لا مكان لاصحاب القلوب الضعيفة

misa rose

:: عضو مُشارك ::
إنضم
11 سبتمبر 2009
المشاركات
204
نقاط التفاعل
4
النقاط
7
[font=&quot]اردت ان انقل لكم قصة اقرب من الخيال [/font]​





[font=&quot]أ[/font]عزائي أعضاء المنتدى، لاشك أن الإنسان يتكون من كتلة من المشاعر والأحاسيس... ومن بينها الشعور بالخوف... ذلك الشعور الذي سيطر على الإنسان منذ القدم، الخوف من المجهول، من الظلمة... أساطير كثيرة جسدت روايات عن الرعب ودراكولا والمستذئبين والأرواح والمتحولين والقطط السوداء والعفاريت... حكايات عديدة وروايات مختلفة... الكل جسد ذلك بشكل معين...ليظل الخوف أقوى شعور يربك الإنسان.






- إذا كنت وحيدا في المنزل والفصل شتاء والرياح تعصف بشدة وانقطع التيار الكهربائي وعلى ضوء الشموع تتراقص الأشباح هل شعرت بالخوف ؟؟






- إذا تعطلت بك سيارتك في مكان بعيد نائي وكنت وحيدا وخيم الظلام هل شعرت بالخوف ؟؟






- إذا رأيت قطة غريبة سوداء تنظر إليك وكان الشارع خالياً من المارة والليل قد أسدل ستاره هل انتابك الرعب ؟؟






- هل فكرت أن تغلق النوافذ جيداً قبل النوم ؟؟






- هل فكرت أن تتأكد من عدم وجود احد معك بالغرفة ؟؟






- ألا تسمع أنفاسا لاهثة من مكان ما في غرفتك ؟؟؟؟






- ألا تسمع خطوات ثقيلة في نصف الليل تتجول ؟؟






- هل فكرت في صديقك الذي على الشات هل هو من البشر ؟؟






إن الرعب والخوف غريزة من الغرائز التي تمتاز بها الكائنات الحية حتى نحن الكبار، ألا نرجع بذكرياتنا إلى الخلف إلى أيام الطفولة عندما كنا نستمع إلى حكايات الجدات عن الغول ويعترينا ذالك الشعور بالخوف، فنأوي إلى مضاجعنا وأصداء قصة الغول تتراءى لنا فننكمش في أسرتنا...






ورغم الرعب فإن ذلك الشعور له رونق خاص وسوف أروي لكم قصصا من الواقع، فلمحبي الرعب والتشويق والإثارة اربطوا أحزمتكم واستعدوا ولكن رجاء لا يمكن اصطحاب أصحاب القلوب الضعيفة ...









يتبع في الحلقة المقبلة ...............​






























































 
إخوتي الأعضاء، لقد وعدتكم أن أروي لكم قصة عجيبة، ولكن قبل أن أبدأ بها سوف أستهلها بمقدمة... ولكن لا أريد أن يستغرب أحد من هذه المقدمة، أريد التركيز فقط وربط الأحداث، وسوف أحاول رغم قدرتي المحدودة في طريقة الرواية أن أسيغ ماحدث وأرويه لكم...
آلة الزمن قد يكون الإسم غريبا بعض الشيء... ولكن لا تستغربوا... آلة الزمن حلم راود العلماء عبر الأجيال والعصور، وكانت حلما كبيرا عجز عن تحقيقه الجميع... كانت نظرية آلة الزمن هي إيجاد آلة تنطلق بسرعة تفوق سرعة الضوء عشرات الأضعاف، وتدور على الأرض عكس دورانها حتى نذهب إلى الماضي... ومع دورانها حتى نذهب الى المستقبل... ولكن العلماء اكتشفوا أن أي جسم مادي يسير بهذه السرعة يتحلل ويتحول الى طاقة، أي أنه ضرب من المستحيل بالنسبة لما يتكون من جسم مادي... طبعاً هناك معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم فى ليلة الإسراء، عندما امتطى البراق الذي اخترق به حاجز الزمن ورجع به إلى نفس اللحظة الزمنية التي انطلق منها ليجد أن فراشه لازال ساخنا، وذلك لأنه رجع إلى نفس اللحظة وهذه من معجزات وقدرات الخالق عز وجل... وباستثناء القدرات الإلهية، يظل موضوع السفر عبر الزمن من المستحيل بالنسبة للأجسام المادية، ولكن لكون الإنسان يتكون من جسد مادي وروح - الله أعلم بتركيبتها - فإن هناك حالات تحدث قد تكون سفرا عبر الزمن، ومن هذه الحالات أنه قد يحدث لك موقف ما وتشعر أن هذا الموقف قد حدث معك من قبل... أو أن تتوقع وصول شخص ما... أو أن تدخل الى مكان وتشعر أنك قد دخلت إليه من قبل رغم أنها المرة الأولى... وقد يقع كوب الماء وينكسر وأنت تشعر بذلك قبل حدوثه لأن الموقف قد مر عليك من قبل... وبعض من أنواع الرؤيا التي تتحقق مثل ماشاهدتها، واختلف العلماء فى تفسير ذلك... البعض أكد أن الروح لكونها تمتلك خاصية معينة غير مادية، فإنها تجول عبر الزمن أثناء النوم وتدخل لأماكن وتشاهد أحداثا من الماضي والمستقبل، ولكن ماتنقله الى الذاكرة بسيط جداً ويحدث ضمن إحداثيات خاصة.
تحصل لنا الفكرة الثانية أن كل إنسان له زمنه الخاص... ماضيه وحاضره ومستقبله وكل ذلك يقع على خط واحد... ومثال ذلك عندما أكون قد انطلقت أنا وأحد زملائي بسيارتين كل واحد في سيارة وكنت أسبقه بمسافة ساعة مع نفس الطريق، فإن ما أراه يعتبر غيبا من المستقبل بالنسبة له وسوف يشاهده بعد ساعة... إذا كل إنسان له زمنه الخاص...عند هذه النقطة سوف أتوقف.
وللحديث بقية حيث سوف أروي لكم المقدمة الثانية قبل أن أبدأ فى رواية قصتي... حيث هناك ارتباط قوي بين ماكتبته وما سوف أرويه... سلام يتبع انتظرو بقية
 
أعزائي أعضاء المنتدى... سوف أروي لكم قصتي التي حيرتني أحداثها طوال سنوات عديدة، وكنت عندما أسترجع أحداثها في خيالي لا أجد لها تفسيرا منطقيا يستسيغه العقل، وسوف أستهل قصتي بتقديم شخصياتها وهما اثنين من الأصدقاء عادل وهاني... جمعتني بهما صداقة امتدت منذ الطفولة، حيث كانت لنا نفس الهوايات المشتركة: حب المغامرة والاطلاع والرحلات وهواية صيد الصقور، وكنا نتفنن في إعداد المقالب المازحة... وفي أحد الأيام حضر إلي عادل وأخبرني أنه وهاني يعقدان العزم على القيام برحلة صيد لمدة عشرة أيام ولابد أن أحصل على إجازة حتى أرافقهم، وأخبرني أنهما قررا الذهاب إلى منطقة الجبال الصحراوية... وهي منطقة بعيدة جداً... جبالها سوداء وأنا لم يسبق لي أن ذهبت إليها قط، وكنت أسمع عنها حكايات عديدة على أنها منطقة قد وقعت فيها الكثير من المعارك أيام الاستعمار، وأنها منطقة يخشاها الكثيرون...

2448753291_4cc15af0c9.jpg
2908822434_175a5e3b13.jpg


حب المغامرة تحرك في أعماقي وتحركت معه الرغبة في الاكتشاف ومعرفة أسرار هذه المنطقة، كانت الأفكار تدور في رأسي والخيال يأخذني إلى هناك، عندما قطع عادل حبل أفكاري وكأنه عرف ما أفكر فيه وقال: سنمضي أياما جميلة ونكتشف أشياء جديدة وربما يحالفنا الحظ ونحصل على صقور، وافقت على الفور وكان موعد السفر بعد يومين نكون قد جمعنا كل متطلبات الرحلة والمؤن... مضى اليومان بسرعة... ورغم شعوري بالفرح الذي يعود لحبي للمغامرة، إلا أني لم أستطع منع ذلك الشعور بالقلق الذي ظل يراودني من أول ما قررت الموافقة على الرحلة... كان شعورا مبهما وقلقا غريبا... هو مزيج من الإحساس بالرهبة والشعور بأن هناك شيئا ما سوف يحدث... نوع من الحاسة السادسة...
وحانت لحظة السفر وانطلقنا بعد أن حملنا كل ما نحتاج إليه من مؤن وتموين جاف ومياه وخيمة سفر، وكانت العادة أن نذهب في سيارتين صحراويتين إحداهما "بيك اب" لحمل المعدات والأخرى "صالون" وكنت أقود سيارة البيك اب.

