- إنضم
- 20 ديسمبر 2014
- المشاركات
- 515
- نقاط التفاعل
- 653
- النقاط
- 31
- الجنس
- ذكر
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً (الأحزاب: 70-71)
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (النساء: 1 ).
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (آل عمران: 102 )
أما بعد:
فإننا نفتتح فِي هذهِ الليلة إن شاء الله ليلة لجمعة الموافقة (23) من شهر ربيع الأول لعام 1411هـ نفتتح درسا في العقيدة الإسلامية على منهج الأنبياء عليهم الصلاة والسلام الذي سار عليه سلفنا الصالح .
مادة العقيدة تسمى توحيداً وتسمَّى عقيدةً ، العقيدة لَهَا مَعْنَىً لُغَوِيٌ وَمَعْنَىً اصطلاحي الذي اصطلح عليه المسلمون الأولون بعد أن عُرِفَتْ هذه المادة منفصلة ومستقلة بينما كانت تُدْرَسُ فِي كتاب الله تعالى وفي سنة رسوله عليه الصلاة والسلام .
أريد أن أقول إن سلفنا الصالح ليس لديهم كتباً تُسَمَّى كتبَ العقيدة أو كتب التوحيد بل كانوا يأخذون توحيدهم وعقيدتهم من كتاب الله مشروحاً بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ ولكن السلف الذين حضروا زمن الأهواء وزمن الفتن بعد أن نشأ علم الكلام اضطروا اضطراراً أن يؤلفوا كتباً في العقيدة وفي التوحيد وهي عبارة عن الدفاع ضد هجوم علماء الكلام من الفلاسفة وعلماء المنطق اليونانيين ، عُرِفَتْ العقيدة بعد ذلك بكتب العقيدة مادةً علميةً مستقلةً تسمى العقيدة وتسمى التوحيد.
وأمَّا الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ العقيدة مأخوذة من العَقْدِ ، العَقْدُ هُوَ الرَّبْطُ والتوثيق ، يستعمل العقد أول ما يستعمل في الأمور الحسية كعقد الحبال والخيوط ثم اسْتُعْمِلَ في الأمور المعنوية كعقد النكاح وعقد البيع وعقود العهود وغير ذلك ، العقد كما قلنا ضد الحل هذا هو المعنى اللغوي ، والمعنى الاصطلاحي أُخِذَ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى بمعنى أن العقيدة هي التصميم الجازم الذي لا يتطرق إليه شك في المطالب الإلهية وفي النبوات والأمور الغيبية المراد بالمطالب الإلهية ما يتعلق بالرب سبحانه وتعالى بذاته وأسمائه وأفعاله يشمل التوحيد الخبري وتوحيد القصد والطلب والعمل كل ذلك من المطالب الإلهية ويدخل في المطالب الإلهية الإيمان بالملائكة والمراد بالنبوات الإيمان بنبوة الأنبياء وتصديقهم والإيمان بمعجزاتهم ثم الأمور الغيبية كالبعث بعد الموت وما يتبع ذلك حتى يدخل العبد إحدى الدارين كالجنة أو النار أو حتى يدخل بعضهم الجنة وبعضهم النار ، هذا يسمى من الأمور الغيبية ، العقيدة تشمل كل هذا وهناك جزئيات سوف نتعرض لها أثناء الدرس وهذه العقيدة تسمى توحيداً بِاعتبارٍ آخرٍ وبعبارة أخرى التوحيد عندنا يُخَالف التوحيد عند غيرنا لأننا كما قلنا ننهج منهج السلف ومنهج السلف هو منهج الأنبياء لذلك نحن نقسم التوحيد إلى ثلاثة أقسام :
* توحيد الله تعالى بأفعال نفسه بأن نعتقد بأن الله وحده هو الخالق الرازق الْمُعطي المانع النافع الضار مدبر الأمور الذي يدبر الأمر من السماء إلى الأرض هذا المعنى يسمى توحيد الربوبية إفراد الله تعالى بأفعال نفسه يسمى توحيد الربوبية.
* وأما إفراد الله تعالى بأفعال عباده بالدعاء بالاستغاثة بالذبح والنذر والخضوع والتذلل والصلاة والصيام وغير ذلك هذا يسمى توحيد العبادة.
* وأما إفراد الله تعالى فِي أسمائه وصفاته بأن نثبت له جميع صفات الرب سبحانه وتعالى التي أثبتها لنفسه أو التي أثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم هذا يسمى توحيد الأسماء والصفات ، ومعنى التوحيد هنا بأنه لا يشارك اللهَ أحدٌ مِنْ خَلْقِهِ فِي حقائق صفاته وحقائق أسمائه وأفعاله وإن كان قد يحصل الاشتراك اللفظي بين الخالق وبين المخلوق في بعض الصفات والأسماء كالقدرة والإرادة والسمع والبصر والعلم وغير ذلك ؛ ولكن الحقائق تختلف سيأتي توضيح ذلك في كل الدرس إن شاء الله ، هكذا خُتِمَ التوحيد.
وَلِسَائِلٍ أن يسأل : مِنْ أينَ لنا هذا التقديم وما دليل هذا التقديم؟؟
الجواب : دليل هذا التقديم يسمى الاستقراء ومعنى الاستقراء تتبعنا نصوص الكتاب والسنة فوجدناها بالنسبة للمطالب الإلهية تنقسم هذه الأقسام الثلاثة:
*نصوص تدعوا العباد لأن يوحدوا الله ولا يشركوا به شيئا ، والنصوص التي تأتي في هذا المعنى يؤخذ منه توحيدٌ سَمَيْنَاهُ توحيد العبادة.
