( فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ) [الطور : 34]
( فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين ) أي : إن كانوا صادقين في قولهم : " تقوله وافتراه " فليأتوا بمثل ما جاء به محمد [ - صلى الله عليه وسلم - ] من هذا القرآن ، فإنهم لو اجتمعوا هم وجميع أهل الأرض من الجن والإنس ، ما جاءوا بمثله ، ولا بعشر سور [ من ] مثله ، ولا بسورة من مثله .
( أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ) [الطور : 35]
هذا المقام في إثبات الربوبية وتوحيد الألوهية ، فقال تعالى : ( أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون ) أي : أوجدوا من غير موجد ؟ أم هم أوجدوا أنفسهم ؟ أي : لا هذا ولا هذا ، بل الله هو الذي خلقهم وأنشأهم بعد أن لم يكونوا شيئا مذكورا .
قال البخاري :
حدثنا الحميدي ، حدثنا سفيان قال : حدثوني عن الزهري ، عن محمد بن جبير بن مطعم ، عن أبيه قال :
سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في المغرب بالطور ، فلما بلغ هذه الآية : ( أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون أم خلقوا السموات والأرض بل لا يوقنون أم عندهم خزائن ربك أم هم المسيطرون ) كاد قلبي أن يطير .
وهذا الحديث مخرج في الصحيحين من طرق ، عن الزهري ، به .
وجبير بن مطعم كان قد قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد وقعة بدر في فداء الأسارى ، وكان إذ ذاك مشركا ، وكان سماعه هذه الآية من هذه السورة من جملة ما حمله على الدخول في الإسلام بعد ذلك .
( أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۚ بَل لَّا يُوقِنُونَ) [الطور : 36]
ثم قال تعالى : ( أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون ) أي : أهم خلقوا السماوات والأرض ؟
. وهذا إنكار عليهم في شركهم بالله ، وهم يعلمون أنه الخالق وحده لا شريك له . ولكن عدم إيقانهم هو الذي يحملهم على ذلك ،
( أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ) [الطور : 37]
( أم عندهم خزائن ربك أم هم المسيطرون ) أي : أهم يتصرفون في الملك وبيدهم مفاتيح الخزائن.
( أم هم المسيطرون ) أي : المحاسبون للخلائق ، ليس الأمر كذلك ، بل الله عز وجل ، هو المالك المتصرف الفعال لما يريد .
( أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۚ بَل لَّا يُوقِنُونَ) [الطور : 36]
ثم قال تعالى : ( أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون ) أي : أهم خلقوا السماوات والأرض ؟
. وهذا إنكار عليهم في شركهم بالله ، وهم يعلمون أنه الخالق وحده لا شريك له . ولكن عدم إيقانهم هو الذي يحملهم على ذلك ،
( أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ) [الطور : 37]
( أم عندهم خزائن ربك أم هم المسيطرون ) أي : أهم يتصرفون في الملك وبيدهم مفاتيح الخزائن.
( أم هم المسيطرون ) أي : المحاسبون للخلائق ، ليس الأمر كذلك ، بل الله عز وجل ، هو المالك المتصرف الفعال لما يريد .
( أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ ۖ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ) [الطور : 38]
وقوله : ( أم لهم سلم يستمعون فيه ) أي : مرقاة إلى الملأ الأعلى.
( فليأت مستمعهم بسلطان مبين ) أي : فليأت الذي يستمع لهم بحجة ظاهرة على صحة ما هم فيه من الفعال والمقال ، أي : وليس لهم سبيل إلى ذلك ، فليسوا على شيء ، ولا لهم دليل .
( أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) [الطور : 39]
ثم قال منكرا عليهم فيما نسبوه إليه من البنات ، وجعلهم الملائكة إناثا ، واختيارهم لأنفسهم الذكور على الإناث ، بحيث إذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم . هذا وقد جعلوا الملائكة بنات الله ، وعبدوهم مع الله ، فقال :
( أم له البنات ولكم البنون ) وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد.
( أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ) [الطور : 40]
( أم تسألهم أجرا ) أي : أجرة على إبلاغك إياهم رسالة الله ؟ أي : لست تسألهم على ذلك شيئا.
