في هذا الوقت تحديدا من العام الماضي كنت أمشي في نفس الطريق الذي أنا عليه الآن ، على الجانب الآخر من الشارع الرئيسي . هذا العجوز الذي أمامي الآن يمشي وكأنه ذاهب للموت ، يتبعه كلبه الذي يبدو عليه التعب والكبر وكأنهما في سنّ واحدة !
أنا أتذكر تماما كل التفاصيل من ذلك اليوم ، لقد كنت منهكا غارقا في الحزن بعد فشل آخر مشروع لي ، أتذكر أنني عدت في تلك الليلة مطأطأ الرأس أجر خيبتي ، مثقلا بالهموم وكأنما حشر أحدهم السماء في حلقي… هكذا هو الحال هذه الليلة أيضا ، بل إن كل الأهوال عنيفة جدا وبشكل مضاعف… إنني أحس بتعب شديد ، كما أعاني ضيقا فق التنفس أيضا . ليست لي القدرة ولا الرغبة في انهاء أي عمل من الأعمال ، فقط يمكنني إنهاء علب السجائر… هذه الليلة سأقوم بسرقة ونهب المكاتب الإلكترونية ، للظفر بعدد من الكتب ، سأدخل في عزلة لا يعلم إلا الشيطان نهايتها ، فوحدها الكتب من تهذِّب مخيلتي وتروّض الروح الهمجية التي في داخلي ، هذه الروح الوحشية البربرية التي لم تعرف كيف تحافظ على أنثى ... !
أنا الآن في الغرفة الخلفية للمقهى ، خرجت من العمل باكرا هذا اليوم ، لقد كان الجو رحيما منذ الصباح ولم يتملّكني التعب أو يركبني الملل . إنني في حيرة تامة من أمري ، وهذا ليس بالأمر الجديد . لطالما كنت حائرا منذ زمن طويل ، لكن هناك شيئا ما في الحيرة الخاطفة التي تطوّق كل أفكاري ، وكأنما أعيش في اللاوعي ، في عالم آخر غير هذا العالم المليء بالحمقى والمغفلين . يمكنني دون جهد ولو طفيف أن أعانق السماء وأحصل على السلام الأبدي والطمأنينة الخالدة . إنّ الحياة هنا لا تتطلب لأية رغباتٍ ، بل يمكنني دون ابتذال أن أحيا في هذا العالم الغامض على طريقة بوذا ، أين أقتل الشهوانية في نفسي الشريرة ، وأتجاوز الحقد والوهم بثقة فولاذية . كما يمكنني أيضا التنازل على أدنى أساسيات الحياة من مسكن وملبس ، على الأقل 9سأتخلص من حذائي المطاطي الوقح والملعون ، سوف أحيا حياة بسيطة كلّ البساطة ، هادئة كلّ الهدوء ، تماما كما الإنسان البدائي على شاكلة الفايكينغ ، سأمارس كل الطقوس الوثنية التي توارثها بني الإنسان من عصر لآخر ، سأرقص عاريا مع الجن والشياطين في آخر احتفالية لتكريم الموت على البساط الأحمر…
سيبدو ذلك رائعا في ظل دخان السجائر الذي يملأ الغرفة الآن ، وقارورات الجعة التي تنشتر هنا وهناك . إن الفوضى التي تعمّ المكان لا تختلف كثيرا عن التي في العالم الواقعي ، على الأقل هنا لا تعبث كما في الواقع .. هذه الفوضى تعبّر تماما عما بأعماقي ، إنها تمثلني بتناسق وهي عنوان حياتي . عكس الفوضوية التي غزتِ العالم ، كونها لا تخصني في أيِّ حال من الأحوال ، لطالما كنت مقتنعا كلّ القناعة بأنني لست جزءا من ذلك العالم الحقير بواقعه المجرم ، لأنني مدرك تماما عن كل وعي جازم قاطع بأنه يحمل من الشناعة والقذارة ما لا يمكنني تجاوزه . كل هذه الأفكار سوّغت لي فكرة أنني عدوّ لكل البشر ، وأنهم جميعا أعدائي…
سيبدو ذلك رائعا في ظل دخان السجائر الذي يملأ الغرفة الآن ، وقارورات الجعة التي تنشتر هنا وهناك . إن الفوضى التي تعمّ المكان لا تختلف كثيرا عن التي في العالم الواقعي ، على الأقل هنا لا تعبث كما في الواقع .. هذه الفوضى تعبّر تماما عما بأعماقي ، إنها تمثلني بتناسق وهي عنوان حياتي . عكس الفوضوية التي غزتِ العالم ، كونها 9لا تخصني في أيِّ حال من الأحوال ، لطالما كنت مقتنعا كلّ القناعة بأنني لست جزءا من ذلك العالم الحقير بواقعه المجرم ، لأنني مدرك تماما عن كل وعي جازم قاطع بأنه يحمل من الشناعة والقذارة ما لا يمكنني تجاوزه . كل هذه الأفكار سوّغت لي فكرة أنني عدوّ لكل البشر ، وأنهم جميعا أعدائي . علاوة على اضطرابي الوجودي والصراع اللامتناهي بين فكرتي الاستمرار والانتحار ...