*ونصوص تخبر بأن الله وحده هو خالق كل شيء وهو مدبر الأمور وهو المعطي المانع وهو النافع الضار ، ما كان من هذا القبيل يسمى توحيد الربوبية وهناك نصوصا تَصِفُ الله بأنه سميع عليم وأنه سميع بصير عزيز حكيم وغير ذلك من الأسماء والصفات هذا النوع يسمى توحيد الأسماء والصفات.
إذن لم نخرج من الكتاب والسنة في تقسيمنا التوحيد إلى ثلاثة أقسام ، لذلك لا يَرِدْ قول الْمُعْتَرِض بأن تقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام تقسيم جديد لا أصل له ، الجواب ما سمعت.
إن هذا التقسيم تقسيم استقرائي والدليل الاستقرائي مُسَلَّمٌ به عند أهل العلم والمعرفة وأكثر من يبحث في هذا النوع من الدليل علماء الأصول هكذا يتضح سر تقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام .
إذا عرفنا معنى التوحيد ومعنى العقيدة ما هو الهدف من دراسة العقيدة؟؟ وما هو الهدف من دراسة التوحيد؟؟
الهدف من ذلك معرفة العبد ربه وخالقه وَوَلِيَ نعمته ، بِمَ يعرف العبد ربه هل يراه؟ فالله سبحانه وتعالى لا يُرَى في هذه الدنيا ، في هذه الدار لا يُرى بِمَعْنَى إن الرؤية غير مستحيلة ولكنها غير واقعة لم تقع ولن تقع لأن القوة البشرية لا تثبت أمام تجلي الرب سبحانه وتعالى في هذه الدار هكذا أراد الله ، لذلك لَمَّا طَلَبَ موسى أن يرى ربه علق تلك الرؤية على أن ينظر إلى الجبل فإن استقرَ مكانه ولم يتدكدك سوف يراه وإن لم يثبت الجبل فعدم ثبوت موسى من باب أَوْلَى وَلَمْ يثبت الجبل أمام التجلي ، من هنا تَبَيَّنَ لِمُوسَى ، وإن كانت الرؤية غير مستحيلة وجائزة عقلاً وشرعاً ولكنها غير واقعة فِي هذه الدنيا لعارض وذلك العارض ضعف القوة البشرية في هذه الدار ، واستسلم موسى لذلك ، وفي ليلة الإسراء والمعراج عندما نزل النبي صلى الله عليه وسلم وعاد من تلك الرحلة "الطويلة القصيرة" الطويلة من حيث المسافة والقصيرة من حيث عودة النبي صلى الله عليه وسلم في نفس الليلة إلى مكة فَوْرَ عودته من الرحلة الطويلة سُئِلَ النبيُّ عليه الصلاة والسلام هل رأيت ربك؟ قال نور أنى أراه حجابه النور ، إذن على أصح القولين لم ير النبي صلى الله عليه وسلم ربه في تلك الليلة بعين رأسه وإن رآه بقلبه بل أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في آخر قصة المسيح الدجال إنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا ، فاعلموا بأنكم لن ترون ربكم حتى تموتوا بـ"لن" لن التي يقول فيها بعض علماء اللغة إنها تفيد التأبيد وأما في الآخرة فيرى العباد ربهم مرتين:
المرة الأولى في عرصات القيامة هذه الرؤية يختلف فيها أهل العلم هل هي خاصة بالمؤمنين أو يراه الكفار والمنافقون ثم يحتجب رب العالمين تأديبا لهم وتوبيخا لهم وإهانة لهم هذا رأي ، والرأي الثاني إنهم لن يروه.
وأما المرة الثانية في دار الكرامة في الجنة تلك رؤية خاصة بأولياء الله بالمؤمنين ، المؤمنون سوف يرون ربهم كما يرون القمر ليلة البدر وكما يرون الشمس ليس دونها سحاب رؤية حقيقية لا يضامون فيها ولا يتضررون من الزحام ، كلٌّ يَرْفَعُ رأسه من فوقه فَيَرَى رَبَّه من فوقه ، فالله سبحانه وتعالى يسلم عليهم من فوقهم ويتجلى لهم فيخاطبهم سَلَامٌ قَوْلاً مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ (يس : 58 ) هكذا في تلك الدار.
وبعد،،،
إذا كنا لا نرى ربنا في هذه الدار بما نعرف ربنا؟؟ نعرف الله سبحانه وتعالى بآياته التي تكاد أن تنطق ، بآياته الكونية ، الكون برمته آية على وجود الرب سبحانه وتعالى
وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد
قبل أن نؤمن بوحدانيته وقدرته وعلمه فلنؤمن بوجوده ، وجودك أنت دليل على وجود الله ، إذا كنت لا تشك في وجودك وهل احد يسك في وجود نفسه؟؟!! لا يجوز عقلا وشرعا أن يشك بوجود الرب سبحانه أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (الطور : 35 ) مِنْ أين جئت أنت؟ هل خلقت نفسك؟ مستحيل ، هل خُلِقْتَ مِنْ غَيْرِ خالق؟؟ مستحيل ، القسمة الثالثة لك خالق وذلك الخالق مُخَالِفٌ لَكَ فِي كل شيء خالق قادر على كل شيء بدليل إبداعه في هذا الكون ، هذا الإبداع على غير مثال سابق وهو بديع السماوات والأرض وهذا الإبداع أول ما يدل على وجود الرب سبحانه وتعالى وثانيا يدل على قدرته الباهرة.