173643.jpg
2.jpg



مع أول إشراق للشمس بدأت رحلتنا: حيث كان علينا أن نقطع حوالي 500 كيلومتر في اتجاه الجنوب عبر طرق معبدة قبل أن نصل إلى الدروب والمسالك إلى الجبال... كنت أستمع إلى صوت التسجيل في أغنية لأم كلثوم أحادث نفسي وأرسم خططا لإخافة صديقي وتسجيل مواقف عليهما... كنت سارحاً مع أفكاري، لقد أحضرت معي بعض المواد الكيميائية لاستغلالها في بعض المقالب، مثل مادة فسفورية خضراء إذا دهنت بها قناعا وارتديته على وجهك ولبست ملابس سوداء، فسوف نشاهد رأسا يمشى بدون جسد، كنت أسبح في أفكاري رغم ذلك القلق الغريب الذي ازداد مع اقترابنا من منطقة الجبال.
 
لم نتوقف إلا لفترة بسيطة كانت لتناول وجبة الغداء، وبعد ذلك واصلنا الرحلة واستمرينا بالمسير إلى أن اقتربت الشمس من المغيب، ومن بعيد... كانت المرتفعات السوداء قد بدت تلوح بذلك المنظر الرهيب الذي يثير قشعريرة في النفس... توقفنا لأجل أن نرتاح - حيث كانت الرحلة المتواصلة قد أتعبتنا - وقد قررنا أن نخيم تلك الليلة في نفس المكان الذي توقفنا فيه وعلى مسافة بسيطة من المرتفعات الرهيبة ونواصل المسيرة في الصباح الباكر. تم تركيب خيمة السفر بسرعة، حيث بدأت الشمس في الزوال، وكانت من عادتي أن أستطلع أي مكان نخيم فيه قبل أن يخيم الظلام، وأخذت أستطلع المكان بواسطة ذلك المنظار المكبر، كان السكوت يخيم على المكان، لا شيء على امتداد البصر من الناحية الخلفية، أما من ناحية الجبال فكان المنظر رهيبا... فتلك الجبال السوداء تجثم على الأرض بمنظر مخيف... كانت المرة الأولى التي أشاهد فيها تلك الجبال، كنت أتفحصها بدقة وكأني أبحث عن شيء... في جزء من الثانية خيل لي أني رأيت شيئا تحرك، لم أكن متأكدا ولكن ذلك الشعور الغامض تحرك مرة أخرى في أعماقي... شعور بأن هناك شيء سيحدث... شعوربأن هناك شيء غامض ينتظرنا في الجبال... لطالما صدق ذلك الشعور بواقع التجربة... لم أكن أدري أن هذه الرحلة سوف تكون مأساة.
أفكار مثل لون الجبال كانت تحوم في رأسي، قطعها صوت هاني يسألني: ماذا وجدت؟ بالطبع هاني كان الخبير فقد سبق له الحضور من قبل، أجبته بأنلا يوجد أي أثر للحياة ولا يوجد أحد... سألته: هل توجد حيوانات في الجبال مثل الذئاب؟ فقال أنه لا يدرى فرحلته السابقة كانت مرورا فقط، إجتمعنا في الخيمة على ضوء مصباح يشتغل بالغاز بعد أن تناولنا وجبة العشاء التي كان عادل قد أعدها بإتقان شديد، فقد كان يجيد كل أنواع الطهي وباحتراف، أما أنا فقد كنت أجيد الأكل فقط وإعداد المقالب... أخذنا نتجاذب أطراف الحديث فقال هاني أن أباه حذره من هذه المنطقة وقال أن الأشباح تقطنها، كنت لأصدق هذه الترهات رغم أني كنت أحب أن أسمع قصصها وأضيف عليها لأخلق ذلك الجو المرعب الذي تنجح معه مقالبي، أما عادل فلم يعلق على ذلك... لا أدرى متى استغرقنا في النوم ولا من أطفأ المصباح فقد استيقظت على صوت شخص ينادى من خارج الخيمة... لا أخفي عليكم لقد شعرت حينها بفزع رهيب حملت بندقية الصيد، عندما شاهدت صديقي مستغرقين في النوم أيقظت عادل الذي كان نومه خفيفا جداً، أما هاني فقد كان يحتاج إلى مجهود كبير حتى يستيقظ، رأيت الدهشة على وجه عادل عندما شاهدني حاملا البندقية، سألني بصوت لم يستطيع إخفاء الارتجاف: ماذا حدث؟ قلت له أن هناك شخصا ينادي من الخارج... خرجنا بسرعة بتلك المصابيح الكهربائية القوية التي تشتغل بالبطاريات وقمنا بفحص كامل للمنطقة، ولكن لم نجد أحدا... ركبت في السيارة وقمت بدورة كاملة بضوء السيارة ببطء ولكن لا شيء... المكان كان منبسطا والجبال لازالت بعيدة بحوالي 2 كيلومتر، ولن يستطيع أحد أن يختبئ ولا نشاهده على مصابيح السيارة القوية حيث كانت أنوارها تمتد إلى مسافة طويلة جداً، راودني ذلك الشعور المبهم بأن هذه الرحلة سوف تقع فيها أحداث مثيرة، حبي للمغامرة... تلك النشوة التي كنت أشعر بها إزاء تلك الأحداث كانت تقابل ذلك الشعور... عدت إلى الخيمة لأجد أن هاني قد أستيقظ وذلك أغرب ما يكون، ربما كان هو أيضا قلقا لا أدري، سألني عادل أخبرته أني لم أرى أحدا، فقال: هل أنت متأكد من سماعك لصوت أم هو مقلب من مقالبك؟ أكدت له أني سمعته بوضوح ومن مسافة قريبة جداً، قال أنه ربما كنت أحلم عند ذلك انتبهت إلى الشحوب الشديد على وجه هاني فشعرت أنه قد حدث معه شيء، سألته: ما بك يا هاني؟ قال: هل هناك مقلب مدبر بالخصوص؟ أقسمت له أني لم أدبر وعادل أي مقلب، عند ذلك اشتدت رجفة المسكين وقال: ولكن أحدا كان يهزني بقوة، اعتقدت أنه أنت أو عادل... انفجرت كلمات هاني بيننا، بعد ذلك هرب منا النوم، ساعات بسيطة كانت تفصلنا على طلوع الشمس، قررنا أن نكملها في الحديث.
تم إعداد الشاي، وبعد قليل عادت الوناسة وانطلقنا في الأحاديث واعتبرنا أن الموضوع نوع من الإيحاء الذي صورته لنا أنفسنا بسبب رهبة المكان، وأقنعنا أنفسنا بذلك وقررنا أن ندخل إلى أعماق الجبال في اليوم التالي، ولم نكن ندرى أن هذه الأحداث هي البداية فقط لبقية الأحداث الرهيبة.
 