( فهم من مغرم مثقلون ) أي : فهم من أدنى شيء يتبرمون منه ، ويثقلهم ويشق عليهم.
( أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ) [الطور : 41]
( أم عندهم الغيب فهم يكتبون ) أي : ليس الأمر كذلك ، فإنه لا يعلم أحد من أهل السماوات والأرض الغيب إلا الله.
( أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا ۖ فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ) [الطور : 42]
( أم يريدون كيدا فالذين كفروا هم المكيدون ) يقول تعالى :
أم يريد هؤلاء بقولهم هذا في الرسول وفي الدين غرور الناس وكيد الرسول وأصحابه ، فكيدهم إنما يرجع وباله على أنفسهم ، فالذين كفروا هم المكيدون.
( أَمْ لَهُمْ إِلَٰهٌ غَيْرُ اللَّهِ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) [الطور : 43]
( أم لهم إله غير الله سبحان الله عما يشركون ) . وهذا إنكار شديد على المشركين في عبادتهم الأصنام والأنداد مع الله . ثم نزه نفسه الكريمة عما يقولون ويفترون ويشركون ، فقال : ( سبحان الله عما يشركون ).
( وَإِن يَرَوْا كِسْفًا مِّنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَّرْكُومٌ) [الطور : 44]
يقول تعالى مخبرا عن المشركين بالعناد والمكابرة للمحسوس : ( وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا ) أي : عليهم يعذبون به ، لما صدقوا ولما أيقنوا ، بل يقولون : هذا ( سحاب مركوم ) أي : متراكم .
وهذه كقوله تعالى : ( ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون ) [ الحجر : 14 ، 15 ] .
( فَذَرْهُمْ حَتَّىٰ يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ) [الطور : 45]
قال الله تعالى : ( فذرهم ) أي : دعهم - يا محمد - ( حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون ) ، وذلك يوم القيامة.
( يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ) [الطور : 46]
( يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئا ) أي : لا ينفعهم كيدهم ومكرهم الذي استعملوه في الدنيا ، لا يجدي عنهم يوم القيامة شيئا. ( ولا هم ينصرون )
( وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَٰلِكَ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) [الطور : 47]
ثم قال : ( وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك ) أي : قبل ذلك في الدار الدنيا ، كقوله :
( ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون ) [ السجدة : 21 ] ، ولهذا قال :
( ولكن أكثرهم لا يعلمون ) أي : نعذبهم في الدنيا ، ونبتليهم فيها بالمصائب ، لعلهم يرجعون وينيبون ، فلا يفهمون ما يراد بهم ، بل إذا جلي عنهم مما كانوا فيه ، عادوا إلى أسوأ ما كانوا عليه ، كما جاء في بعض الأحاديث :
" إن المنافق إذا مرض وعوفي مثله في ذلك كمثل البعير لا يدري فيما عقلوه ولا فيما أرسلوه " .
وفي الأثر الإلهي : كم أعصيك ولا تعاقبني ؟ قال الله : يا عبدي ، كم أعافيك وأنت لا تدري ؟
( وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ۖ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ) [الطور : 48]
وقوله : ( واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا ) أي : اصبر على أذاهم ولا تبالهم ، فإنك بمرأى منا وتحت كلاءتنا ، والله يعصمك من الناس .
وقوله : ( وسبح بحمد ربك حين تقوم ) قال الضحاك : أي إلى الصلاة : سبحانك اللهم وبحمدك ، وتبارك اسمك ، وتعالى جدك ، ولا إله غيرك .
وقد روي مثله عن الربيع بن أنس ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وغيرهما .
وروى مسلم في صحيحه ، عن عمر أنه كان يقول هذا في ابتداء الصلاة .
ورواه أحمد وأهل السنن ، عن أبي سعيد وغيره ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول ذلك .
وقال أبو الجوزاء :
( وسبح بحمد ربك حين تقوم ) أي : من نومك من فراشك . واختاره ابن جرير : ويتأيد هذا القول بما رواه الإمام أحمد :
حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا الأوزاعي ، حدثني عمير بن هانئ ، حدثني جنادة بن أبي أمية ، حدثنا عبادة بن الصامت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
" من تعار من الليل فقال :
لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير . سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، ثم قال : رب اغفر لي - أو قال : ثم دعا - استجيب له ، فإن عزم فتوضأ ، ثم صلى تقبلت صلاته " .