في هذه اللحظات تحديدا أعاني من آلام حادة على مستوى الكليتين ، مع رفض قاطع لزيارة الطبيب أو تناول مسكنات الألم ، ليس في وسعي إلّا الشفقة على الألم كونه استقرّ فق جسد هامد مثلي . لقد أصبحت أحس بالراحة كلما تألمت أكثر ، إنّ عذاب فراقها يقتلني بشكل مخيف والشوق إليها يمزّقني بإيلام شديد ، لقد كان تخليها عني فاتحة لكل الخسارات ، حتى أنني خسرت كلّ إحساس بنفسي ، وفقدت التواصل مع كل أنواع البشر ، غير مبال بالعلاقات التي كانت تجمعني بهم في يوم من الأيام ، لقد ابتلعتني الوحدة على شكل مفاجئ ، إنني أعيش في فراغ عاطفي رهيب ، دون أي رغبة فق تقبّل الآخر بعدما فقدت القدرة على الحب مرة أخرى…
الآن اقتنعت اقتناعا جازما قاطعا ، مروّعا ، مخيفا بما قاله درويش : " لا تاريخ إلّا ما يؤرخه رحيلك في انهياري " !
قبل قليل وصلني خبر انتحار شاب من القرية التي أعيش فيها ، لم يتحاوز من عمره 27 عاما ، أهل القرية في حزن شديد وعلى حيرة وخوف مروّع ، الكل يتألم بهذه الفاجعة إلا أنا كما ألاحظ ، خاصة وأنا في طاولة نقاش مفتوحة كانت فكرة أصدقائي الملاعين ، الكل متعاطف مع الضحية ، يتوهمون أعذارا كدوافع مباشرة…
لقد صرت لا أميز بين الأخبار السيئة والجيدة في العالم ، لم أعد أحس بها تماما ، لا أنكر أنني مع قرار الشاب في قراره بالانتحار ، إنني أفكّر فيه كحلّ ونهاية لي حيث لا يمضي يوم دون التفكير فيه بكل ما يتملكني من تعب ويأس ولا مبالاة أيضا…!
إن المشاهد والصور تتراكم في ذاكرتي بفوضوية وازدحام صاخب ، إنني مرهق وعاجز على موائمة كل هذا الألم الذي يشطر قلبي في كلّ الجهات ،هذا كله حينما قررت عدم محادثتها…
لست في حالة تسمح لي بالكتابة الآن لهذع الشلل الخفيف الذي يركد على جسدي المهترئ ، سأخرج للمشي قليلا واستنشاق بعض الهواء ، سأدخن سيجارتين أو ثلاث ثم أعود… أو ربما لن أعود !
الليلة لا أرغب في النوم باكرا ، لذلك لم أتناول دوائي الذي وصفته لنفسي دون زيارة الطبيب أو استشارته ، غدا سأذهب للعمل في وقتٍ مبكّر جدا ، أنا أسمع الآن أنين كلبتي التي يفترسها كلاب مدرّبون لجيراننا الملاعين . القرية الني أعيش فيها تعاني من نقص في مياه الشرب . رئيس بلديتنا إنسان أبله . الكوليرا أصبح خطرا يهدد الجميع بعد تسجيل حالة إصابة في مدينة ليست بعيدة !