يا الله او من بعد واش صرا
 
لا.... لا يمكن أن يكون ذلك، لقد أطلقت العنان إلى خيالي الجامح فبدأ يصور لي أشياء هي ضرب من الخيال ولا تحدث إلا في أفلام الرعب فقط ... أفكار مثل لون الغربان كانت تدور في رأسي...
-لماذا يحدث معي كل ذلك الشعور المبهم بالقلق الذي لم يغادرني؟
-من هو وحيد هذا؟ هل قصته التي رواها صحيحة؟
لا لا... ليست صحيحة، شيء في أعماق نفسي كان يقول ذلك، لا يمكن أن يكون هناك ذئب واحد... لو أنه هاجمه ذئب لكان معه قطيع من الذئاب، ولو هاجمه قطيع من الذئاب فلن ينجو أبداً، وشيء آخر: نحن لم نسمع صوت الذئاب... لو كانت هناك ذئاب لسمعنا صوتها، فصدى الصوت كان قويا في الجبل... من يكون يا إلهي؟؟
سؤال حيرني ولم أجد له جوابا... صوت الغربان عاود من جديد، حيث كانت تمر من فوق الخيمة وهي تطلق ذلك النعيق المفزع الذي يثير الرعب... آه، لقد رأيت الغطاء يتحرك من فوق وحيد وكأنه كان يرتجف، لا أدري ربما يكون قد أصيب بصدمة... كنت متأكدا أن هاني وعادل لم يناما بعد... لم أكلمهما حتى لا أثير قلقا آخر في نفسيهما... ما أطول هذه الليلة التي لم تنتهي... كم هو مرعب الليل بصمته وظلامه... عالم غريب هذا العالم المظلم، يثير المخاوف ويتحرك فيه الرعب والأشباح... لا أخفي عليكم... لقد كنت خائفاً وكنت أنتظر بزوغ الشمس بنورها الذي يبعث الطمأنينة في النفوس، لم يتوقف عقلي عن التفكير ولا أدري هل أنا في عالم اليقظة أم في عالم الأحلام... كم استمر من الوقت؟ لقد سمعت صوت نعيق غراب وصوت رفرفة جناحيه، لا أدري متى سمعتها فقد اختلطت اليقظة بالمنام واستسلم جسدي المنهك إلى عالم النوم، ذلك العالم الغريب العجيب وما أكثر هذه العوالم التي تقع في عالمنا، فتحت عيني لأجد أن الشمس قد أشرقت بنورها القوي الذي يبدد كل المخاوف والوساوس، نظرت إلى الساعة في يدي فوجدت أنها العاشرة... ياه... لقد تأخرنا وأخذنا النوم، هاني وعادل كانا لا يزالان نيام ولكن وحيد لم يكن موجودا، أيقظت هاني وعادل فاستيقظوا على الفور، سألتهم عن وحيد ولكن لم يكن لديهم جواب، خرجت خارج الخيمة... بحثت عنه... لم يكن له أثر... لا شيء... ناديته، ولكن لم يجبني غير صدى الصوت المرتد من أعالي الجبال...
- متى ذهب؟
خرج هاني وعادل لتفقد السيارات وأغراضنا، فقد كان اختفاء وحيد المفاجئ يثير موجة كبيرة من الشكوك ولكن، كانت أغراضنا موجودة كلها ولم نفقد أي شيء. قمنا بتجميع أغراضنا استعدادا لرحلة الاكتشاف ووزعت الأعمال: كان على عادل إعداد الإفطار، وعلى هاني تجهيز حقائب السفر وإعداد ما يلزم من التموين، وكان علي أنا أن أوضب الأغراض، قمت بعملي بسرعة فوضبت فراشي وفراش هاني وعادل وجاء الدور على فراش وحيد... حيث كانت أكبر مفاجأة عندما وجدت شيئا لا يخطر على بال أحد... شيء أثار دهشتي وخوفي...
 
بكل المعايير والمقاييس ونواميس الكون كان ما وجدته شيء لا يصدقه العقل، شيء أغرب من الخيال وأغرب من الغرابة وأغرب من التصور ولا يمكن أن يحدث في الواقع، لقد وجدت ريشا أسود وعليه بعض أثار الدماء، كانت مفاجأة مذهلة، مفاجأة ارتجفت معها أوصالي واهتز لها بدني، ما هذا العبث الشيطاني؟ هل نحن على أرض الواقع ؟؟ هل ما يحدث واقع ؟؟ أم أننا نعيش أجواء ألف ليلة وليلة... لا لا يمكن أن يكون ما يحدث حقيقة... إنه بلا شك أحد الكوابيس التي كانت تراودني في الفترة الأخيرة... كانت الدهشة والإضطراب من نصيب هاني وعادل عندما شاهدا الريش الأسود... كانت الصدمة تكون أقوى وأكبر لو أننا شاهدنا ذلك بالليل ولكن الشمس القوية وضوء النهار كان له وقع خاص، وكان يبث نوعاً من الشجاعة التي تغادر مع رحيل النهار، وانطلق عقلي بأقصى سرعة يبحث عن تحليل منطقي.
إذا ربطنا الأحداث يكون الغراب الذي رأينا الغربان تطارده هو نفس الغراب الذي التجأ إلينا ووقف فوق الخيمة، وبذلك يكون الغراب هو وحيد وقد تحدث عن قبائل من الجن تسكن الجبل ربما يكون جنيا؟ لا لا لا لا لا يمكن أن أصدق ذلك أبداً، لابد أن يكون هناك شيء أخر... كانت الأفكار تعصف برأسي، ومثلما كانت هذه الأحداث تدور في رأسي كانت تدور في رأس هاني وعادل، عندما قال هاني:
- ألا يمكن أن يكون وحيد هذا من أعضاء عصابات التهريب الحدودية وأنه قد تشاجر مع زملائه أو هناك تصفية ما بينهم؟
- ربما كان ضوء النهار مشجعا على أن نقبل بهذا التفسير ولكن ما الذي أحضر الريش؟ رد عادل، ليجيبه هاني مجددا:
- ربما كان الريش معه لأي سبب من الأسباب،
فتصادف وجود ووقوع كل هذه الأحداث في أعماقي... لم أكن مقتنعا بكلام هاني، لقد سمعت صوت أجنحة الغراب وسمعت صوته عندما كنت نائما، شيء غريب هذا الذي يحدث، ولكن سبق وقلت أن المخاوف والوساوس تتبدد في ضوء النهار ويا سبحان الله... الليل له رعب خاص بذلك الظلام الغامض.
إنتهينا من توضيب أغراضنا ومن تناول وجبة الإفطار، هاني اقترح بعد الانتهاء من رحلة اكتشاف الكهوف أن نغير مكاننا تحسبا لأي طارئ في حالة أن يكون وحيد هذا ينتمي لأي عصابة من عصابات التهريب، كانت فكرة منطقية أن بعثت من عقل أمني، وزيادة في الحرص إتفقنا على أن نخفي السيارتين التي ربما تكونان هما المستهدفتين إذا كان هناك عصابات في الجبل... عند هذه النقطة قمنا بفك الخيمة ووضع كل الأغراض بالسيارة، وأجريت فحصا كاملا للمنطقة بواسطة ذلك المنظار المقرب، كانت الجبال صامتة هادئة... الغريب أنه لا أثر للغربان، مفاجأة أخرى كانت في انتظاري... لقد تعودنا على المفاجآت في هذا الجبل، كانت العلامات التي كنت أضعها على الطريق - وهي عبارة عن خشبة بطول نصف متر بها عاكس ضوئي - كلها مكومة على بعض ومرمية على مسافة بسيطة من مكان الخيمة، من فعل ذلك يا ترى ؟؟ لقد انقلبت الموازين والخطط، عند هذا الحد اتخذنا قرارا بالمغادرة فكل هذه الأحداث كانت لا توحي بالطمأنينة، قمنا بفحص المنطقة حيث وجدنا العلامات المكومة للبحث عن أثار أقدام بشرية ولكن ما عثرنا عليه كان أعجب... فقد عثرنا على آثار أقدام طيور... لربما تكون الغربان؟؟؟ لقد استيقنا أن هناك شيئا ما يحدث في هذا الجبل، فكل الأحداث التي وقعت كانت تؤكد أن هناك شيئا يحدث... قررنا المغادرة الفورية.
ذلك الصراع الخفي داخل نفسي... الصراع الذي يدفعني إلى حب المغامرة والاكتشاف كان يطالبني بزيارة الكهوف واستكشافها، لم أستطع أن أقاوم طويلاً، عرضت الفكرة على هاني وعادل.. الغريب أنهما وافقا على شرط المغادرة بعد ذلك على الفور... تشابه الأفكار بيننا هو ما أنشأ وقوى أواصر الصداقة. كانت الكهوف تبعد مسافة، فذهبنا بالسيارات على أن نتوقف في أقرب نقطة ونواصل المسير على الأرجل... التسلق كان صعبا وأشعة الشمس كانت حارقة ورغم ذلك واصلنا الصعود بتلك الحقائب التي تحوي أغراضنا الخاصة.
منظر الكهوف كان جميلاً جداً التقطت له عدة صور، اقتربنا من أحد الكهوف الجانبية التي كانت تحيط بالكهف الكبير الذي شاهدنا به الغربان، لقد كان مدخل الكهف عاديا... دخلنا الكهف الأول الجانبي لم يكن كهفا كبيرا... كانت مساحته حوالي أربعة أمتار مربعة، يشبه حجرة صغيرة، لا يوجد في داخله شيء ولا حتى آثار أقدام، إلتقطنا بعض الصور وغادرنا واتجهنا إلى الكهف الأخر، الكهوف كان عددها تسعة، يتوسطها ذلك الكهف الذي شاهدنا الغربان تدخله وكان يقع أعلى من بقية الكهوف الأخرى بمسافة، دخلنا إلى الكهف الثاني الذي كان لا يختلف عن الأول في شيء سوى الحجم، فقد كان أكبر قليلأ ولا يوجد به أي أثر، الثالث كان كالثاني...
واصلنا اكتشاف الكهوف، وكلما ندخل كهفا لا نجد بداخله شيئا حتى وصلنا إلى الكهف السابع... حيث لم يتبق إلا ثلاث كهوف: إثنان بالأسفل والثالث هو الكهف الكبير... وعندما دخلنا إلى الكهف السابع!!!
 