وأخرجه البخاري في صحيحه ، وأهل السنن من حديث الوليد بن مسلم ، به .
وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( وسبح بحمد ربك حين تقوم ) قال : من كل مجلس .
وقال الثوري ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص : ( وسبح بحمد ربك حين تقوم ) قال : إذا أراد الرجل أن يقوم من مجلسه قال : سبحانك اللهم وبحمدك .
وقال ابن أبي حاتم :
حدثنا أبي ، حدثنا أبو النضر إسحاق بن إبراهيم الدمشقي ، حدثنا محمد بن شعيب ، أخبرني طلحة بن عمرو الحضرمي ، عن عطاء بن أبي رباح ; أنه حدثه عن قول الله : ( وسبح بحمد ربك حين تقوم ) يقول : حين تقوم من كل مجلس ، إن كنت أحسنت ازددت خيرا ، وإن كان غير ذلك كان هذا كفارة له .
وقد قال عبد الرزاق في جامعه : أخبرنا معمر ، عن عبد الكريم الجزري ، عن أبي عثمان الفقير:
أن جبريل علم النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا قام من مجلسه أن يقول : سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك .
قال معمر : وسمعت غيره يقول : هذا القول كفارة المجالس
وهذا مرسل ، وقد وردت أحاديث مسندة من طرق - يقوي بعضها بعضا - بذلك ، فمن ذلك حديث ابن جريج ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :
من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه : سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك ، إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك " .
رواه الترمذي - وهذا لفظه - والنسائي في اليوم والليلة ، من حديث ابن جريج .
وقال الترمذي : حسن صحيح . وأخرجه الحاكم في مستدركه وقال : إسناد على شرط مسلم ، إلا أن البخاري علله .
قلت : علله الإمام أحمد ، والبخاري ، ومسلم ، وأبو حاتم ، وأبو زرعة ، والدارقطني ، وغيرهم .
ونسبوا الوهم فيه إلى ابن جريج . على أن أبا داود قد رواه في سننه من طريق غير ابن جريج إلى أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بنحوه ، ورواه أبو داود - واللفظ له - والنسائي ، والحاكم في المستدرك ، من طريق الحجاج بن دينار ، عن هاشم عن أبي العالية ، عن أبي برزة الأسلمي قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول بأخرة إذا أراد أن يقوم من المجلس : " سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك " .
فقال رجل : يا رسول الله ، إنك لتقول قولا ما كنت تقوله فيما مضى ؟ !
قال : " كفارة لما يكون في المجلس " .
وقد روي مرسلا عن أبي العالية ، والله أعلم .
وهكذا رواه النسائي والحاكم ، من حديث الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، عن رافع بن خديج ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله سواء ، وروي مرسلا أيضا ، والله أعلم .
وكذا رواه أبو داود عن عبد الله بن عمرو ; أنه قال :
" كلمات لا يتكلم بهن أحد في مجلسه عند قيامه ثلاث مرات ، إلا كفر بهن عنه ، ولا يقولهن في مجلس خير ومجلس ذكر إلا ختم له بهن كما يختم بالخاتم على الصحيفة : سبحانك اللهم وبحمدك ، لا إله إلا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك " وأخرجه الحاكم من حديث أم المؤمنين عائشة ، وصححه ، ومن رواية جبير بن مطعم ورواه أبو بكر الإسماعيلي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، كلهم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وقد أفردت لذلك جزءا على حدة بذكر طرقه وألفاظه وعلله ، وما يتعلق به ، ولله الحمد والمنة
( وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ) [الطور : 49]
وقوله : ( ومن الليل فسبحه ) أي : اذكره واعبده بالتلاوة والصلاة في الليل ، كما قال :
( ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ) [ الإسراء : 79 ] .
وقوله : ( وإدبار النجوم ) قد تقدم في حديث ابن عباس أنهما الركعتان اللتان قبل صلاة الفجر ، فإنهما مشروعتان عند إدبار النجوم ، أي : عند جنوحها للغيبوبة .