إذن الخالق ليس كالمخلوق مُخَالِفٌ للمخلوق فِي حقيقة ذاته وكُنْهِ ذاته ولكنه لا يعلم كيف هو إلا هو ، وَيُخَالِفُ المخلوق فِي قدرته لأن قدرة المخلوق قدرة حادثة وُجِدَتْ بعد أنْ لَمْ تكن ، الله الذي منحك هذه القدرة يجب أن تعلم أنه يتصف بقدرة أقوى من قدرتك لأنه هو الذي منحك هذه القدرة.
إذن هذا الإبداع وهذا الإيجاد وكونه فاطر السماوات والأرض دَلًّ على وجود الرب سبحانه وتعالى وجوداً حقيقياً بحيث لا يجوز عقلاً وشرعاً وفطرةً أن يشكَ أحدٌ فِي وجود الرب إلا إذا كان يشك في وجود نفسه ، الله موجود لأنك موجود ، لأنك آية لأنك علامة دالة على وجود الرب سبحانه وتعالى .
ثم إنه قادر على كل شيء وخالق كل شيء دَلَّ ذلك على قدرته الظاهرة ودل التخصيص على إرادته وعلمه المحيط بكل شيء ، معنى التخصيص أن يخص كل شيء وكل فرد على صفة وعلى حالة معينة "زيد عالم وعمرو جاهل" "بكر غني وخالد فقير" وهكذا هذا التخصيص تخصيص العباد كلٌّ بصفة وبحالة هذا التخصيص دليل الإرادة ودليل العلم ، علمه محيط بكل شيء ، إذن نستدل بوجودنا وبصفاتنا وبِخَلْقِ الرب سبحانه وتعالى وصُنْعِهِ عَلَى وجود الرب سبحانه وتعالى وعلى أنه موصوف بصفات الكمال ، فصفات الرب كلها صفات كمال ، هكذا نؤمن بالرب سبحانه وتعالى.
والمادة التي سوف ندرسها تهدف إلى تعريف العباد رَبَّهُم هذا التعريف ثم تَهدف المادة إلى أن يعرف العباد حق الله على العباد وحق العباد على الله وحقوق رسول الله عليه الصلاة والسلام وحقوق الصالحين لئلا نخلط بين الحقوق كما هو واقع كثير من الناس.
حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً هذا الحق الذي اهتم به النبي عليه الصلاة والسلام ذلكم الاهتمام حيث وَجَّهَ السؤال إلى صحابي "يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد؟؟" هذا التعليل إنما ورد بهذه الصيغة ليثير النبي صلى الله عليه وسلم انتباه ذلك الصحابي لما يقول ولِمَا يُلْقَى إليه وذلك دليل على أهمية هذا الحق قال الصحابي:"الله ورسوله أعلم" ثم بَيَّنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم حَقُّ اللهِ عَلَى عِبَادِه أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ، هذا حَقٌّ لَازِمٌ ، مَنْ ضَيَّعَ هَذا الحق أو صرف هذا الحق لغير الله فهو ظالم الظلم الأكبر "الشرك بالله" "وهل تدري ما حق العباد على الله ؟؟"حق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئا ولكنه حق تفضل وإحسان ورحمة من الله .
العباد لا يوجبون على الله حقا وحق العباد على الله ليس بحق لازم بل حق تَفَضُّلٍ وإحسان ، هكذا اهتم النبي عليه الصلاة والسلام ووجه السؤال بكل عناية إلى ذلكم الصحابي ، ومادتنا هذه تهدف إلى تعريف العباد هذا الحق والتفريق بين الْحَقَّيْن بين حق العباد على الله وحق الله على العباد .
وأما حقوق رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُصَدَّقَ وَلَا يُكَذَّب ، رسولٌ يَجِبُ أنْ يُصَدَّقَ وَلَا يُكَذَّب ويطاع ولا يُعصى ولكنه عبد لا يُعْبَد - هذه النقطة المهمة - عَبْدٌ لَا يُعْبَدُ ، عَبْدُ اللهِ ورسوله لكونه رسول الله يجب أن يُطَاعَ وَيَجِبُ أن يصدق وَيَجِبُ ألا يُعْبَدُ الله إلا بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عبد حقق مقام العبودية ما لم يحققه غيره لذلك لا يُعْبَد لا يُدْعا ولا يُسْتَغاث به ولا يُذْبَحُ له ولا يُنذر له ولا يُتَقرب إليه بأي نوع من أنواع العبادة وذلك يتنافى مع هدف رسالته الرسالة التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم تهدف إلى إفراد الله تعالى بالعبادة وحده ، لا أحد يستحق العبادة معه لا ملك مقرب ولا نَبِي مُرْسَل ولا عبد صالح هذه الحقوق يَجِبُ أَنْ تُعْرَفَ ويجب أن توضع مواضعها .
وأما عباد الله الصالحون وهم أولياء الله هم جميع المؤمنين لهم حقوق من حقوق عباد الله الصالحين على بعضهم ألا يؤذي بعضهم بعضا "من عادى لِي وليا فقد آذنته بالحرب" إياك أن تؤذي عباد الله وعليك أن تحبهم في الله وإذا أحببتهم في الله ولله تخبرهم من السنة أنك تحبهم في الله تحبه في الله ، تحبه في الله ولا تحبه مع الله .