كان الكهف السابع عبارة عن نفق طويل بارتفاع ثلاثة أمتار تقريباً، ضوء الشمس كان ينير بدايته فقط، أما في الداخل فقد كان مظلما... ورغم حرارة الجو في الخارج، إلا أن ذلك الكهف الذي يشبه النفق أو السرداب كان بارداً... كنت أتقدم هاني وعادل وقد أشعلت ذلك المصباح الكهربائي القوي، كان النفق يمتد أمامنا لمسافة طويلة، وذلك المصباح اليدوي القوي يشق الظلمة... لا وجود لشيء غير عادي سوى انحدار الكهف إلى أسفل... كان هاني يفحص الجدران ويدق عليها وكأنه يبحث عن شيء قد خبأه فيها...
هناك شيء ما ؟؟ لا بد أن يكون هناك شيء ما ؟؟ ذلك الشعور الغريب كان ينبئني أن هناك خطبا ما داخل هذا النفق الغريب؟؟ أشعر أنني قد دخلت إلى هذا المكان من قبل... لا أعرف متى ولا كيف ولكني أشعر بذلك! والحقيقة التي لا أستطيع أن أنكرها وأصارح بها نفسي حتى وإن أخفيتها عن صديقي هي أنني كنت أشعر بالرعب... أنا لا أحب الأماكن المغلقة المعتمة وهي عقدتي منذ الطفولة، كانت رجفة تعتريني عندما لاحظت أن النفق امتد إلى مسافة حوالي أربعين مترا... عندها توقفت وقلت لهم:
ـ لن أستمر فربما ينقطع الأكسجين ونحن لا نعرف إلى أين يؤدي ذلك النفق؟
هاني الذي كان يهوى الإكتشاف إلى درجة التضحية قال:
ـ نستمر قليلاً فقط...
هو لم يخفى شعوره بالخوف، فقد كانت نظرته توحي بذلك، أما عادل فقد قال أنه يشعر بالرعب من هذا النفق، والحقيقة أنه لا يستطيع أحد أن يلقي علينا باللوم لشعورنا بالخوف بعد ما مر بنا من الأحداث الغريبة، ولكن احتراما لرغبة هاني قررنا أن نستمر قليلاً.
شيء واحد تغير في النفق، فقد كان يتسع كلما تقدمنا، إلى أن وصلنا إلى حجرة كبيرة جداً، كانت نهاية النفق... مساحتها حوالي عشرة أمتار مربعة، وارتفاعها حوالي خمسة أمتار... حجرة وكأنها قد نقشت في الحجر على أيدي أكبر المهندسين، أدرت نور المصباح في فحص شامل: تقريباً لا شيء... شيء واحد فقط... لقد شاهدنا عدداً كبيراً من الثقوب الكبيرة وهي في أعلى تلك الحجرة... ثقوب يصل قطرها إلى حوالي المتر والنصف ولكنها كانت مرتفعة، لن نستطيع الوصول إليها إلا بواسطة حبل... وغير ذلك لا يوجد شيء... شعرت بالارتياح لانتهاء ذلك النفق، لأني كنت تواقا للخروج إلى حيث الأشعة القوية التي تتبدد فيها الوساوس وتقهر فيها الأشباح ويغادرك الرعب.
انتهى هاني من فحصه الذي يقوم به وكأنه خبير جيولوجيا، وفي الحقيقة كنا نعلم أنه كان يطمح في الحصول على كنز أو أي شيء غريب ومميز...
ـ لا يوجد شيء،، قالها هاني بحسرة،، يا ليتنا أحضرنا الحبال ودخلنا إلى تلك الثقوب... تنهدت بارتياح وحمدت الله أننا لم نحضرها معنا وإلا لانقطعت أنفاسي قبل أن ندخل إلى تلك الثقوب اللعينة التي لا نعرف ماذا تخفي في داخلها... عدنا إلى النفق في طريقنا إلى الخارج، عندما... " قاق قاق قاق " انطلق ذلك الصوت الغاضب القوي لغراب.... لا ندري من أين جاء الصوت ولا من أين أتى، ولكنه كان صوتا قويا تجاوبت معه تلك الغرفة الكبيرة وجدران النفق... صوت جف معه اللعاب واندفعت الدماء إلى رؤوسنا وارتجفت له قلوبنا وارتعشت له أوصالنا فلم نكن نتوقع ذلك، لم نكن نتوقع أن ينطلق ذلك الصوت بهذه القوة أبدا، لم تعد ساقينا قادرة على حملنا ومع ذلك... ومن هول المفاجأة وجدنا أننا قد اندفعنا بسرعة في الطريق إلى الخارج، حتى وإن لم نسمع أنه هناك غراب غاضب فالصوت الذي سمعناه لن يختلف اثنان على نبرة الغضب التي يحملها، هل دخلنا إلى بيوت الغربان؟؟؟
بعد ذلك الذي سمعناه، انطلقت عدة أصوات للغربان بذلك الصوت البشع وسمعنا حركة أجنحتها، فما كان منا إلا أن أطلقنا ساقينا إلى الريح... لنجد مفاجأة أخرى في انتظارنا!! فقد وجدنا أن النفق يتفرع إلى طريقين، توقفنا عند ذلك، قال هاني:
ـ أقسم أن هذا النفق الثاني لم يكن موجوداً، فقد كنت أتبع الجدران وأدق عليها ولم أشاهده...
أي عبث شيطاني هذا الذي يحدث، ما هذا الكهف الملعون الذي دخلنا فيه؟ كنا أمام طريقين متشابهين وكنا في حالة شنيعة من الرعب يا إلهي... ما الذي أحضرنا إلى هذا المكان الملعون؟ ولماذا وافقت على دخوله؟ لو أن شيئاً حدث لنا فلن يتم العثور علينا قبل عدة شهور، هذا إذا تم العثور على جثثنا، ألم يكن من الأفضل رحيلنا بدل هذه الورطة التي وضعنا فيها أنفسنا؟ ماذا نفعل إذا هاجمتنا الغربان؟ صحيح أنني لم أسمع قط بغربان تهاجم البشر، لكن نحن لا ندري أي نوع من الغربان هذه التي تسكن الكهوف... هذا إذا كانت غربانا أصلاً .
لحظات بسيطة توقفناها وكان لابد من اتخاذ قرار للسير في أحد الطريقين وكل واحد كان ينتظر أن يكون القرار من الآخر، لكن صوت الغربان لم يترك لنا مجالاً للتشاور، فقد اقترب صوتها...
 