وقد روي [ في حديث ] ابن سيلان ، عن أبي هريرة مرفوعا : " لا تدعوهما ، وإن طردتكم الخيل " . يعني : ركعتي الفجر رواه أبو داود . ومن هذا الحديث حكي عن بعض أصحاب الإمام أحمد القول بوجوبهما ، وهو ضعيف لحديث : " خمس صلوات في اليوم والليلة " .
قال : هل علي غيرها ؟
قال : " لا إلا أن تطوع " وقد ثبت في الصحيحين عن عائشة ، رضي الله عنها ، أنها قالت : لم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على شيء من النوافل أشد تعاهدا منه على ركعتي الفجر وفي لفظ لمسلم : " ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها "
( وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا) [الذاريات : 1]
قال شعبة بن الحجاج ، عن سماك ، عن خالد بن عرعرة أنه سمع عليا وشعبة أيضا ، عن القاسم بن أبي بزة ، عن أبي الطفيل ، سمع عليا .
وثبت أيضا من غير وجه ، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب : أنه صعد منبر الكوفة فقال :
لا تسألوني عن آية في كتاب الله ، ولا عن سنة عن رسول الله ، إلا أنبأتكم بذلك .
فقام إليه ابن الكواء فقال : يا أمير المؤمنين ، ما معنى قوله تعالى : ( والذاريات ذروا ) ؟
قال : الريح
( فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا) [الذاريات : 2]
[ قال ] : ( فالحاملات وقرا ) ؟
قال علي رضي الله عنه: السحاب .
( فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا) [الذاريات : 3]
[ قال ] : ( فالجاريات يسرا ) ؟ قال علي رضي الله عنه: السفن
وقد روي في ذلك حديث مرفوع ، فقال الحافظ أبو بكر البزار :
حدثنا إبراهيم بن هانئ ، حدثنا سعيد بن سلام العطار ، حدثنا أبو بكر بن أبي سبرة ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب قال :
جاء صبيغ التميمي إلى عمر بن الخطاب فقال : يا أمير المؤمنين ، أخبرني عن ( الذاريات ذروا ) ؟
فقال : هي الرياح ، ولولا أنى سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوله ما قلته .
قال : فأخبرني عن ( المقسمات أمرا )
قال : هي الملائكة ، ولولا أني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوله ما قلته .
قال : فأخبرني عن ( الجاريات يسرا ) قال : هي السفن ، ولولا أني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوله ما قلته .
ثم أمر به فضرب مائة ، وجعل في بيت ، فلما برأ [ دعا به و ] ضربه مائة أخرى ، وحمله على قتب ، وكتب إلى أبي موسى الأشعري : امنع الناس من مجالسته .
فلم يزل كذلك حتى أتى أبا موسى فحلف بالأيمان الغليظة ما يجد في نفسه مما كان يجد شيئا . فكتب في ذلك إلى عمر ، فكتب عمر : ما إخاله إلا صدق ، فخل بينه وبين مجالسة الناس .
قال أبو بكر البزار : فأبو بكر بن أبي سبرة لين ، وسعيد بن سلام ليس من أصحاب الحديث .
قلت : فهذا الحديث ضعيف رفعه ، وأقرب ما فيه أنه موقوف على عمر ، فإن قصة صبيغ بن عسل مشهورة مع عمر ، وإنما ضربه لأنه ظهر له من أمره فيما يسأل تعنت وعناد ، والله أعلم .
وقد ذكر الحافظ ابن عساكر هذه القصة في ترجمة صبيغ مطولة .
وهكذا فسرها ابن عباس ، وابن عمر ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، والحسن ، وقتادة ، والسدي ، وغير واحد .
ولم يحك ابن جرير وابن أبي حاتم غير ذلك .
وقد قيل : إن المراد بالذاريات : الريح كما تقدم وبالحاملات وقرا : السحاب كما تقدم ; لأنها تحمل الماء ، كما قال زيد بن عمرو بن نفيل :
وأسلمت نفسي لمن أسلمت له المزن تحمل عذبا زلالا
فأما الجاريات يسرا ، فالمشهور عن الجمهور - كما تقدم - : أنها السفن ، تجري ميسرة في الماء جريا سهلا .