ولعلنا نفرق بَيْنَ الحب في الله والحب مع الله محبة الأولياء في الله ولأجل لله ولكونهم عباد الله الصالحين وأوليائه المقربين العاملين بكتابه وبِهَدْيِ نبيه عليه الصلاة والسلام شعبة من شُعَبِ الإيمان ، وأما محبة الصالحين مع الله بحيث تجعلهم شركاء لله ترجوهم كما ترجوا رب العالمين وتدعوهم مع الله أو مِنْ دُون الله أوتتقرب إليهم بالقربات هذا من نوع الشرك الأكبر ، فَرِّقْ بَيْنَ الْمَحَبَّتَيْنِ بينهما بون شاسع.
المحبة الأولى عبادة عظيمة وقربة
المحبة الثانية شرك بالله
هذه المعاني من المعاني التي تهدف إليها مادتنا التي نريد أن ندرسها
إذن التوحيد الذي نريد أن ندرسه والعقيدة التي نريد أن ندرسها هذا موضوعها ما ذكرناه الآن موضوع عقيدتنا وتوحيدنا وهو توحيد الأنبياء توحيد على منهج الأنبياء وأنبياء الله توحيدهم واحد دعوتهم واحدة كلهم دعوا إلى إفراد الله تعالى بالعبادة
وبعد ،،،
بعد أن دخل علم الكلام في الْمَيْدان وَكَثُرَةِ الأهواء ألف علماء أهل السنة والجماعة كتبا في هذا التوحيد وفي هذه العقيدة ومن الكتب التي أُلِّفَتْ في هذه العقيدة رسالة صغيرة تسمى العقيدة الواسطية هذا الكتيب عبارة عن جواب كتبه شيخ الإسلام ابن تيمية جوابً على رسالة وردته من "واسط" بالشام يسألون في رسالتهم عن عقيدة أهل السنة والجماعة فأجاب الشيخ على السؤال بهذا الكتاب وهذا شأن أكثر رسائل شيخ الإسلام "الفتوى الحموية" جواب لرسالة وردته من "حماة" و"الرسالة التدمرية" كذلك ، وهذه الواسطية ثم إن هذه الرسالة التي نحن بصددها شرحها عالم أزهري سلفي ، عالم تخرج من الأزهر وتخصص في الفلسفة والمنطق وكان يعادي شيخ الإسلام عداء كما كان يعادي عمر رضي الله عنه الإسلامَ فِي أول الأمر كان الشيخ محمد خليل هراس الذي شرح هذه الرسالة يعادي ابن تيمية عداءً لِمَا يسمع منه أنه عدوٌ للفلسفة والمنطق ومحمد خليل هراس متخصص في الفلسفة والمنطق لذلك أراد كما أشار إليه بعض الناس أن يكتب رسالة الدكتوراه رداً على شيخ الإسلام ابن تيمية الذي يعادي الفلسفة والمنطق وعلم الكلام ويقول الشيخ محمد خليل هراس: كان أستاذاً لنا روى لنا هذه الرواية شفهية مباشرة ، يقول جمع له ما وقعت عليه يده من كتب شيخ الإسلام في القاهرة ليدرسها ثم يَرُدُّ عَلَى شَيْخِ الإسلام فعكف على دراسة هذه الكتب نحو ثلاثة أشهر فيقول الشيخ محمد خليل هراس الذي شرح الواسطية بعد أن درس ما تيسر له دراسته من كتب شيخ الإسلام في هذه الفترة تَبَيَّنَ له أنه لم يفهم الإسلام بَعْدُ إلا بعد دراسة هذه الكتب ذلك العمر الطويل فاتك كثيراً بِدَءً مِنَ المرحلة الابتدائية ثُمَّ المتوسطة ثم الثانوية ثم الجامعية إلى أن وصل إلى درجة كتابة رسالة الدكتوراه تبين له أنه لم يفهم الإسلام بالمفهوم الصحيح قبل دراسة هذه الكتب ، هكذا هدى الله رجلاً كان يريد أن يحارب شيخ الإسلام فكتب رسالته في الدكتوراه تحت عنوان "ابن تيمية السلفي" هذا عنوان رسالته بعد أَنْ مَنَّ اللهُ عليهِ بِالْهِدَاية ، هذا هو محمد خليل هراس الذي شرح العقيدة الواسطية.
أما ترجمة شيخ الإسلام فلسنا بحاجة إليها لأنه معروف لدى الجميع وترجم له غير واحد وعلى طلاب العلم أن يدرسوا تراجم علمائنا وأئمتنا كالأئمة الأربعة وابن تيمية وابن القيم وغيرهم من الذين ينهجون منهج السلف حتى يكونوا على بصيرة وحتى لا يشوش عليهم بعض المغرضين بأن يقولوا لهم هذه العقيدة التي تدرسونها عقيدة جديدة .
وفي الواقع القائلون بأن منهج السلف وهذه العقيدة التي ندرسها أنها عقيدة جديدة هذه مغالطة ، ما هم عليه هو الجديد أما بيان ذلك العقيدة التي ندرسها هي العقيدة التي كان عليها الصحابة والتابعون وتابعو التابعين من ذلكم الأئمة الأربعة وهذه العقيدة التي يدرسها الخلف وأتباع الخلف التي تسمى العقيدة الأشعرية متى عُرِفَتْ؟ عُرِفَتْ في العهد العباسي وقبل العهد العباسي على أي عقيدة كان المسلمون؟؟ الصحابة وخلفاء الأُمويين وخلفاء العباسيين إلى عهد المأمون العباسي الخليفة السابع قبل ذلك لا يعرفون هذه العقيدة التي تسمى الآن العقيدة الأشعرية .
إذن ما عليه القوم سواء كانوا أشعريين أو ماتريديين أو معتزلة عقيدة مُحْدَثَة لا أصل لها ولا يعرفها سلف هذه الأمة
وكل خير في إتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف .
شيخ محمد أمان الجامي رحمه الله
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً (الأحزاب: 70-71)
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (النساء: 1 ).
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (آل عمران: 102 )
أما بعد:
فإننا نفتتح فِي هذهِ الليلة إن شاء الله ليلة لجمعة الموافقة (23) من شهر ربيع الأول لعام 1411هـ نفتتح درسا في العقيدة الإسلامية على منهج الأنبياء عليهم الصلاة والسلام الذي سار عليه سلفنا الصالح .
مادة العقيدة تسمى توحيداً وتسمَّى عقيدةً ، العقيدة لَهَا مَعْنَىً لُغَوِيٌ وَمَعْنَىً اصطلاحي الذي اصطلح عليه المسلمون الأولون بعد أن عُرِفَتْ هذه المادة منفصلة ومستقلة بينما كانت تُدْرَسُ فِي كتاب الله تعالى وفي سنة رسوله عليه الصلاة والسلام .
أريد أن أقول إن سلفنا الصالح ليس لديهم كتباً تُسَمَّى كتبَ العقيدة أو كتب التوحيد بل كانوا يأخذون توحيدهم وعقيدتهم من كتاب الله مشروحاً بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ ولكن السلف الذين حضروا زمن الأهواء وزمن الفتن بعد أن نشأ علم الكلام اضطروا اضطراراً أن يؤلفوا كتباً في العقيدة وفي التوحيد وهي عبارة عن الدفاع ضد هجوم علماء الكلام من الفلاسفة وعلماء المنطق اليونانيين ، عُرِفَتْ العقيدة بعد ذلك بكتب العقيدة مادةً علميةً مستقلةً تسمى العقيدة وتسمى التوحيد.
وأمَّا الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ العقيدة مأخوذة من العَقْدِ ، العَقْدُ هُوَ الرَّبْطُ والتوثيق ، يستعمل العقد أول ما يستعمل في الأمور الحسية كعقد الحبال والخيوط ثم اسْتُعْمِلَ في الأمور المعنوية كعقد النكاح وعقد البيع وعقود العهود وغير ذلك ، العقد كما قلنا ضد الحل هذا هو المعنى اللغوي ، والمعنى الاصطلاحي أُخِذَ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى بمعنى أن العقيدة هي التصميم الجازم الذي لا يتطرق إليه شك في المطالب الإلهية وفي النبوات والأمور الغيبية المراد بالمطالب الإلهية ما يتعلق بالرب سبحانه وتعالى بذاته وأسمائه وأفعاله يشمل التوحيد الخبري وتوحيد القصد والطلب والعمل كل ذلك من المطالب الإلهية ويدخل في المطالب الإلهية الإيمان بالملائكة والمراد بالنبوات الإيمان بنبوة الأنبياء وتصديقهم والإيمان بمعجزاتهم ثم الأمور الغيبية كالبعث بعد الموت وما يتبع ذلك حتى يدخل العبد إحدى الدارين كالجنة أو النار أو حتى يدخل بعضهم الجنة وبعضهم النار ، هذا يسمى من الأمور الغيبية ، العقيدة تشمل كل هذا وهناك جزئيات سوف نتعرض لها أثناء الدرس وهذه العقيدة تسمى توحيداً بِاعتبارٍ آخرٍ وبعبارة أخرى التوحيد عندنا يُخَالف التوحيد عند غيرنا لأننا كما قلنا ننهج منهج السلف ومنهج السلف هو منهج الأنبياء لذلك نحن نقسم التوحيد إلى ثلاثة أقسام :
* توحيد الله تعالى بأفعال نفسه بأن نعتقد بأن الله وحده هو الخالق الرازق الْمُعطي المانع النافع الضار مدبر الأمور الذي يدبر الأمر من السماء إلى الأرض هذا المعنى يسمى توحيد الربوبية إفراد الله تعالى بأفعال نفسه يسمى توحيد الربوبية.
* وأما إفراد الله تعالى بأفعال عباده بالدعاء بالاستغاثة بالذبح والنذر والخضوع والتذلل والصلاة والصيام وغير ذلك هذا يسمى توحيد العبادة.
* وأما إفراد الله تعالى فِي أسمائه وصفاته بأن نثبت له جميع صفات الرب سبحانه وتعالى التي أثبتها لنفسه أو التي أثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم هذا يسمى توحيد الأسماء والصفات ، ومعنى التوحيد هنا بأنه لا يشارك اللهَ أحدٌ مِنْ خَلْقِهِ فِي حقائق صفاته وحقائق أسمائه وأفعاله وإن كان قد يحصل الاشتراك اللفظي بين الخالق وبين المخلوق في بعض الصفات والأسماء كالقدرة والإرادة والسمع والبصر والعلم وغير ذلك ؛ ولكن الحقائق تختلف سيأتي توضيح ذلك في كل الدرس إن شاء الله ، هكذا خُتِمَ التوحيد.
وَلِسَائِلٍ أن يسأل : مِنْ أينَ لنا هذا التقديم وما دليل هذا التقديم؟؟
الجواب : دليل هذا التقديم يسمى الاستقراء ومعنى الاستقراء تتبعنا نصوص الكتاب والسنة فوجدناها بالنسبة للمطالب الإلهية تنقسم هذه الأقسام الثلاثة:
*نصوص تدعوا العباد لأن يوحدوا الله ولا يشركوا به شيئا ، والنصوص التي تأتي في هذا المعنى يؤخذ منه توحيدٌ سَمَيْنَاهُ توحيد العبادة.
