مولده :
عمر بن الخطّاب هو الخليفة الثّاني ، وُلد بمكّة بعد مولد الرّسول صلوات الله عليه بثلاثة عشر عاماً .
خُلقُه قبل الإسلام :
كان رجلاً قوياًّ ، له هيبة و احترام في نفوس قريش جميعاً ، ذكيّاً صائبَ الرّأي ، يستشيرونه في أمورهم ، و يجعلونه حَكَماً عند اختلافهم .
وكان من أشدِّ النّاس إيذاءً للمسلمين قبل إسلامه ، شديد التّمسُّك بدين آبائه و أجداده ، عظيم الكُره للنّبيّ و أصحابه ، كثيرُ الأذى لهم .
سبب إسلامه[ هذه الرواية الأكثر تداولاً لكن لا رواية صحيحة لقصّة إسلامه ]:
علم عُمر في أحد الأيّام أنّ أخته فاطمة وزوجها سعياً قد اتّبعا دين محمّدٍ سرّاً ، فغضب عمر ، و أسرع إلى دارهما ، فسمع صوتاً داخل الدّار ، فوقف يستمع ، وكان عندهما خبّاب أحدُ أصحاب الرّسول صلّى الله عليه وسلّم ، يعلّمهما القرآن من صحيفةٍ معه .
طرق عمر الباب بشدّةٍ ، فخافوا و اضطربوا ، و اختفى خبّاب في ناحيةٍ من البيت ، وفتح سعيد الباب ، ودخل عُمر وهو غضبان ، وقال : ما هذا الكلام الّذي سمعته ؟ إنّه كلام غريب ؟
قال له سعيد : ما لي أراكَ غضبان يا عُمر ؟ خفّفْ من غضبك .
قال عُمر : كيف لا أغضب ، وق سمعت أنّكما صرتما من المسلمين ؟
وتقدّم إلى سعيد وخنقه حتّى كادت روحه تخرج من جسده ، فغضبت زوجته فاطمة وقال له : اتركه يا عُمر ؟ فهو حرٌّ في اختيار الدّين الّذي يريده ، فضربها ضربةً شقّت رأسها ، وسال دمها غزيراً .
تأثّر عُمر من منظر الدّم يسيل من رأس أخته ، فاقترب منها ، و أخذ يمسح دماءها ويلاطفها ، ويطلب منها أن تمتنع عن البكاء . ثمّ وجد معها الصّحيفة ، فمدّ يده ليأخذها ، فأخفتها في جيبها ، ولم ترضَ أن تعطيه إيّاها ، فحلف لها أن يردّها إليها سليمةً ، فقالت له : هذا قرآن ، لا يمسّه إلاّ المطهّرون ، فأخذها منها بشدّة ، ونشرها بين يديه ، وأخذ يقرأ :
طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى (3)تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى (4(الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (6(
فلما فرغ عُمر من قراءتها هدأت نفسه ، و اطمأنّ قلبه ، وانشرح صدره ، وقال : ما أجمل هذا الكلام وما أحلاه ، إنّه حقّاً كلام ربِّ العالمين !
فقالت أخته : أسلم يا عُمر ؟ فقال : أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً رسول الله .
وفي هذه اللّحظة خرج خبّاب من مخبئه ، وقال : أبشرْ يا عُمر .. فإنّي سمعتُ من رسول الله أنّ الإسلام سيعتزُّ بك .
وخرج عُمر مسرعاً إلى الدّار الّتي يقيم فيها النّبيّ و أصحابه ، فلّما رآه الرّسول شدّه من ثوبه ، وقال له : أما تنتهي يا عُمر ؟ فأجاب عُمر قائلاً : أشهد أنْ لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمّداً رسول الله .
فقال الحاضرون بصوتٍ عالٍ : الله أكبر! وفرحوا فرحاً شديداً بإسلامه .
العبرة من القصّة :
تركُ الباطل و الرّجوع إلى الحقِّ فضيلة من أعظم الفضائل ، كما رجع سيّدنا عُمر إلى الإسلام بعد أن كان من أكبر أعدائه .