الشوق يمزقني كسكين يخترقني طولا وعرضا . الإحساس بالموت وملامسته بين حين لآخر . آلام حادة على مستوى الكليتين . صديق مقرّب من العائلة يقيم حفلة زفافه في هذه اللحظات . رغبة شديدة في ملاحقة بعض اللوحات الفنية في أمستردام وباريس . أنا تحت مستوى الفقر الآن ، أجتهد كي أصبح فقيرا
حالة والدتي ليست مستقرة منذ أيام ، ابن عمي أصيب بشدة في حادث مرور .
تفكّرت أنني لم أتناول طعام العشاء !
كلّ هذه الأفكار تشغل حيّزا ولو ضئيلا في مخيلتي الآن ، وآلاف الأفكار في حالة ولادة حاليا ، عشرات أخرى تتداخل بفضوية في هذه اللحظات ، مع كميات هائلة جدا من الأحاسيس والمشاعر المتناقضة التي تنتج من فكرة إلى أخرى… .
إنني أحسّ بالأشياء بقوة مروّعة ومخيفة فيها من الإيلام ما يجعلني ضعيفا وهشّا ، حائرا ، خائفا ، وحيدا ، ضائعا بكل ما للكلمة من معنى
مع أسئلة تتكرر على نحو مفاجئ تزيد من وساوسي ..لماذا ؟ ومتى ، وكيف ؟ ولماذا كل هذا في الأساس ؟ وما الفكرة من وجودي أصلا !!
في مثل هذا الوقت تحديدا من كلّ يوم غالبا أحسّ بالأشياء بقوة هائلة لا يحس بها إنسان آخر ، أتعذّب عذاباتٍ فيها من الإيلام ما يكون شديدا على النفس ، على نحو فجائي أشبه بالموت سقوطا من علياء شيء ما حيث لا حقيقة غير فكرة الموت وشرعية وجوده إيمانا مطلقا .
إنني عاجز تماما عن مواءمة العبثية التي تطوّقني وتعصف بروحي المهدودة حتى أتخذ من الوحدة صديقا في الليالي الطويلة . لقد كان بإمكاني تجاوز كلّ هذا الشعور هذه الليلة لو أنني قررت التواجد في حفل زفاف صديق مقرّب لي . ولكان سيحدث ذلك لو أنني لم أجد في الأمر كثيرا من التكلّف والابتذال اللذان يجعلانني أبدو كالأحمق حينما أجد نفسي بعيدة كلّ البعد عن حقيقتي . هذا بعدما اقتنعت كلّ القناعة بأنني لا أصلح لأي شكل من أشكال العلاقات الممكنة بين الإنسان وأخيه الإنسان . في الحقيقة أنا لا أعرف كيف تسلّل كل هذا الخواء إلى قلبي على حين غفلة بعدما كنت نشيطا مرحا اجتماعيًّا أعيش اللحظة وكأنما هي آخر نفس لي في هذا الوجود .
لقد أصبحت لا أجيد أي معاملة اجتماعية إنسانية لِما تتطلبه من التزامات أجد فيها جخدا شاقا مبتذلا من غير دوى ومن دون طائل . إنّ الأماكن الصاخبة تهدّد جمالية الحزن الذي يغلّف قلبي بؤسا واغترابا وجوديا مع عدد هائل من الجراحِ والفجواتِ التي أحدثها من كان يوما أقرب للخرافة من الحقيقة بالنسبة لي .
في مثل هذا الوقت تحديدا من كلّ يوم غالبا أحسّ بالأشياء بقوة هائلة لا يحس بها إنسان آخر ، أتعذّب عذاباتٍ فيها من الإيلام ما يكون شديدا على النفس ، على نحو فجائي أشبه بالموت سقوطا من علياء شيء ما حيث لا حقيقة غير فكرة الموت وشرعية وجوده إيمانا مطلقا .