*ونصوص تخبر بأن الله وحده هو خالق كل شيء وهو مدبر الأمور وهو المعطي المانع وهو النافع الضار ، ما كان من هذا القبيل يسمى توحيد الربوبية وهناك نصوصا تَصِفُ الله بأنه سميع عليم وأنه سميع بصير عزيز حكيم وغير ذلك من الأسماء والصفات هذا النوع يسمى توحيد الأسماء والصفات.
إذن لم نخرج من الكتاب والسنة في تقسيمنا التوحيد إلى ثلاثة أقسام ، لذلك لا يَرِدْ قول الْمُعْتَرِض بأن تقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام تقسيم جديد لا أصل له ، الجواب ما سمعت.
إن هذا التقسيم تقسيم استقرائي والدليل الاستقرائي مُسَلَّمٌ به عند أهل العلم والمعرفة وأكثر من يبحث في هذا النوع من الدليل علماء الأصول هكذا يتضح سر تقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام .
إذا عرفنا معنى التوحيد ومعنى العقيدة ما هو الهدف من دراسة العقيدة؟؟ وما هو الهدف من دراسة التوحيد؟؟
الهدف من ذلك معرفة العبد ربه وخالقه وَوَلِيَ نعمته ، بِمَ يعرف العبد ربه هل يراه؟ فالله سبحانه وتعالى لا يُرَى في هذه الدنيا ، في هذه الدار لا يُرى بِمَعْنَى إن الرؤية غير مستحيلة ولكنها غير واقعة لم تقع ولن تقع لأن القوة البشرية لا تثبت أمام تجلي الرب سبحانه وتعالى في هذه الدار هكذا أراد الله ، لذلك لَمَّا طَلَبَ موسى أن يرى ربه علق تلك الرؤية على أن ينظر إلى الجبل فإن استقرَ مكانه ولم يتدكدك سوف يراه وإن لم يثبت الجبل فعدم ثبوت موسى من باب أَوْلَى وَلَمْ يثبت الجبل أمام التجلي ، من هنا تَبَيَّنَ لِمُوسَى ، وإن كانت الرؤية غير مستحيلة وجائزة عقلاً وشرعاً ولكنها غير واقعة فِي هذه الدنيا لعارض وذلك العارض ضعف القوة البشرية في هذه الدار ، واستسلم موسى لذلك ، وفي ليلة الإسراء والمعراج عندما نزل النبي صلى الله عليه وسلم وعاد من تلك الرحلة "الطويلة القصيرة" الطويلة من حيث المسافة والقصيرة من حيث عودة النبي صلى الله عليه وسلم في نفس الليلة إلى مكة فَوْرَ عودته من الرحلة الطويلة سُئِلَ النبيُّ عليه الصلاة والسلام هل رأيت ربك؟ قال نور أنى أراه حجابه النور ، إذن على أصح القولين لم ير النبي صلى الله عليه وسلم ربه في تلك الليلة بعين رأسه وإن رآه بقلبه بل أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في آخر قصة المسيح الدجال إنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا ، فاعلموا بأنكم لن ترون ربكم حتى تموتوا بـ"لن" لن التي يقول فيها بعض علماء اللغة إنها تفيد التأبيد وأما في الآخرة فيرى العباد ربهم مرتين:
المرة الأولى في عرصات القيامة هذه الرؤية يختلف فيها أهل العلم هل هي خاصة بالمؤمنين أو يراه الكفار والمنافقون ثم يحتجب رب العالمين تأديبا لهم وتوبيخا لهم وإهانة لهم هذا رأي ، والرأي الثاني إنهم لن يروه.
وأما المرة الثانية في دار الكرامة في الجنة تلك رؤية خاصة بأولياء الله بالمؤمنين ، المؤمنون سوف يرون ربهم كما يرون القمر ليلة البدر وكما يرون الشمس ليس دونها سحاب رؤية حقيقية لا يضامون فيها ولا يتضررون من الزحام ، كلٌّ يَرْفَعُ رأسه من فوقه فَيَرَى رَبَّه من فوقه ، فالله سبحانه وتعالى يسلم عليهم من فوقهم ويتجلى لهم فيخاطبهم سَلَامٌ قَوْلاً مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ (يس : 58 ) هكذا في تلك الدار.
وبعد،،،
إذا كنا لا نرى ربنا في هذه الدار بما نعرف ربنا؟؟ نعرف الله سبحانه وتعالى بآياته التي تكاد أن تنطق ، بآياته الكونية ، الكون برمته آية على وجود الرب سبحانه وتعالى
وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد
قبل أن نؤمن بوحدانيته وقدرته وعلمه فلنؤمن بوجوده ، وجودك أنت دليل على وجود الله ، إذا كنت لا تشك في وجودك وهل احد يسك في وجود نفسه؟؟!! لا يجوز عقلا وشرعا أن يشك بوجود الرب سبحانه أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (الطور : 35 ) مِنْ أين جئت أنت؟ هل خلقت نفسك؟ مستحيل ، هل خُلِقْتَ مِنْ غَيْرِ خالق؟؟ مستحيل ، القسمة الثالثة لك خالق وذلك الخالق مُخَالِفٌ لَكَ فِي كل شيء خالق قادر على كل شيء بدليل إبداعه في هذا الكون ، هذا الإبداع على غير مثال سابق وهو بديع السماوات والأرض وهذا الإبداع أول ما يدل على وجود الرب سبحانه وتعالى وثانيا يدل على قدرته الباهرة.
