خلاصة تفسير الفاتحة :
قد اشتملت هذه السورة الكريمة على حمد الله ، وتمجيده ، والثناء عليه بذكر أسمائه الحسنى المستلزمة لصفاته العلى وعلى ذكر المعاد وهو يوم الدين وعلى إرشاد عباده إلى سؤاله والتضرع إليه ، والتبرؤ من حولهم وقوتهم إلى إخلاص العبادة له وتوحيده ، توحيد الألوهية ( المستحق له وحده) تبارك وتعالى ، وتنزيهه أن يكون له شريك أو نظير أو مماثل .
والى سؤالهم إياه الهداية إلى الصراط المستقيم وهو الدين القويم وتثبيتهم عليه حتى يقضي لهم بذلك إلى جواز الصراط الحسي يوم القيامة ، المفضي إلى جنات النعيم في جوار النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، واشتملت على الترغيب في الأعمال الصالحة ليكونوا مع أهلها يوم القيامة ، وعلى الترهيب والتحذير من مسالك الباطل لئلا يُحشروا مع سالكيها يوم القيامة وهم المغضوب عليهم والضالون .
وما أحسن ما جاء في إسناد الإنعام إليه سبحانه في قوله تعالى : {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ} وحذف الفاعل في الغضب في قوله تعالى : غير {غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ} .
مفهوم الهداية والإضلال :
1- لا شك ولا ريب أن الهداية والإضلال من الله تعالى ، ولكن ليس هناك من شيء إلا وله سبب ، فلما كان العناد والكفر حاصلين من قبل المشركين والكفار بعد بيان الحجة وقيامها عليهم، كان من المناسب أن يعاقبهم الله على عنادهم وكفرهم من جنس العمل، فعاقبهم بأن مدهم في الضلال كما في قوله تعالى : {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} .
{وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}
فكان جزءً وفاقاً .
2- أما المؤمنون فإنه لما أصغوا إلى الحق وأخلصوا النية بالفهم والتعقل وآمنوا كان من المناسب أن يكافئهم من جنس العمل فيسر لهم طريق الهداية ومدهم بزيادة من الفهم والعقل والإيمان ، كما في قوله تعالى : {فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} .
فكان ذلك جزاءً وفاقاً .
3- ومما هو معلوم أن الهداية والإضلال من الله خلق ، فهو الذي هدى المؤمنين بسبب استجابتهم للإيمان ، وأضل الكافرين بسبب عنادهم وإعراضهم ، فكان كما قلنا جزاءً وفاقاً ، وهذا هو الذي رمى إليه المؤلف (ابن كثير) رحمه الله بقوله : (لا كما تقول الفرقة القدرية ومن حذا حذوهم أن العباد هم الذين يختارون ذلك ويفعلونه) أي الضلال ، والهدى ، لأن الهادي والمُضل هو الله تعالى ، ولكن العباد يهيئون الأسباب وهذه الأسباب هي التفهم والعمل من المؤمنين ، والعناد والإعراض من الكافرين ، وهذه أفعال اختيارية محضة والاختيار عليه مدار الثواب والعقاب ، أما الهداية نفسها ، والإضلال نفسه ، فَهُمَا قطعاً من الله تعالى ولو أن الهداية من نفس المؤمن ومختار فيها لما طلبها منه تعالى بقوله : {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} .
وقوله : {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا}
والله سبحانه وتعالى أعلم وهو الموفق للصواب .
137