إنني عاجز تماما عن مواءمة العبثية التي تطوّقني وتعصف بروحي المهدودة حتى أتخذ من الوحدة صديقا في الليالي الطويلة . لقد كان بإمكاني تجاوز كلّ هذا الشعور هذه الليلة لو أنني قررت التواجد في حفل زفاف صديق مقرّب لي . ولكان سيحدث ذلك لو أنني لم أجد في الأمر كثيرا من التكلّف والابتذال اللذان يجعلانني أبدو كالأحمق حينما أجد نفسي بعيدة كلّ البعد عن حقيقتي . هذا بعدما اقتنعت كلّ القناعة بأنني لا أصلح لأي شكل من أشكال العلاقات الممكنة بين الإنسان وأخيه الإنسان . في الحقيقة أنا لا أعرف كيف تسلّل كل هذا الخواء إلى قلبي على حين غفلة بعدما كنت نشيطا مرحا اجتماعيًّا أعيش اللحظة وكأنما هي آخر نفس لي في هذا الوجود .
لقد أصبحت لا أجيد أي معاملة اجتماعية إنسانية لِما تتطلبه من التزامات أجد فيها جهدا شاقا مبتذلا من غير جدوى ومن دون طائل .إنّ الأماكن الصاخبة تهدّد جمالية الحزن الذي يغلّف قلبي بؤسا واغترابا وجوديا مع عدد هائل من الجراحِ والفجواتِ التي أحدثها من كان يوما أقرب للخرافة من الحقيقة بالنسبة لي .
عندما تنتهي علاقة ما، تتألم المرأة بعدها من فراغٍ عاطفيٍ لوقتٍ خاطفٍ قصير، ثم تكمل الحياة بعد ذلك مسرعةً بشكل طبيعيّ باحثةً عن حبٍ يملأ فراغها، عن رجلٍ يقول لها كم هي جميلة و كم تبدو مذهلةً في أحد فساتينها، و إن هذا كافياً ليجعلها تنسى أمر علاقتها كاملةً بكل تفاصيلها، فاقدةً بالمرة لأي عذاب من عذابات الضمير مهما كانت جائرة في تلك العلاقة التي تتجاوزها كما لو أنها لم تكن أبداً.
عندما تنتهي علاقة ما، يفرح الرجل بحريته ليومين، ثم يتحسّس الجزء الذي فقده من روحه، من نفسه، من قلبه مع تلك المرأة. الجزء الذي لا تستطيع تعويضه نساء الدنيا بأكملها، ثم يعاني بعد ذلك ألماً عظيماً حتى آخر أيام حياته مسترجعاً في ذاكرته كل التفاصيل، أسيراً لأشدّ عذابات الضمير ولو كان رحيماً بتلك المرأة أكثر من نفسه، ولو كانت لا تستحقّ ذلك.
إنني أؤمن إيماناً قوياً جازماً أن الرجل حتى ولو كان مجرماً سفّاحاً قاتلاً، عندما يحمل في داخله عاطفة يكون صادقاً فيها، لهو أنبل تجاه تلك العواطف أكثر من نساء الأرض جميعها.
هذا المساء وعلى غير العادة رغبت في الخروج من المنزل . ذهبت قاصدا الجبل ، باحثا عن هواء نقي وزيارة بيتنا القديم أين كان أجدادي يعيشون ، لاسترجاع ذكرياتٍ لم أعشها لكنها تُبَثُّ لي يوميا في مخيلتي على شاكلة صور ولوحاتٍ فنية غاية في الإبداع والجمال ، تحمل في تعابيرها تفاصيل حياة بسيطة جدا بأجواء تلاطفها نسمات الحب والعائلة ، بطقوسها الوثنية الضاربة في القدم…
الأمر الاعتيادي الذي حصل معي خلال جولتي التي لم تكتمل هو التقائي بثلاثة أصدقاء لي ، كان لقاؤنا بين صدفة بدت لي حدثا جميلا لتتحول إلى كابوس مرعب جدا ، حتى أن بلغ بي الندم من الخروج أصلا ، ومن الوعي ما فهمت به ما كان يعنيه كافكا حينما قال : " الخروج من البيت مغامرة خطيرة "
إنّ الأفكار التي كان جميعهم مفرطين في الحديث عنها لتثير الاشمئزاز إلى ما لا أجيد التعبير عنه ، لقد كانت كلماتهم تخرج من أفواههم على شكل طلقاتٍ متتاليةٍ على قلبي المسكين على نحو سريع جدا ، لقد كنت أموت موتا بطيئا غريقا في محيط متجمّد في عالم آخر ، عالم يختلف تماما عن ما أعيشه في تلك اللحظات المؤلمة والمرهقة ..
