اِجتمَع الجميعُ ليلَتها في سهرةٍ عائليّةٍ كما يسمُّونها عادة، فأخرجَ فجأةً أحدُ أفرادِ العائلة كومةً من الصُّورِ القديمة، والتي يتجاوزُ عُمر بعضهَا عشرين عامًا.
تدَاولتِ الأيدِي الصُّور بلهفةٍ لترتفعَ الضّحكات بين الحين والآخر نتيجة اِلتقاء الأعين بذكريات طريفة ترسمها تلك الصّور، إلى أن استقرّت الصُّور المتداولة بين كفَّيْها،
ظلّت تستمتع بمشاهدتهَا في صمت الواحدة تلو الأخرى، هذه فلانة وذاك فلان، كم يبدو مظهرهم مضحكًا وهم صغار! يا لجمالِ الطّفولة؛ لكن مهلًا!
كومةُ صورٍ كاملة قد يتجاوز عددها الخمسين صورة، الكلّ حاضرٌ فيها، مهما اختلفت المناسبات وتباينت الذّكريات، لكن أين هي؟ وأين عائلتها الصغيرة من كل هذا؟
بحثَت بين الصُّورِ طويلًا حتى خلف الوجوه الرئيسية والبارزة في كلّ صورة، لربّما يظهر وجهها الصغير خلف وجوههم المبتسمة للكاميرا، لكن لا أمل.
لم تكُن يومًا هي وعائلتها جزءًا من هذه الأسرة؛ ولن تكون، فقط خيطٌ رفيع وهزيل لا يزال يشدّ الأطراف المتنافرة لبعضها بجهد عظيم، إنه اللقب!
لقبٌ تافهٌ فرضَ نفسهُ خلفَ اسمِ كلِّ واحدٍ منهم ليربط الأسماء ببعضها، لكنّه فشِل في ربط واحتواء القُلوب، ما جعل الجميع يدركون أنّه مجرّد رابطٍ وهميّ لا غير.
ابتسمَت بمرارة وهي تعيد الصّور لمكانها، لتزداد المرارة اتساعا -فتصل إلى حلقها لتتجرعها- حين اكتشفت أنه من بين الصور توجد صورة تحتفظ بوجهها الصغير.
هناك على طرف صورة؛ صغيرة ترقص ببلاهة دون أن تبتسم للكاميرا، لا تعلم أنّ الصورة لم تُلتقط من أجلها، أو ربّما هي لا تعلم من الأساس أنّ هنالك صورة
التُقطت في تلك الأثناء، لأنّها لم تكن من أهلِ تلك الصورة بل كانت مجرّد ديكورٍ تافه تم التقاطه بالخطأ، كم كنتِ غبيّةً يا صغيرة! تلك المواقف البائسة، والنّظرات الشّرسة،
والمعاملة السيّئة ،ووجهكِ الظاهر عند طرف صورة بالية، ألم يكشفِ لكِ ذلك شيئًا؟ تلك المرارة التي عاشت بحلقكِ طوال تلك السّنوات ألم تسألي نفسكِ عن سببها؟
لكن ها أنتِ اليَوم تكتشفين أن الذئب عندما يظهر أنيابه فهو لا يبتسم، وها أنتِ اليوم تكشفين حقيقة كلّ كفٍّ صفعت قلبكِ حينها،
وكل نفسٍ آذت روحك يومها، بتِّ حتى تفهمين العيون ولغاتها، استيقظتِ ربّما متأخّرة يا عزيزتي، لكن ..!
تلك الرقصة البلهاء جميل أنّ الحقائق المرّة لم تشوّه جمالها حينها.
~لؤلؤة قسنطينة~