أصوات كثيرة كنا نسمعها، أصوات أجنحة ونعيق وجلبة وكأنها لعدد هائل من الغربان، يا إلهي أين كانت تختبئ كل هذه الغربان وما قصتها؟ وما الذي أثار غضبها إلى هذه الدرجة؟
نحن لم نفعل شيئا يؤذيها. طوال حياتي كنت أعرف أن الكهوف لا تسكنها إلا الخفافيش ولم أسمع قط بغربان تسكن الكهوف، لا يمكن أن تكون هذه غربان عادية، أيعقل أن تكون أشباحا في صورة غربان؟؟؟
ألم أجد ريشا أسودا في فراش وحيد؟؟
ريش غراب، ريش به آثار دماء، لقد كان وحيد جريحا، أيعقل أن يكون أحد الغربان السوداء؟
لم أكن أحلم عندما سمعت صوت ذلك الغراب، لقد كان ينطلق من داخل الخيمة ومن فراش وحيد بالتحديد، ما الذي دفعني إلى الموافقة على هذه المغامرة المرعبة...
لقد سمعت قصصا عديدة عندما كنت طفلا من جدتي عن أناس من الأفارقة يتحولون إلى قطط وكان ذلك لإخافتنا فقط حتى لا نغادر المنزل بالليل، لكن الموضوع ليس مجرد حكايات وخيال جامح، ها نحن على أرض الواقع نتصادم مع أغرب أحداث خيالية لا يمكن أن يصدقها عقل.
لم أترك مجالا لعقلي في التفكير ولم أمنحه فرصة للتردد، فقد كان الوقت ضيقا وصوت الغربان يقترب، اندفعت في أحد الممرين بسرعة كبيرة واندفع ورائي كل من هاني وعادل وكأنهما كانا ينتظران هذه اللحظة، كنا نجري داخل النفق ولم يتجرأ أحد على الإلتفات إلى الخلف من الرعب والخوف والرهبة والفزع وكل هذه الأسماء التي أطلقت على شعور واحد، وهو الذي كان يسيطر علينا ولذلك... لم نلاحظ أن الممر يختلف عن الممرالذي دخلنا منه، كان تارة ينحدر إلى الأسفل وتارة ينعطف ويدور بشكل حلزوني، ورغم ذلك كانت سرعتنا تزيد وأنفاسنا تتلاحق وقلوبنا تدق بسرعة، ومن أمامنا انعكس ضوء المصباح عن الصخر الذي أعلن نهاية النفق، كانت المفاجأة مذهلة والصدمة قوية ورغم ذلك لم نتوقف عن الركض... وفي جزء من الثانية وعلى ضوء المصباح الذي كان يرتفع وينخفض بسبب الركض وحركة اليد، شاهدت ذلك النتوء في الأرض في نهاية النفق، كان التوقف من أصعب الأمور، لكن رغم ذلك توقفت وأنا أفرد ذراعي لهاني وعادل بإشارة واضحة للتوقف، وكان لابد من ذلك، فالنفق كان مسدودا أو هي نهايته، لكن النتوء الذي رأيته كان عبارة عن حفرة في نهاية النفق تنحدر إلى أسفل، تم تسليط نور المصباح عليها لنجد أنها قد نحتت لها درجات في الصخر... لا يوجد بديل ونحن لا نعرف إلى أين تؤدي تلك الحفرة، ولكن... قضاء أهون من قضاء ولا حل آخر، وبدون تفكير نزلنا مع الدرجات، لا يمكن أن تكون الطبيعة هي التي فعلت ذلك، هذه الدرجات قد تم نحتها ربما في أحد العصور الحجرية القديمة عندما كان الناس يسكنون في الكهوف... المهم أننا نزلنا، كانت الدرجات تؤدي إلى حجرة كبيرة وكان هناك نفق آخر، الغريب في الأمر أننا انتبهنا لشيء كنا قد غفلنا عنه، وهو أن صوت الغربان قد خف وصار يبتعد ويبتعد ولم نعد نسمع شيئا، وعاد الصمت يخيم على الكهف وسراديبه... الصمت المخيف الذي زاد من الرعب.
ما الذي أوقف الغربان وأين ذهبت؟؟؟ وما هذه الحجرة التي دخلنا إليها؟؟ وإلى أين يؤدي ذلك النفق المتفرع منها؟؟ أسئلة تدور في عقولنا وتبحث عن إجابة، لو أنه كان هناك مقياس يقيس الرعب لسجل أعلى درجة، إختلطت علي الأمور، مكان مغلق ومعتم وهي عقدتي منذ الطفولة، إضافة إلى تلك الأحداث المرعبة والأهوال التي كانت تبرز لنا في كل خطوة منذ بدئنا هذه الرحلة المشؤومة، لقد عاهدت نفسي أني إذا خرجت سالماً من هذا الكهف أن لا أدخل أي كهف مجدداً مهما كانت الظروف والأسباب.
صمت يطبق على الكهف، لا تسمع سوى دقات القلوب المذعورة، ألسنتنا لا أعرف أين هي لقد عقدها الخوف، ولكم أن تتخيلوا الموقف: كهف لا نعرف مخرجه وفى باطن الأرض وتطاردك فيه الأشباح.
- ماذا نفعل؟؟ انطلقت من حنجرة عادل المذعورة فجاء الصوت مرتجفا ولكنه شق جدار الصمت، قلت لهم:
- لا أدري لقد علقنا داخل الكهف، الغربان تقطع علينا خط الرجعة ونحن لا نعرف إلى أين يؤدي هذا النفق، وما الذي ينتظرنا في داخله؟
- إذا كانت الغربان من الأشباح فلماذا توقفت فجأة؟ ما الذي جعلها تتراجع وتتوقف عن مطاردتنا؟؟
- ويا ترى هل كانت تطاردنا؟؟ أم أنها هي الأخرى مذعورة؟
لا لا لا أدري، هناك ما يحيرني وهو أن الغربان تسكن في كهف، هذه حكاية لا يصدقها عقل... لا شك أنها أشباح جلست على الأرض منهكة القوى من ذلك المجهود.
حذا عادل وهاني حذوي بالجلوس، قلت لهما: يجب أن نهدأ حتى نستطيع التفكير بهدوء ونجد حلا لهذه الورطة التي أوقعنا أنفسنا فيها، لنرتب الأحداث ونقرر ماذا نفعل.
وجودنا مع بعض كان له أثر جيد في بث القليل من الطمأنينة والقليل جداً من الشجاعة، ولكن ... يأبى الرعب أن يتركنا، فقد سمعنا ذالك الأنين... أنين شخص يتألم ينبعث من ذلك الممر... وكأن أجسامنا تعودت على الرعب وقلوبنا على الدق... لقد وقعنا بين المطرقة والسندان: نفق يؤدي إلى الغربان ونفق يؤدي إلى الأنين. عند هذه النقطة اتخذت قرارا بيني وبين نفسي ثم أخبرت به صديقي...
 