أنا لا أستغرب ذلك في حقيقة الأمر ، كما لا أتهم أصدقائي بكل هذا السوء ، لأنني أدرك عن كل وعي أن المشكلة فقط تكمن في روحي ونفسي التي أصبحت أبعد من أن تكون أنا ، لقد أصبحت أحس بالغرابة حتى من نفسي مع عدم توافر طاقة لتحملها . إنني أرغب في الهروب منها كما تنسّل الأفعي من جلدها ، إن الألم الذي أحس به الآن أصدق من كل الآلام التي أحسست بها من قبل…
إنّ العلاقات المُملّة الموصوفة بالحميميّة خداعاً وزيفاً، كالزواج، الحُب، الجنس. تحدثُ ثم تستمر، ثم تنتهي، ثم تتكرّر وتحدث من جديد في سلسلة متوالية لا مناص منها لكونها مرتبطة بغريزة الإنسان. أما العلاقة الحميميّة فعلاً،و التي أيضاً ترتبط بغريزة الإنسان عينها، إلا أنها تكون مجلّلة بالقناعة، بالولاء، بالرضا، بالإكتفاء،بالإخلاص للطرف الآخر دون الشعور من ذلك بأي عذاب. إن مثل هذه العلاقات من الممكن أن يحيا الإنسان حياة كاملة دون أن يختبرها أبداً ،و في حال حدوثها، فهي تحدث مرّة واحدة فقط، لا تُعاد، ولا تُكرّر. تحدث مع شريكٍ واحدٍ فقط، تحدث في مرحلة ما من مراحل الحياة، وقد تنتهي أيضاً و ينتهي كلّ شيء معها بعد ذلك،كل شيء بلا استثناء، و يصبح الإنسان بعدها فارغاً تماماً كالوعاء، وهذا الوعاء الفارغ غير مهيّئ للخواء ولا يمكنه احتماله،فذلك لا يُناسب الطبيعة البشرية، ثم ومع مرور الوقت تدفعه هذه الطبيعة القاسية للبحث عن الإمتلاء بأي شيء يخلّصه من الشعور المُوحش بالخواء.. أي شيء حتى لو كان ذلك الشيء مبنيّاً على الزّيف و الخداع
كلّما دخلت إلى الفيس بوك كلّما شعرت بالغثيان ، بل كلّما زاد ايماني بأنني لا أنتمي لهذا العالم . إن أداة كالفيس بوك أعطت حق الكلام لفيالق من الحمقى والمغفلين ممن كانوا لا يشاركون في الحياة إلا على هوامشها المتعفّنة فيتم إسكاتهم فورا ، أما الآن فالأمر أصبح مختلفا تماما حيث لهم حق الكلام ولي حق الصمت إلى أجل غير مسمى !
من الجميل أنني اتواجد في هذا المنتدى حيث أحس بالراحة والطمأنينة التي لطالما بحثت عنها دون جدوى ، هنا بإمكاني أن أحلّق كالطير وألامس أطراف السماء
بعد عام كامل من الفراغ والألم والقسوة والإضطهاد ، والعذابات الممتالية المتراكمةِ في رحم الحزن ، بعد أن ماتَ كل شيء وانتحرت كل الأماني وتلاشت كل الأفكار العظيمة في ذاتي ، وتزوّج بي المرض على طريقة الكنيسة الكاثوليكية، وطحنني الفقر وثقب جيوبي وكأنما عشت كلّ هذه السنوات أرملة لإله مات ! وحيدا منعزلا ، تائها ، حائرا ، ضائعا ، متألما… غير موجودٍ تماما ...