إذن الخالق ليس كالمخلوق مُخَالِفٌ للمخلوق فِي حقيقة ذاته وكُنْهِ ذاته ولكنه لا يعلم كيف هو إلا هو ، وَيُخَالِفُ المخلوق فِي قدرته لأن قدرة المخلوق قدرة حادثة وُجِدَتْ بعد أنْ لَمْ تكن ، الله الذي منحك هذه القدرة يجب أن تعلم أنه يتصف بقدرة أقوى من قدرتك لأنه هو الذي منحك هذه القدرة.
إذن هذا الإبداع وهذا الإيجاد وكونه فاطر السماوات والأرض دَلًّ على وجود الرب سبحانه وتعالى وجوداً حقيقياً بحيث لا يجوز عقلاً وشرعاً وفطرةً أن يشكَ أحدٌ فِي وجود الرب إلا إذا كان يشك في وجود نفسه ، الله موجود لأنك موجود ، لأنك آية لأنك علامة دالة على وجود الرب سبحانه وتعالى .
ثم إنه قادر على كل شيء وخالق كل شيء دَلَّ ذلك على قدرته الظاهرة ودل التخصيص على إرادته وعلمه المحيط بكل شيء ، معنى التخصيص أن يخص كل شيء وكل فرد على صفة وعلى حالة معينة "زيد عالم وعمرو جاهل" "بكر غني وخالد فقير" وهكذا هذا التخصيص تخصيص العباد كلٌّ بصفة وبحالة هذا التخصيص دليل الإرادة ودليل العلم ، علمه محيط بكل شيء ، إذن نستدل بوجودنا وبصفاتنا وبِخَلْقِ الرب سبحانه وتعالى وصُنْعِهِ عَلَى وجود الرب سبحانه وتعالى وعلى أنه موصوف بصفات الكمال ، فصفات الرب كلها صفات كمال ، هكذا نؤمن بالرب سبحانه وتعالى.
والمادة التي سوف ندرسها تهدف إلى تعريف العباد رَبَّهُم هذا التعريف ثم تَهدف المادة إلى أن يعرف العباد حق الله على العباد وحق العباد على الله وحقوق رسول الله عليه الصلاة والسلام وحقوق الصالحين لئلا نخلط بين الحقوق كما هو واقع كثير من الناس.
حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً هذا الحق الذي اهتم به النبي عليه الصلاة والسلام ذلكم الاهتمام حيث وَجَّهَ السؤال إلى صحابي "يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد؟؟" هذا التعليل إنما ورد بهذه الصيغة ليثير النبي صلى الله عليه وسلم انتباه ذلك الصحابي لما يقول ولِمَا يُلْقَى إليه وذلك دليل على أهمية هذا الحق قال الصحابي:"الله ورسوله أعلم" ثم بَيَّنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم حَقُّ اللهِ عَلَى عِبَادِه أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ، هذا حَقٌّ لَازِمٌ ، مَنْ ضَيَّعَ هَذا الحق أو صرف هذا الحق لغير الله فهو ظالم الظلم الأكبر "الشرك بالله" "وهل تدري ما حق العباد على الله ؟؟"حق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئا ولكنه حق تفضل وإحسان ورحمة من الله .
العباد لا يوجبون على الله حقا وحق العباد على الله ليس بحق لازم بل حق تَفَضُّلٍ وإحسان ، هكذا اهتم النبي عليه الصلاة والسلام ووجه السؤال بكل عناية إلى ذلكم الصحابي ، ومادتنا هذه تهدف إلى تعريف العباد هذا الحق والتفريق بين الْحَقَّيْن بين حق العباد على الله وحق الله على العباد .
وأما حقوق رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُصَدَّقَ وَلَا يُكَذَّب ، رسولٌ يَجِبُ أنْ يُصَدَّقَ وَلَا يُكَذَّب ويطاع ولا يُعصى ولكنه عبد لا يُعْبَد - هذه النقطة المهمة - عَبْدٌ لَا يُعْبَدُ ، عَبْدُ اللهِ ورسوله لكونه رسول الله يجب أن يُطَاعَ وَيَجِبُ أن يصدق وَيَجِبُ ألا يُعْبَدُ الله إلا بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عبد حقق مقام العبودية ما لم يحققه غيره لذلك لا يُعْبَد لا يُدْعا ولا يُسْتَغاث به ولا يُذْبَحُ له ولا يُنذر له ولا يُتَقرب إليه بأي نوع من أنواع العبادة وذلك يتنافى مع هدف رسالته الرسالة التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم تهدف إلى إفراد الله تعالى بالعبادة وحده ، لا أحد يستحق العبادة معه لا ملك مقرب ولا نَبِي مُرْسَل ولا عبد صالح هذه الحقوق يَجِبُ أَنْ تُعْرَفَ ويجب أن توضع مواضعها .
وأما عباد الله الصالحون وهم أولياء الله هم جميع المؤمنين لهم حقوق من حقوق عباد الله الصالحين على بعضهم ألا يؤذي بعضهم بعضا "من عادى لِي وليا فقد آذنته بالحرب" إياك أن تؤذي عباد الله وعليك أن تحبهم في الله وإذا أحببتهم في الله ولله تخبرهم من السنة أنك تحبهم في الله تحبه في الله ، تحبه في الله ولا تحبه مع الله .
ولعلنا نفرق بَيْنَ الحب في الله والحب مع الله محبة الأولياء في الله ولأجل لله ولكونهم عباد الله الصالحين وأوليائه المقربين العاملين بكتابه وبِهَدْيِ نبيه عليه الصلاة والسلام شعبة من شُعَبِ الإيمان ، وأما محبة الصالحين مع الله بحيث تجعلهم شركاء لله ترجوهم كما ترجوا رب العالمين وتدعوهم مع الله أو مِنْ دُون الله أوتتقرب إليهم بالقربات هذا من نوع الشرك الأكبر ، فَرِّقْ بَيْنَ الْمَحَبَّتَيْنِ بينهما بون شاسع.
