائمة ..
ولا يمكن لأحد أم يمحو ما ينتجه الآخرون ..
وإليكم ..
من هذا العصر الذي يعيش فيه الناس متشابهين ..
متناسخين ..
لا يختلف الواحد منهم عن الآخر . .
من عصر العزلة , من عصر الأخ الكبير ..
من عصر التفكير المزدوج , تحياتي !
شعر آنداك كأنه في عالم الأموات ..
وبدا له أنه في هذه اللحظة فقط ..
لحظة بات فيها قادرا على صياغة أفكاره ..
قد أتخذ الخطوة الحاسمة . إن عواقب كل عمل تكمن في العمل نفسه ..وكتب :
"إن جريمة الفكر لا تفضي إلى الموت , إنها الموت نفسه !
ما من شيء في هذا العالم يمكن أن يجبر البشر على أن يحبوا أقرانهم ،،
وأنه ما من قانون طبيعي يفرض على الإنسان بحب الإنسانية ،،
فإذا كان قد وجد ومايزال يوجد على هذه الأرض شيء من الحب ،،
فليس مردّ ذلك الى قانون طبيعي ،،
بل الى سبب واحد وهو اعتقاد البشر بأنهم خالدون ...
إن هذا الإعتقاد هو في الواقع الأساس الوحيد لكل قانون أخلاقي طبيعي ،،
فإذا فقدت الإنسانية هذا الإعتقاد بالخلود فسرعان ما ستغيض جميع ينابيع الحب ،،
بل وسرعان ما سيفقد البشر كل قدرة على مواصلة حياتهم في هذا العالم ...!!!!!
"... إننا اليوم لا نعرف حتى أين هي الحياة،،
وما هي،،
وما صفتها..
فيكفي أن نُترَك وشأننا،،
يكفي أن تُسحَب الكتب من بين أيدينا،،
حتى نرتبك فورا،،
وحتى تختلط علينا جميع الأمور،،
فإننا حتى لا ندري أين نسير،،
وكيف نتجه،،
وماذا يجب أن نحب وأن نكره..
وماذا يجب أن نحترم أو نحتقر..
حتى أنه ليشق علينا أن نكون بشرا،،
بشرا يملكون أجسادا هي لهم حقا،،
أجسادا تجري فيها دماء..
إننا نخجل أن نكون كذلك،،
ونعد هذا عارا،،
ونحلم في أن نصبح نوعا من كائنات مجردة،،
عامة..
نحن مخلوقات (ولدت ميتة)،،
ثم أننا قد أصبحنا منذ زمن طويل لا نولد من آباء أحياء،،
وهذا يرضينا ويعجبنا كثيرا..
إنه يلقى في نفوسنا هوى..
وقريبا سنجد السبيل إلى أن نولد رأسا من فكرة".
سنوقظك من
أجمل أحلامك في أول نومة ٍ لك
- قال آبائي-
سنزرع طفولتك مرة أخرى
ونرسلك
لمكان ٍ بعيدٍ
لا تحزن لوحدتنا
لا تفكر في معاناتنا
لقد منحناك الحياة
وسنتحمل ألم غيابك
في يقظة البشرية المفزعة
كن أضحيتنا
اثبتْ أننا أقوى
من الهزيمة ومن النصر
احترقْ من أجل بداية جديدة للعالم
يتعرف المرء فيها بيسر
على أملنا البريء
من أجل حياة بسيطة ونقية