كان قراري غريبا ولم أتوقع بيني وبين نفسي أن أتخذ مثل هذا القرار، لقد قلت لهاني وعادل أني سوف أذهب لأكتشف من أين يأتي صوت الأنين وعليهما انتظاري في نفس المكان... لا أدري لم اتخذت هذا القرار؟ ربما لأظهر شجاعتي... لا أدري؟ ولا أخفي عليكم أني شعرت بالندم على هذا القرار وتمنيت أن لا يوافق عادل وهاني على ذلك، لكني لم أجد معارضة منهما، المسكينان... لقد أنهكهما الخوف والتعب وكان كل همهما أن نجد مخرجا من هذه الورطة، ولكن... كيف لي أن أذهب وحدي وأنا من يخشى العتمة والأماكن المغلقة، لقد اتخذت قراراً وكان من المخجل أن أتراجع في كلامي، رغم الموجة العاتية من الرعب التي اعترتني عندما فكرت في دخولي إلى مصدر الأنين... لا مفر... كان لا بد لي أن أنفذ ما طلبته بنفسي، قلت لهما أن لا يتحرك أحد منكما من هذا المكان إلى حين عودتي، وإذا مرت ساعة ولم أرجع عليكما التصرف ومحاولة العودة.
عند هذا الحد انطلقت نحوالنفق وأنا خائف أن يلمح أحدهما ارتجاف قدماي اللتين كانتا ترتجفان من الخوف، كان النفق لا يختلف عن الأول من حيث ارتفاعه وعرضه، كنت أتقدم ببطء بعد أن ابتعدت عن صديقي، أسلط ضوء المصباح على جدران النفق للتأكد من عدم وجود نفق أخر قد يجعلني أتوه في طريق العودة، لقد توقف صوت الأنين! لم أعد أسمعه، حوالي عشرين مترا تقدمتها، عندما انعطف النفق وسمعت صوت الأنين من جديد، واضح أنه شخص يتألم ولكن صدقوني لم أعد أعلم من أين يأتي الصوت، لقد كنت أسمعه من الأمام ولكن الآن أسمعه من الخلف من ناحية هاني وعادل... هذا الكهف يعج بالعفاريت لا شك في ذلك وإلا ما الذي يحدث؟ عادت الأفكار السوداء تحوم فى رأسي، ما الذي يحدث إذا نفذت بطارية المصباح؟؟؟ سوف تكون الطامة الكبرى: ظلام زائد أشباح زائد متاهة... يا للهول، لقد لعنت الساعة التي وافقت فيها على خوض هذه الرحلة... كانت هذه الأفكار تحوم برأسي وأنا لا زلت أتقدم، فجأة... سمعت نعيق غراب وصوت أجنحته... كاد أن يغمى علي من الرعب، ولكن الصوت ابتعد، ومن بعيد شاهدت ضوءً خافتا، أسرعت الخطى نحوه، فليس هناك أروع من مشاهدة ضوءٍ وأنت في كهف مظلم.
وجدت أن النفق ينتهي داخل شبه حجرة كبيرة، ومن نهايتها كان ضوء الشمس... لا أخفي عليكم: كانت الفرحة أكبر من التصور وأكبر من قدرتي على الكلام لأعبر عنها... كانت فرحة النجاة من الموت، ولكم أن تتخيلوا ذلك... بكل لغات العالم كانت الفرحة هي الفرحة؛ ذلك الشعور الرائع الذى يقفز بك الى عالم السعادة المطلقة.
ركضت إلى خارج ذلك الكهف لأجد مفاجأة أخرى! لقد وجدت أنني قد خرجت من الكهف الثامن، لا أعرف كيف حصل ذلك، ولكن الواضح أن الكهفين السابع والثامن يتصلان مع بعضها، وليس غريبا أن يكون الكهف التاسع الذي رأينا الغربان تدخله هو أيضاً متصل معهما؛ المهم... لو أن هناك وسيلة لأحتضن أشعة الشمس لفعلت من فرحتي بها، فهي قاهرة الأشباح دون منازع، فرحتي بالنجاة وخروجي من عقدتي في الأماكن المغلقة أنستني عادل وهاني... لا أخفي عليكم، لقد نسيتهم للوهلة الأولى ـ وأتحدى أي شخص مر بمثل هذا الحدث أن لا يفعل ـ
عندما تذكرت صديقي توقف تفكيري، وعندما تذكرت أنه علي العودة إليهما، أصابني مثل التيار الكهربائي من هول الفكرة... أنا ما صدقت أن أخرج... يا إلهي كيف أعود هناك؟؟ وهنا خطر في ذهني مباشرة المثل الذي يقول أنه ليس في كل مرة تسلم الجرة، وقفت داخل ذلك الكهف المشؤوم وناديت بأعلى صوت: عااااااااااااد~~~~~~~ل هاااااااانيييييييي، ولكن لم أسمع سوى صدى صوتي يرتد من داخل النفق وكأن الأشباح تطارده، لا يوجد حل بديل... كان لا بد أن أدخل مرة أخرى لأجلب صديقي الذين لا بد أن يكون الرعب قد أخذ منهما كل مأخذ.
ذكرت الله ودخلت، استمريت في المسير في نفس الطريق التي جئت منها، كنت أصرخ عااادل هانيييي وكان ذلك يبث نوعا من الشجاعة، خاصة أنني وجدت المخرج بعد مسيرة عشر دقائق تقريباً. بسرعة كبيرة وصلت إلى مكان صديقي، ولكن لأجد صدمة أخرى ومفاجأة لم أكن أتوقعها... لقد وجدت مكانهما خاليا... وهذه كانت المصيبة والطامة الكبرى فى نظري... فحصت مكانهما لأجد آثار دماء على الأرض، كاد أن يغمى علي من هول ذلك، أين ذهبا وماذا حدث لهما؟ هل هاجمتهما الغربان ياترى؟؟ لقد ناديت الى أن بحت حنجرتي ولكن لا حياة لمن تنادي... لم أعد أسمع لا صوت غربان ولا أنين إنسان... صوت الصدى فقط ما كنت أسمعه... كدت أجن... هل أصابهما مكروه؟؟ لقد تعرضا لهجوم من شيء ما... لا لا لا يمكن أن تكون الغربان... لم أسمع قط عن غربان تهاجم البشر! أيمكن أن تكون هناك حيوانات مفترسة داخل الكهف؟؟ لا لا أعتقد... لم نسمع صوتها... نظرت إلى ساعتي... ياااااااه
 
طلع عليه النهار كان راقد ........ما تقوليش منام برك
 
لقد نظرت إلى ساعتي لأكتشف أنه قد مرت أكثر من ساعتين ونصف على موعدي الذي حددته لهما...
هل من المعقول أن يكونا قد عادا؟؟
أيعقل أن يتركاني؟؟
ألم أطلب منهما ذلك؟؟
ألم أقل لهما إذا مضت ساعة ولم أرجع عليكما المغادرة؟؟
ولكن أقرب احتمال أن يكونا قد تبعاني ولا يمكن أن يكونا قد عادا أبدا، أنا أعرفهما جيدا لن يغادرا أبدا بدوني... صحيح أن المسألة مسألة حياة أو موت داخل هذا الكهف، وكل المثاليات قد تختفي في ظل هذا الكم الهائل من الرعب وهذه الأحداث الغريبة، التي لم يخطر على بالي أن يأتي يوم تحصل معي فيه مثل هذه الأحداث... كنت حائرا وتائه... حالتي العصبية سيئة جدا... هذا الكهف الغريب يوشك أن يصيبني بانهيار عصبي، ماذا أفعل وأين أبحث عن صديقي يا ترى؟؟
تفكيري مشوش ولن أستطيع أن أفكر في مخرج أو حل لهذه الورطة التي وضعت نفسي فيها، المصباح نوره يخبو... أخرجت بطارية أخرى من حقيبتي التي كنت أحملها على ظهري واستبدلتها... كانت أشد لحظات الرعب عندما أطفأت ضوء المصباح وسادت العتمة المكان، كانت أصابعي ترتجف، فقد كنت أخشى العتمة التي لا يوجد بها أي بصيص من النور... كنت أشعر بذلك الكهف وهو يطبق على ضلوعي... مرت اللحظات مرعبة، وعندما وقعت البطارية على الأرض كدت أجن، وجثوت على ركبتاي أتلمس الأرض حتى وجدتها بأصابع ترتجف، كانت أصعب لحظات عصيبة مرت بي طوال حياتي... خيل إلي أن هناك أيدي امتدت في الظلام لتخنقني... وشعرت بالاختناق... وخيل إلي أن دهرا كاملا قد استغرقته في تركيب البطارية... عندما أنهيت وأشعلت المصباح كنت في حالة يرثى لها... صوت غراب يأتي من بعيد من أعماق الظلمة، غراب يرفرف بجناحيه، التصقت بجدار الكهف وكأني أحتمي به... كيف لهذا الغراب أن يرى في الظلمة؟؟ أمور وأحداث لم يعد عقلي يستوعبها.
ومن بعيد ومن آخر نقطة يصل إليها ضوء المصباح، شاهدت ذلك الكيان... ماذا أقول؟؟ وكيف أصفه؟؟؟ دقات قلبي واندفاع تلك الكمية الهائلة من الدماء إلى دماغي كادت أن توقفه عن العمل، وقلبي المسكين... لقد أنهكه الرعب وسوف يتوقف لا محالة. هناك في أعماق النفق وفي قلب الظلام، كان ذلك الكيان واقفا... شيء أسود... قطعة من الظلام الحالك تمتص الضوء... كان يشبه بقوامه إنسانا واقفا... ولكن المرعب والمفزع والمخيف هي تلك العيون الحمراء الملتهبة التي كانت تعتلي ذلك الكيان. لا أخفي عليكم، لم تعد قدماي قادرة على حملي فوقعت على الأرض، هذه العيون... لقد رأيتها من قبل في حلم سابق، لقد كانت عيون كلب يمتطيه طفل ... لحظات وقف فيها ذلك الكيان، لقد رمقني بتلك النظرة النارية الملتهبة التي تجمد الدماء في العروق... لحظات خيل لي فيها أني قد انتهيت... لقد تذكرت صديقي وآثار الدماء التي وجدتها، لاشك أن هذا المخلوق الغريب هو من هاجمهما... كنت أحمل مسدسا ولكن لم أستطع إخراجه ولا استعماله... كان رعبي وخوفي أكبر من أن أستطيع فعل ذلك... أن أخرج مسدسا وأطلق النار على كيان لا أعرف عنه شيئا... لا لن أستطيع ذلك أبدا أبدا.
لحظات... كان فيها ذلك المخلوق يرمقني بتلك النظرة التي أقسم أن أشجع الشجعان تصيبه بذعر لا حدود له، لحظات بسيطة خيل لي بعدها... أني رأيته يستدير ويدخل في الجدار... جدار الكهف... لحظات لن أستطيع التعبير عنها... لحظات يعجز العقل أن يحولها إلى كلمات... رعب... رعب... فزع... فزع... خوف... رهبة... لم أعد قادرا على الوقوف، ربما ذلك كان بداية الانهيار العصبي، لا أدري؟؟ استجمعت بعض قواي، وأطلقت أشعة المصباح القوي مرة أخرى إلى حيث كان يقف ذلك الكيان المرعب، لكن لم يكن له أي أثر، هناك مفتاح بالمصباح إذا أدرته يجعل نوره يتركز في دائرة صغيرة واحدة، وقد ركزت الضوء بعد تعديله على الجدار حيث اختفى الكيان، علني أجد تفسيرا في أن تكون هناك حفرة بالجدار يكون قد دخل إليها، ولكن... لاشيء... كان جدارا مغلقا... هل كان ذلك خداعا بصريا ناتجا عن حالة الرعب الهائلة التي مرت بي؟؟
لا لا... أنا متأكد... لقد رأيت هذا الشيء المرعب، حاولت أن أقف ولكن كانت ركبتاي عاجزتين عن الحركة وقواي قد خارت، استندت على الجدار... وبخطوات مرتجفة سرت في ذلك النفق على غير هدى، لا أعرف إلى أين ولكن... كنت أسير وحسب، قطعت مسافة بسيطة... حوالي 60 متراً عندما سمعت صوتا آخر مختلفاً... كان صوت صرخة بشرية... في هذه اللحظة وقع مني المصباح على الأرض لينقطع نوره وليغرق ذلك النفق في ظلام دامس، جثوت مرة أخرى أبحث عن المصباح ولكن لم أعرف أين وقع، زحفت على ركبتي في محاولة يائسة علني أجده... لكن كانت هناك غيبوبة تكاد تطبق على عقلي، كنت أقاومها، أقاوم حالة الإغماء والغثيان، فقد أخبرتكم في السابق عن عقدتي من العتمة والأماكن المغلقة، وقد اجتمعت كلها الآن إضافة إلى هذا الرعب.
لم أعد قادرا على الوقوف، لم أعد قادرا على رفع رأسي، وضعته على الصخر، صوت أرجل تركض يقترب ناحيتي، لقد سمعت ذلك واضح، لقد استسلمت... فقدان المصباح أصابني بحالة استسلام كاملة، الأصوات تقترب لا أدري أي نوع من الرعب يقترب ويقترب ويقترب...
 