وقال بعضهم : هي النجوم تجري يسرا في أفلاكها ، ليكون ذلك ترقيا من الأدنى إلى الأعلى ، إلى ما هو أعلى منه ، فالرياح فوقها السحاب ، والنجوم فوق ذلك ، والمقسمات أمرا الملائكة فوق ذلك ، تنزل بأوامر الله الشرعية والكونية .
وهذا قسم من الله عز جل على وقوع المعاد:
( إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ) [الذاريات : 5]
ولهذا قال : ( إنما توعدون لصادق ) أي : لخبر صدق.
( وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ) [الذاريات : 6]
( وإن الدين ) ، وهو : الحساب ( لواقع ) أي : لكائن لا محالة .
شد انتباهي هته الجملة في الاقتباس
حتى الصحابة رضوان الله عليهم جميعا كانوا ينقلون عن الني صلى الله عليه و سلم
و لا يزيدون بل وقافون عند الحق و لا يجتهدون مع وجود الدليل
عكس ما اصبح عندا فالبعض يترك النص الصريح و يجتهد بحجج غريبة
كقول زاكاة الفطر نقدا افضل للفقير و غيرها من المصطلحات او الافعال التي خالفت النصوص
( وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ) [الذاريات : 7]
ثم قال : ( والسماء ذات الحبك ) قال ابن عباس : ذات البهاء والجمال والحسن والاستواء .
وكذا قال مجاهد ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، وأبو مالك ، وأبو صالح ، والسدي ، وقتادة ، وعطية العوفي ، والربيع بن أنس ، وغيرهم .
وقال الضحاك ، والمنهال بن عمرو ، وغيرهما : مثل تجعد الماء والرمل والزرع إذا ضربته الريح ، فينسج بعضه بعضا طرائق [ طرائق ] ، فذلك الحبك .
قال ابن جرير :
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا ابن علية ، حدثنا أيوب ، عن أبي قلابة ، عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ; أنه قال :
" إن من ورائكم الكذاب المضل ، وإن رأسه من ورائه حبك حبك " يعني بالحبك الجعودة .
وعن أبي صالح : ( ذات الحبك ) : الشدة .
وقال خصيف : ( ذات الحبك ) : ذات الصفاقة .
وقال الحسن بن أبي الحسن البصري : ( ذات الحبك ) : حبكت بالنجوم .
وقال قتادة : عن سالم بن أبي الجعد ، عن معدان بن أبي طلحة ، عن عمرو البكالي ، عن عبد الله بن عمرو : ( والسماء ذات الحبك ) : يعني السماء السابعة .
وكأنه - والله أعلم - أراد بذلك السماء التي فيها الكواكب الثابتة ، وهي عند كثير من علماء الهيئة في الفلك الثامن الذي فوق السابع ، والله أعلم .
وكل هذه الأقوال ترجع إلى شيء واحد ، وهو الحسن والبهاء ، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما ، فإنها من حسنها مرتفعة شفافة صفيقة ، شديدة البناء ، متسعة الأرجاء ، أنيقة البهاء ، مكللة بالنجوم الثوابت والسيارات ، موشحة بالشمس والقمر والكواكب الزاهرات .
( إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ) [الذاريات : 8]
وقوله : ( إنكم لفي قول مختلف ) أي : إنكم أيها المشركون المكذبون للرسل لفي قول مختلف مضطرب ، لا يلتئم ولا يجتمع .
وقال قتادة : إنكم لفي قول مختلف ، [ يعني ] ما بين مصدق بالقرآن ومكذب به .
( يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ) [الذاريات : 9]
( يؤفك عنه من أفك ) أي : إنما يروج على من هو ضال في نفسه ; لأنه قول باطل إنما ينقاد له ويضل بسببه ويؤفك عنه من هو مأفوك ضال غمر ، لا فهم له ، كما قال تعالى :
( فإنكم وما تعبدون ما أنتم عليه بفاتنين إلا من هو صال الجحيم ) [ الصافات : 161 - 163 ] .
قال ابن عباس ، والسدي : ( يؤفك عنه من أفك ) : يضل عنه من ضل .
وقال مجاهد : ( يؤفك عنه من أفك ) يؤفن عنه من أفن .
وقال الحسن البصري : يصرف عن هذا القرآن من كذب به .