فتوحاته و غزواته :
في عهد خلافة عُمر انتصر العرب على الفرس ، واستولوا على بلادهم ، كما انتصروا على الرّومان ، وأخذوا منهم الشّام وسوريا ومصر ، فأصبحت الدّولة الإسلاميّة في عهده ، بذلك أعظم دولةٍ في العالم .
شجاعته في هجرته :
لمّا اشتدّ الأذى بالمسلمين في مكّة ، أخذوا يهاجرون إلى المدينة سراًّ ، ولمّا أراد عُمر الهجرة ، حمل سيفه وسهمه وذهب إلى الكعبة ، ومرَّ بزعماء قريش وخاطبهم قائلاً : من أراد أن تفقده أمّه وزوجته وأولاده ، فليخرج ورائي ، فلم يستطع أحدٌ منهم أن يتبعه .
تفقده شئون رعيّته :
بينما عُمر وخادمه ليلاً ، إذ سمعا كلاماً في دارٍ ، فأصغى إليه ، فوجد امرأةً تقول لأولادها : لقد اقترب الصّباح ، فاخلطي اللّبن بالماء ، وحضّريه للبيع .
فقالت إحدى بناتها : إنّ أمير المؤمنين أرسل منادياً بالمدينة ينهانا عن غشّ اللّبن بالماء . فقال أمّها : و أين عُمر الآن ، أو منادي عُمر ؟ إنّه لا يرانا أحد .
فقالت الفتاة : ولكنّ الله يرانا والله لا أعمل عملاً لا يُرضي أمير المؤمنين ، كيف أطيعه ظاهراً ، و أعصيه سرّاً ؟
فالتفت عُمر إلى خادمه ، وقال له : هل سمعت ؟ قال : نعم .
قال عُمر : اعرف البيت ، ففي الغدِ أرسلكَ إليه ، إنّ هذه الفتاة الطيّبة تصلح أن تكون زوجةً لولدي عاصم ، و أظنّه يرضى بها ، ويكون معها من السّعداء .
سبب وفاته :
تقدّم أبو لؤلؤة الفارسيّ إلى عُمر ، وقال له : يا أمير المؤمنين إنّ سيّدي المغيرة بن شعبة قد فرض عليَّ أن أعطيه كلّ يومٍ درهمين ، ألا يكفيه درهم واحد ؟
قال عُمر : وما صنعتك ؟
فقال : حدّاد ونقّاش ونجّار .
فقال عُمر : بيدك ثلاث صناعاتٍ تربح منها ، فليس كثيراً ما فرضه عليك سيّدك .
فخرج أبو لؤلؤة من عنده ، وهو غضبان ، وحلف في نفسه أن ينتقم من عُمر .. واشترى خنجراً ذا حدّين ، وجاء إلى عُمر ، وهو يصلّي بالمسلمين صلاة الفجر ، فطعنه ثلاث طعناتٍ بالخنجر ثمَّ طعن جماعة المسلمين الّذين كانوا يصلّون وراء عُمر ، و أراد الهرب فقبضوا عليه ، و لكنّه طعن نفسه .
و اغمي على عُمر ، فحملوه إلى البيت ، والدّم يسيل من جُرحه ، ولمّا أفاق ، سأل عن قاتله ، أهو مسلم ، فأخبروه أنّه عبدٌ كافر من أهل فارس ، فقال : الحمد لله ، ما ظننتُ مسلماً يقتلني .
ثمّ نادى ابنه عبد الله وطلب منه أن يذهب إلى عائشة أمّ المؤمنين يستأذنها في أن يدفن مع صاحبيه ، فأذنتْ وظهر السّرور على وجه عُمر ، ثمّ صعدتْ روحه إلى الحيِّ الّذي لا يموت ، بعد أن قضى عُمره في خدمة المسلمين وإعزاز شأن الدّين .
العبرة من القصّة :
[COLOR=[black]الرّاعي الصالح هو الّذي يتفقد دائماً شئون رعيّته باللّيل والنّهار ، فلا يهدا باله ، ولا يطمئن قلبه ، حتّى يرى النّاس في أمنٍ وراحةٍ ويُسرٍ ، لا فرقَ في ذلك بين غنّيهم و فقيرهم ، و قريبهم و بعيدهم .[/COLOR]