مشكورة أختي misa rose على القصة
انا اندمجت فيها بزاف
 
إختلطت الأمور علي و لم أعد أدري ما الذي يحدث؟ الظلام وحالة الرعب والغثيان وأرض الكهف الصخرية غير المستوية التي كنت أستلقي عليها، كل هذه العوامل كانت تقودني إلى حالة فقدان الوعي الكامل، إضافة إلى هذه الأصوات التي كانت تقترب، أصوات جلبة وضوضاء تشبه صوت الركض، ما الذي يحدث في هذا الكهف الملعون؟ قلت في السابق أنه إذا كتبت لنا النجاة فلن أدخل أي كهف على الإطلاق مهما كانت الأسباب والظروف، ولكن الآن أجد أن الأمل بالنجاة قد تضاءل وشعرت بنهايتي !! التشبث بالحياة وتلك القوة الهائلة التي تكمن في أعماق أجسامنا أو عقولنا... لا أدري؟؟ القوة التي تجعلنا نتشبث بالحياة، لقد كان جسمي في حالة طبية سيئة جداً، ومع ذلك قاوم تلك الغيبوبة وانطلقت تلك القوة الكامنة في الأعماق، لتصدر أوامر التحرك إلى ذلك الجسم المنهك.
حاولت الوقوف فالتصقت بجدار الكهف، أردت أن أحتمي من ذلك الخطر الذي يقترب... استجمعت البقية الباقية من قوتي وأمسكت بقبضة المسدس... وقد قررت أن تكون نهايتي كبطل... وصممت على مواجهة الرعب القادم مهما كان نوعه، ومع اقتراب الأصوات... شاهدت بصيصا من النور... نور مصباح يرتفع وينخفض... واقترب النور... واقترب... واقترب... ودوت تلك الصرخة، ووقع بصري على الكيان القادم لينتفض قلبي بقوة ويرتجف... لكن هذه المرة... كانت رجفة الفرح... لقد كانت الصرخة من هاني الذي كان يمسك المصباح، عندما وقع بصرهما علي، كان المسكينان في حالة يرثى لها ولن أستطيع التعبير عن فرحتي وفرحتهما، فلم أعتقد أني سوف ألتقي بهما وهما على قيد الحياة... وجود ذلك الدم على الأرض كان أكبر دليل على حدوث مكروه، حوالي أربع ساعات فقط مرت على افتراقنا ومع ذلك... كان لقاؤنا لقاء من التقوا بعد سنوات عديدة، نور المصباح ولقاء صديقي واجتماعنا مرة أخرى مع بعض أنزل الطمأنينة في نفوسنا، حتى في ظل هذه الظروف السيئة.
جلسنا على أرض الكهف الصخرية وكأننا نجلس في أرقى حجرات الضيافة، كانت روح الوناسة والفرحة بلقائنا قد أنستنا الورطة التي وقعنا فيها، قلت لهما:
- ما الذي حدث لكما بعد أن غادرتكما؟ هيا أرووا لي ما حدث بالتفصيل وعندي ما أرويه لكما أنا أيضاً، ولكن دعونا نتحرك من هذا المكان فلقد وجدت طريقا للخروج من كهف المصائب، هذا الكهف المشؤوم، لاحظت وجود إصابة في رجل عادل... حيث كان سرواله به آثار دماء... أجلت السؤال عن كيفية إصابته إلى حين خروجنا من الكهف. وتحت أنوار مصباح هاني تم العثور على مصباحي اليدوي وتم إصلاحه، كذلك تم تغيير بطارية مصباح عادل وانطلقت الأضواء مرة أخرى قوية تشق ظلام الكهف... المصيبة الكبرى أنني لم أعد أعرف الإتجاه الذي رجعت منه يمينا أو شمالا... ففي هذا الكهف تنعكس كل الموازين العقلية...
اتخذت اتجاه اليمين وسرنا معه، عند ذلك تكلم هاني يروي ما حدث لهما قال:
- بعد مغادرتك بقليل سمعنا صوتا غريبا ينبعث من بعيد، صوت شخص ينادي في أعماق ظلام النفق، سلطنا الأنوار مع النفق ولكن لم نشاهد أحدا... واستمر الصوت... شخص ينادي بوضوح، الغريب في الأمر أننا لم نفقه كلمة واحدة من النداء، فقد كان يقول بوررردان أو بوررررنان، كان يكرر نفس النداء، فقال عادل: ربما هذا أحد التوارق وقد ظل في هذا الكهف وهذه كلمة تعني طلب النجدة، عندما ذكر التوارق تذكرت وحيد وذلك الغراب والريش الذي وجدناه على فراشه... أصابتني رعشة، فقلت له: ليس لنا دخل بأحد، سوف ننتظر عودة خلدون، ولكن الصوت اقترب واقترب حتى أنك تقسم أن الصوت ينبعث من مسافة العشرين مترا، ولكن ضوء المصباح لم يقع على أحد، ولقد ندمت على موافقتي أن تذهب وتتركنا، كيف نسمع صوتا دون أن نرى أحدا... لحظات بعد ذلك انقطع الصوت... ليقع الضوء على أبشع كيان شاهدته عيوننا... لقد كان شيئا مظلما يمتص ضوء المصباح... شيء له عيون نارية ملتهبة - عند ذلك أشتغل القاسم المشترك بيني وبين عادل... وهو قاسم الرعب المطلق - انطلقنا بسرعة، لكن شيئا ما أصطدم برجل عادل، فوقع على حجر مصقول من أرضية الكهف أصابه بجرح كبير، اندفعت الدماء على آثارها، لحظات بسيطة ووقف عادل لننطلق بعدها، وكلما توقفنا نستجمع أنفاسنا... رأينا ذلك المخلوق قادم ناحيتنا... فنعاود الركض إلى أن عثرنا عليك بالصدفة. وأنت ماذا حدث معك؟
رويت لهما الأحداث التي حصلت معي بالتفصيل، أعقب هاني أن هذا الكهف يرتبط مع بعضه، كان هاني يتكلم ولم أعد أسمع كلامه... فقد انطلق عقلي بعيدا بعيدا إلى عالم الأحلام... لطالما استيقظت من النوم وأنا أركض داخل كهف مظلم... لطالما استيقظت وشيء ما يطاردني... لقد شاهدت هذه الأحداث من قبل، صحيح أنني لا أذكرها عندما أستيقظ ولكن تظل آثارها قابعة في أعماق ذاكرتي... الآن وضحت بعض هذه الأحداث: أيعقل كل ما حدث؟؟ أيمكن أن يكون واقعا؟؟ ألا يجوز أن يكون كل هذا مجرد وهم؟؟ ألا يجوز أن يكون كل ذلك مجرد حلم؟؟
ولكن ألم أشاهد ذلك الكيان الغريب الذي وصفه هاني بنفس الوصف!! لطالما سمعت أن العفاريت لا يشاهدها إلا شخص واحد ولا يمكن أن تشاهد من قبل شخصين، ولكن هاني وعادل شاهدا نفس الكيان في وقت واحد وأنا معهما، سمعنا صوت الصرخة مع بعض، إذا ماذا يكون ذلك؟؟ غربان تسكن كهوفا ومخلوقات سوداء بعيون ملتهبة... يا إلهي متى نعود إلى بيوتنا حيث المدن والناس والكهرباء؟؟
إستمر مسيرنا في الكهف لمدة طويلة شعرنا منها بالتعب، ما هذه المتاهة اللعينة؟؟ كنت أشعر أننا ندور في حلقة مفرغة... حلقة كبيرة... وقع الضوء على شيء لم ننتبه له للوهلة الأولى... ولكن عندما اقتربنا كانت المفاجأة​
 