المحبة الأولى عبادة عظيمة وقربة
المحبة الثانية شرك بالله
هذه المعاني من المعاني التي تهدف إليها مادتنا التي نريد أن ندرسها
إذن التوحيد الذي نريد أن ندرسه والعقيدة التي نريد أن ندرسها هذا موضوعها ما ذكرناه الآن موضوع عقيدتنا وتوحيدنا وهو توحيد الأنبياء توحيد على منهج الأنبياء وأنبياء الله توحيدهم واحد دعوتهم واحدة كلهم دعوا إلى إفراد الله تعالى بالعبادة
وبعد ،،،
بعد أن دخل علم الكلام في الْمَيْدان وَكَثُرَةِ الأهواء ألف علماء أهل السنة والجماعة كتبا في هذا التوحيد وفي هذه العقيدة ومن الكتب التي أُلِّفَتْ في هذه العقيدة رسالة صغيرة تسمى العقيدة الواسطية هذا الكتيب عبارة عن جواب كتبه شيخ الإسلام ابن تيمية جوابً على رسالة وردته من "واسط" بالشام يسألون في رسالتهم عن عقيدة أهل السنة والجماعة فأجاب الشيخ على السؤال بهذا الكتاب وهذا شأن أكثر رسائل شيخ الإسلام "الفتوى الحموية" جواب لرسالة وردته من "حماة" و"الرسالة التدمرية" كذلك ، وهذه الواسطية ثم إن هذه الرسالة التي نحن بصددها شرحها عالم أزهري سلفي ، عالم تخرج من الأزهر وتخصص في الفلسفة والمنطق وكان يعادي شيخ الإسلام عداء كما كان يعادي عمر رضي الله عنه الإسلامَ فِي أول الأمر كان الشيخ محمد خليل هراس الذي شرح هذه الرسالة يعادي ابن تيمية عداءً لِمَا يسمع منه أنه عدوٌ للفلسفة والمنطق ومحمد خليل هراس متخصص في الفلسفة والمنطق لذلك أراد كما أشار إليه بعض الناس أن يكتب رسالة الدكتوراه رداً على شيخ الإسلام ابن تيمية الذي يعادي الفلسفة والمنطق وعلم الكلام ويقول الشيخ محمد خليل هراس: كان أستاذاً لنا روى لنا هذه الرواية شفهية مباشرة ، يقول جمع له ما وقعت عليه يده من كتب شيخ الإسلام في القاهرة ليدرسها ثم يَرُدُّ عَلَى شَيْخِ الإسلام فعكف على دراسة هذه الكتب نحو ثلاثة أشهر فيقول الشيخ محمد خليل هراس الذي شرح الواسطية بعد أن درس ما تيسر له دراسته من كتب شيخ الإسلام في هذه الفترة تَبَيَّنَ له أنه لم يفهم الإسلام بَعْدُ إلا بعد دراسة هذه الكتب ذلك العمر الطويل فاتك كثيراً بِدَءً مِنَ المرحلة الابتدائية ثُمَّ المتوسطة ثم الثانوية ثم الجامعية إلى أن وصل إلى درجة كتابة رسالة الدكتوراه تبين له أنه لم يفهم الإسلام بالمفهوم الصحيح قبل دراسة هذه الكتب ، هكذا هدى الله رجلاً كان يريد أن يحارب شيخ الإسلام فكتب رسالته في الدكتوراه تحت عنوان "ابن تيمية السلفي" هذا عنوان رسالته بعد أَنْ مَنَّ اللهُ عليهِ بِالْهِدَاية ، هذا هو محمد خليل هراس الذي شرح العقيدة الواسطية.
أما ترجمة شيخ الإسلام فلسنا بحاجة إليها لأنه معروف لدى الجميع وترجم له غير واحد وعلى طلاب العلم أن يدرسوا تراجم علمائنا وأئمتنا كالأئمة الأربعة وابن تيمية وابن القيم وغيرهم من الذين ينهجون منهج السلف حتى يكونوا على بصيرة وحتى لا يشوش عليهم بعض المغرضين بأن يقولوا لهم هذه العقيدة التي تدرسونها عقيدة جديدة .
وفي الواقع القائلون بأن منهج السلف وهذه العقيدة التي ندرسها أنها عقيدة جديدة هذه مغالطة ، ما هم عليه هو الجديد أما بيان ذلك العقيدة التي ندرسها هي العقيدة التي كان عليها الصحابة والتابعون وتابعو التابعين من ذلكم الأئمة الأربعة وهذه العقيدة التي يدرسها الخلف وأتباع الخلف التي تسمى العقيدة الأشعرية متى عُرِفَتْ؟ عُرِفَتْ في العهد العباسي وقبل العهد العباسي على أي عقيدة كان المسلمون؟؟ الصحابة وخلفاء الأُمويين وخلفاء العباسيين إلى عهد المأمون العباسي الخليفة السابع قبل ذلك لا يعرفون هذه العقيدة التي تسمى الآن العقيدة الأشعرية .
إذن ما عليه القوم سواء كانوا أشعريين أو ماتريديين أو معتزلة عقيدة مُحْدَثَة لا أصل لها ولا يعرفها سلف هذه الأمة
وكل خير في إتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف .
شيخ محمد أمان الجامي رحمه الله