عشت وحيداً طوال حياتي , أسابق مع المتسابقين , أزحف مع الزاحفين في عالمٍ ثالث , أركب موجة و أتعلق بأخرى , و مضى العمر سباقاً كمن يقع في بئر ٍلا قعر له ,,, عشت يتيماً و أبواي على قيد الحياة , شهدت إنتفاضة الحجارة عام 87 , و شهدت حرب الخليج عام 90 و كنت أستمع من هنا و هناك عمن قتل و ذبح و تفجيرات الجزائر , لكن الوعي الذي بدأ يتشكل لم يفهم حقيقة ما يجري في بلادكم , و لقلة الأخبار , و ربما لإنفصال المشرق عن المغرب بشكل متعمد , لم نعد نسمع شيئاً عما يدور في الجزائر و ما حولها , ثم شهدت سقوط بغداد عاصمة العالم قديماً , عام 2002 , بغداد التي كانت تمتلك في حقبة ما 3 آلاف حمام مرفقة بحلاقيها و مزينيها , بينما كانت أوروبا لا تمتلك في وقتها حماماً واحداً !
ثم توالى السقوط , سقوط تلو الآخر , إنبطاح يتلوه إنبطاح , تسلم الخونة و العملاء زمام أمورنا كما حدث في فلسطين من أيام عرفات و وصولاً الى عباس و هنية و مشعل و بقية من تاجر بالقضية من الداخل و الخارج .
أذكر أنني تعارفت بشخص فلسطيني عن طريق الأنترنت , حين كنت قبل سنوات أكتب في أحد المنتديات العربية , و حين ألتقيته على أرض الواقع و كان يبلغ من العمر 41 سنة , فسألته بماذا أناديك ..؟ ما أسم أبنك الأكبر يا أبو .... فرد علي و قال : صلاح .. صلاح فقط أنا لست متزوجاً , للوهلة الأولى أرتسم على وجهي حالة من الأستغراب ,لكنني لم أجرؤ على سؤاله عن السبب , لكنه أبتسم و بادرني قائلاً : تريد أن تفهم سبب عدم زواجي , حسناً أنت فلسطيني و انا كذلك , و أنت تدرك تماماً عدالة الحياة , أما أنا يا صديقي فلن أتزوج حتى لا أنجب طفلاً يعيش حالة الأنبطاح العربي !
ضربني كلامه كالإعصار , و ما لبث أن أبتعد عني حتى دخلت في دوامة مع نفسي , جعلني صلاح أتوه مع نفسي و أن أضيع في هذه الحياة , كنت أحتاج للكثير من الماء البارد , أصبحت بفعل كلامه كالحمم , يالله ألهذه الدرجة كنا مظلومين ؟ ألهذه الدرجة كُنت أتناسى حالنا و أحوالنا ؟ ليأتي هذا الشخص و يذكرني بما هو واقع ؟
مضت الأيام و علمت بأن صلاح هاجر إلى السويد , و أنقطعت أخباره عني و لم أعد أعرف أخباره .
شخصاً آخر ألتقيته على مواقع التواصل الإجتماعي فقلت له من اين أنت؟ قال : من بلاد العسل و اللبن , قلت : أها فلسطيني إذا , فضحك و أعاد كلامه من بلاد اللبن و العسل , بلاد اللبن العسل , و الحقيقة أنني ظننته مجنوناً و هذه المرة حاولت أن أفهم أمره , فسألته عن عمره فأجاب : كثير , فقلت : كم تحديداً ؟ فرد مرة أخرى و قال : كثير و كفى , و الحقيقة أن الفضول أزداد لدي لأفهم ما قصة هذا الرجل فقلت له : يا بلديات ما بك أشعر أنك مستاء من أمر ما ؟ فقال بعد سكوت : إسأل ربك .
و تتوالى ردود فعل الإستغراب لدي , فعدت و قلت : ماذا تقصد ؟ و كيف أسأل ربي ؟ و عن ماذا ؟
قال: إسأل ربك لماذا فعل بنا كل هذا ؟!
و حتى لا أطيل في هذه القصة , فهمت أنه من ضحايا مجزرة صبرا و شاتيلا التي أرتكبتها الكتائب اللبنانية المارونية في مخيمات اللاجئين الفلسطينين في لبنان , بعد أن حاصرها آرييل شارون أنذاك و أدخل عملاء لبنان و أمعنوا قتلاً و ذبحاً و بقراً لبطون الحوامل و تشويه الأجنة و أغتصبوا النساء و الرجال و قطعوا أوصالهم ثم قتلوهم , حتى أنهم لم يستخدموا مع هؤلاء العزل الرصاص بل أستخدموا السواطير ليكونوا عادلين في ذبح البشر كما يفعلون مع الحيوانات .
و أتى هذه الشخص بعد أن هرب من البلاد العربية و قال : أين هو ربك ؟! و قد بلغت من العمر ما بلغت و لن أتزوج , فقد أنقطع النسل , و لن أجلب طفلاً لعار عروبة ثكلتنا في أعراضنا و أنفسنا , و لن ألصق به عار أن عائلته إغتصبت بالكامل و تم تقطيعها , لن اجلبه لهذه الحياة حتى يعيش هذا العار !!
و رغم معرفتي بأن ما يقوله لا يجوز , و أن الأمور لا تؤخذ بهذا الشكل , إلا أنني لأول مرة في حياتي لم أستطع أن أرد على أحد يفكر بهذه الطريقة , ألجمني و كأنه حرض عقلي أن يلتزم الصمت لذكريات كارثية في تاريخ أمتنا .
بلغت الآن 32 عاماً تقريباً , و لا زلت أتهرب من فكرة الزواج , لأن المستقبل أرهقني أكثر من الحاضر, أنني أفكر كثيراً , تشرد جديد , ربما إغتصاب آخر , ربما ذبح جسد أو تعذيب نفسي , , , وقد كُنت أميل لفكرة الزواج بفتاة فلسطينية كي لا أشرك أي إمراة أخرى في ما يمكن أن ينال أبناء القضية , فقد تعودنا على ما نحن فيه , يمكن أنني أرى في المرأة الفلسطينية وطن , هي ليست بشريكة فراش أو روح أو مسؤولية , هي الوطن , هي التعويض عن ذلك الوطن الضائع . ستتقبل صاروخاً يضرب أو أبناً يعتقل أويقدم نفسه قرباناً للعملاء و الخونة كي يذبحونه إن تملص من عدو همجي كالصهاينة ... لن تقول هذه المرآة ,,, أريد أن أرحل هذه ليست دياري , أرجعني الى ديار أبي .
كلُ منا لديه أسبابه التي تتخطى أمر المادة أختي أم إسحاق , ربما أردت أن أخرج عن الأمور التقليدية في عدم الزواج أو تأخره , و أنقل نماذجاً من بيئتي , و ليس هذا النقل لجلب العطف أو الشفقة فالظانون بالسوء متربصون , لكن كلُ يرى بمنظوره الخاص , و التسول على أرصفة اللئيم ليس من صفاتنا , و من أكرم فقد أكرم لله , و من فعل ففعله وجب أن يكون بلا رياء , و الحمد لله الذي أصلح أحوالي المادية , على أقل تقدير حتى أتجنب نظرات الشفقة المزرية البغيضة , و كلام الدسائس الذي يشعرك أصحابه بأنك هبطت عليه من الفضاء , متأثراً ربما بمغامرات ( غريندايزر ) .
في آمان الله .