دخلتُ الغرفة لأهنئها بالعيد فوجدتها ترتعش من شدة البرد فأدركت أن الزكام يفتك بمفاصلها
فجلست بهدوء بجانبها وأنا أتأمل وجهها الشاحب
فبقيت تحدّق بي للحظة ولكن لم تعبّر عن إعجابها بملابسي كعادتِها
بقيت ساكتة لمدّة من الزمن وهي شاردة
ثم قالت بصوت متقطع : اشعر بالتعب على غير العادة
فطمأنتها أمي بأنّ ما يحدثُ معها بسبب الزّكام القوّي
عندها حرّكت رأسها يمينا وشمالاً وقالت:
هذا ليس زكاماً يا ابنتي هذا شيء آخر ولكن لا يمكنني قوله
بقيت أكرّر كلماتها بداخلي وأحاول تفسيرها {ما الذي تعنيه بشي آخر؟}
لقد كان الموت يتربص بها ولكنها كانت تُخفي الأمر عنّا
قالو
أعندكِ مشاكل؟
قلت بحجم الجبال
قالوا أزارك الحزن يوماً؟
قلت كيف لا وهو ضيفٌ مكوثه طويل الآجال
قالوا نزلت دموعكِ يوماً؟
قلت دموعي صديقة تخفف وجعي وتمحي دهراً من الألآمِ
قالوا فما سرّ ابتسامة لا تفارق وجهك؟
قلت نصيحة أبي حلّ لمشاكلي
و حضن أمي يمحو أحزاني
وبرآءة أختي مرآة تعكس ابتسامتها على وجهي
فالفضل في ابتسامتي يعود لعائلتي ^^
-اللهم احفظ لي تلك النّفوس الطاهرة التي ترتبط سعادتهم بسعادتي-
وحين تصبح سرعة شهيقك وزفيرك ملياراً في الثانية
سينقطع صوتك .. وستضطر لتعلم لغة الإشارة
وستتباطأ دقات قلبك حتى توشك على التوقف
حينها ستعلم أنّك على حافّة الموت
فلا بخاخات الرّبو تفيد .. ولا أدوية العالم تفيد
ستغمض عينيك فقط وأنت تحاول جمع أنفاسك الأخيرة
وتدعو الله بينك وبين نفسك ..
فإن كتب الله لك عمراً جديداً ستُرزق بالشفاء
وإن كانت دقائقك معدودة فماعليك سوى الصبر حتى تسافر روحك بعيداً
حين أرى صُوراً لأطفالٍ صغار يُعانُون من أمراضٍ خبيثة جعلتهُم يفقدُون شعرهم ولكنّهُم يبتسمُون أملاً في غدٍ جديد وجميل ،، عندها اشعُر بالحُزن على نفسِي عندمَا أغضب وعندما أحزن وعِندما أيأس وعندما أظنُّ أن كُلّ همُوم العالم تدُور حولي ، فكَيف لقلُوب صغِيرةٍ كقلوب الأطفال أن تتحمّل كلّ ذلك الألم و تُقاوم كلّ ذلك المرض فقط بابتسامة بينما نحن نستاء من أول عقبة بسيطة تجتاز طريقنا ، فعلى الأقل نحن لا ننام وأجهزة ملتصقة بأجسادنا
ويحدث أحياناً أن تمتزج مشاعري بين فرح و حُزن
بين غضب وهدوء .. بين بكاء وضحك
فألقي نظرة على زوايا قلبي علّني ألمح مشاعري المتمرّدة فاسألُها عن السبب
فأجد في أحد الزوايا طفلة صغيرة ترتب ألعبها وتقابلها فتاة بالغة تطالع كتابها الصغيرة .. تركض وتقفز .. تردد أغنية بريئة على لسانها
ثم تطل من شرفات الطفولة علّها تلمح ساحرة من عالم القصص والروايات لتحولها لأميرة الفتاة البالغة.. تجلس شاردة وعيناها تقابل السماء .. تقلب صفحات كتابها بين الحين والآخر
ثم تسند رأسها المثقل بالهموم على الحائط وشريط من الذكريات يطرب أوتار ذاكرتها
حينها فقط أدركت سبب مشاعري المضطربة فأنا أنثى بالغة تحمل قلب طفلة
صغيرتي .. ألم يحن اللقاء بعد؟
كم ظلّ من الوقت حتى أراكِ؟
ثلاث سنوات .. أربع سنوات .. أم خمس سنوات
أم أن القدر لن يجمعني بكِ صغيرتي .. إن كان لقائي بكِ قد خطته أقلام القدر
فسأنتظركِ حتى ولو زُرع الشيبُ في رأسي
وإن لم يكن في كتاب القدر فصل يذكركِ
سأنتظر طيفك في الجنّة
فقلبي سيظلّ ينبض شوقاً لرؤيتكِ يا قرّة عيني صغيرتي .. هل تحبين صوت المطر ؟
حين تطرب قطراته الصافية مسامعنا وهي تعزف ألحانها فوق أسطح المنازل
وعند شروق الشمس هل تعرفين ما الذي يحدث بعدها؟
إنه قوس قزح .. ألوان متناسقة وكأنه سلّم للسّماء
ألوانه الجميلة تبعث في القلب الشعور بالأمل والاطمئنان
وهذا ما أشعر به لما اكون بجانبكِ صغيرتي صغيرتي .. سأعلّم قلبك البرىء أن الصّلاة هي صلتك بخالقكِ
سأرسم في ذهنك النقيّ أن لباسك الحقيقي هو حجابك
سأجعل يداكِ مسبحتي وأردّد عليها أذكاري
حتّى تكون حسنة لي ولكِ
سأخطّ تعاليم الدّين الحنيف دآخل روحك قبل عقلك صغيرتي .. هل تحبين البحر مثلما أحبه؟
حين تتعلمين المشي
سأجعل قدامكِ تخطّ اثارها على رماله الذهبية
سنستمع لأصوات أمواجه الهادئة
وسنرسل أحلامنا وسط قارورة عائمة علها تتحق وتصبح حقيقة صغيرتي .. تعرفين صوت الرعد؟
كنت أخافه كثيراً وأخفي رأسي تحت الغطاء لتجنب سماع صوته
ولكن لن أخافه حين تكونين بجانبي
سأكون لكِ تلك الأم الحامية التي تحوّل صوت الرعد المخيف لأغنية هادئة
سأحوّل مخاوفي لقصص بطولية
هذا فقط من أجلكِ