لقد كانت حقيبة عادل ملقاة على الأرض في نفس المكان الذي تركناها فيه عند رؤية ذلك المخلوق الغريب، إذاً... صدق شعوري، فنحن ندور في حلقة واحدة، يا إلهي... ما الذي يحدث لنا؟؟ أنكون قد علقنا في هذا الكهف الملعون؟؟ أنكون قد تهنا إلى الأبد؟؟ سوف نتعب وسوف تسقط أجسامنا وسوف تنهشها تلك الغربان اللعينة، آه لو أني أعود إلى بيتي، لن أدخل الكهوف مطلقاً حتى لو كان فيها كنوز العالم، لقد تعبنا جسدياً وعصبياً، أجسادنا المسكينة تحملت فوق طاقتها ولم تعد قادرة على المقاومة، قلت لهما:
لنجلس قليلا ونرتاح ونستجمع أفكارنا لعلنا نجد طريقة إلى الخروج.

المشكلة أننا لا نجد ممرات عديدة حتى نحتار فيها، بل هو نفق واحد يتفرع إلى نفق آخر ولكن يعود بنا دائماً إلى نفس النقطة، وكأننا ندور في حلقة كبيرة، وكلما سمعنا صوت الغربان يأتي من بعيد عدنا إلى الخلف وانطلقنا في الإتجاه المعاكس، قلت لهما:
لابد أن يكون هناك نفق مختفي يؤدي إلى الخارج وإلا كيف خرجت عندما تركتكم.
قال عادل:
ألم يخطر ببالك أن تضع علامات عندما دخلت، ألم نكن نفعل ذلك عندما كنا في الكشافة؟؟؟
صحيح لم يخطر ببالي مطلقاً أن أضع أي علامة، لقد كان تفكيري مضطربا فلم يخطر لي أن أفعل ذلك وإلا لما وجدنا أنفسنا في هذه الورطة.
بعد راحة قليلة دامت عشر دقائق تقريباً انطلقنا مرة أخرى، وقد تم الاتفاق على أن نضع علامة عند كل انعطاف للنفق، حتى نعرف إذا عدنا إلى نفس المكان أم أننا نسير في الاتجاه الصحيح، الغريب أننا لم نعد نسمع شيئا على الإطلاق، وهذا كان له دور فعال في الشعور بقليل من الطمأنينة، ماذا يقول إخوتي عندما أروي لهم هذه الأحداث هذا إذا كتبت لنا النجاة... لا أعتقد أن هناك أحدا يصدق ذلك، فهذه الأحداث لا تحدث إلا في أفلام الرعب فقط... ولكن معي شاهدان على هذه الأحداث وهذا ما حدث بالتحديد... إذا كتبت لنا النجاة ستكون لدينا قصة مثيرة وسوف تتناقل ويضاف إليها الكثير من المبالغة، وبعد أشهر سوف تصبح أسطورة... ولكن كل هذا يتوقف على خروجنا من هنا!!
حقيبة هاني كانت تحوى العديد من الأدوات المفيدة ومن ضمنها مطرقة صغيرة ومسامير، كان يضع علامات في كل منعطف، وكنت قد اتخذت الاتجاه الذي خمنت أني قد سرت منه انطلاقاً من المكان الذي وجدنا فيه حقيبة عادل والذي تركتهم فيه أول مرة، الغريب أننا لم نحس بالاختناق رغم تعمقنا في الكهف... فالأكسجين متوفر والتهوية جيدة وهذا ما أثار دهشتي... شعور غريب ظل يراودني وهو أننا متبوعين، كنت التفت للوراء بين الحين والآخر... أشعر أن هناك من يراقبنا ولكن لم أرى أحداً.
من بعيد وصلت إلى أسماعنا أصوات الغربان، إرتعدت أجسامنا ولكن... كنت قد صممت بيني وبين نفسي أن لا أتراجع أبداً، إذا كنت سوف أموت لا يهم... أن تكون الميتة سريعة أفضل من الموت ألف مرة من الرعب والهلع! سوف أطلق النار على الغربان إذا هاجمتنا. كان تصريحي بذلك مفاجأة لكل من عادل وهاني، فقلت لهما أننا إذا كنا سوف نموت، فالموت مرة واحدة أفضل من الموت عشرات المرات... أصابت كلماتي موقعها في نفس كل من عادل وهاني، فأثار ذلك موجة من الحماسة، وكنا قد صممنا على المواجهة مهما كان نوعها، رغم قناعتنا أننا لا نعرف ما الذي نواجهه.
واصلنا المسير ولم نتوقف، رغم أن صوت الغربان كان يقترب ويقترب حتى أننا كنا نسمع صوت أجنحتها بالقرب منا، ولم نتوقف عن التقدم في اتجاه الأصوات، كانت فكرتي أنه ربما كانت الغربان تبعدنا عن مدخل الكهف حتى نتوه في الداخل وننتهي، ولذلك واصلنا التقدم وقد أخرجت مسدسي وأنا مصمم على إطلاق النار على أول غراب أراه، أو حتى ذلك الكيان المخيف... وليحدث ما يحدث، لا أعرف كيف أصابتني تلك الموجة من الشجاعة ولا هذه الإرادة الفولاذية، حتى أنني استغربت تصرفي هذا!! هل هو التشبث بالحياة؟؟ هل بسبب اليأس من النجاة؟؟ أم هو بسبب تواجدنا مع بعض؟؟ أم أنه مزيج من الشعور بالخوف والشعور بقرب النهاية وتلك العتمة والمكان المغلق وهذه الصدمات التي حدثت لنا، لقد تفاعلت كل هذه المشاعر ليتكون منها هذا الشعور بالشجاعة... المهم، كنت أمسك بقبضة المسدس وأصبعي على الزناد، وجاهز لإطلاق النار على أول غراب أشاهده، هاني أخرج مدية من حقيبته كنا نستعملها في الرحلات انطلاقاً من تعاليم الكشافة وعادل مثله...
الأصوات تقترب ونحن نتقدم، لقد أصبحنا قاب قوسين من المواجهة قلت لهما بصوت قوي: لنستعد سوف ندافع عن أنفسنا حتى الموت.
 
كملي كملي راني معاك.....
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top