أحسّ وأنني سأُبعَثُ بعثاً جديدا إلى الحياة ، في هذه اللحظة تحديدا علي نحو فجائي طرد النوم بعيدا… بعيدا بعدا مخيفا ، مظلما…
لقد انطوى شغفي بكامله في أدراج خيباتي المتتالية، وتلاشى تماماً من توالي الضربات القاسية التي وقعت عليّ و تحمّلتها وحيداً. فكانت النتيجة فقداني لجميع المهارات الإجتماعية، بما في ذلك التواصل مع الناس.
الذين يبدأون حديثاً ما معي، سُرعان ما يصفونني بالمُحتد، المُستفز أو العدواني، ثم يُنهونه فوراً و يبتعدون عنّي.
إنهم يعتبرون أنني أُهاجمهم، لا أتحدّثُ إليهم،وهم على حقّ في ذلك. فقد خمد قلبي مع جميع مشاعري، كما لو أن ذلك قد حدث بفعل الموت. قد أكون مُستميتاً على الموت في بعض الأحيان، ولكنني لستُ ميّتاً فعلاً. أعرف ذلك من خلال الشعور بالذنب الذي بقي شديد الوضوح في نفسي على الرغم من وصولي لأشدّ وهاد الإنطفاء انخفاضاً، الشعور بالذنب الذي يصل للخزي تجاه جميع الذين أقبلوا نحوي راغبين في إنقاذي، صادقين في ذلك، إلا أنني خذلتهم جميعاً.
أنا الآن في قمة الجبل الذي تنام على سفحه القرية التي أعيش فيها ، لقد خُيِّلَ إليّ أنني قمت بزراعة متفجرات في كل زاوية منها ، في كلّ شارع وممر مع رغبة شديدة بتفجيرها والإستمتاع بمشهد احتراقها ، أرى بأنَّ الأمر سيكون غايةً في الجمال خاصة في هذا الوقت تحديدا من هذه الليلة القاتلة !
لقد كثرت الليالي التي لا أنام فيها ولو لدقيقة واحدة على نحو بات يُعيق توازن الوظائف الحيويّة الجسمانية في جسدي، صرتُ شديد الحساسية تجاه كل شيء و صار كل شيء يثير غضبي بشكل جنوني، وحتى المُزاح الذي يفتعله الغرباء لإزالة الحواجز فيما بينهم، حين أكون طرفاً في ذلك المُزاح. لم أكن في يوم من الأيام بمكانٍ كنتُ أقرب فيه إلى الإنهيار العقلي الكامل من المكان الذي أنا فيه الآن. إنني حين أكون في الخارج أبذل جهداً هائلاً حتى أبقى مألوفاً بالنسبة للناس، حتى لا أبدو مجنوناً أو غريب الأطوار، إنني أبذل جهداً هائلاً كي لا أُشرع فجأةً بالحديث مع نفسي، بصوتٍ عال، حين تتزاحم الأفكار و المخاوف في رأسي، بينما أكون وسط مجموعة من الناس، على الحافلة مثلاً. صرت أخافُ التواجد في الأماكن التي يحتّم علي وجودي فيها التصرّف بلباقة شديدة و زائفة، مبالغ في التعبير عنها، أخافُ أن تصدر عني حركة جسدية اعتدتُ أن أُعبّر من خلالها عن نفاذ صبري، عندما أكون وحيداً في غرفتي.. أخافُ أن أبدأ بالصراخ في وجوه الجميع مُعلناً عدم انتمائي لتلك الأماكن، و مُشدّداً على براءتي من كل ما يحدث فيها من كذب و تفاهة.. أخافُ أن أطالب الجميع وبملء صوتي بالتوقّف عن تكلّفهم الوضيع، أن أنفجر فجأةً بالبكاء.
لقد أصبحت الحياة ثقيلة جدا عليّ هذه الأيام ، حتى أنني أصبحت غريبا كلّ الغرابة ، سخيفا كلّ السخف ، فقط لأنني حاولت أن أكون إنسانا طبيعيا يعيش حياةً غايةً في البساطة والجمال . لقد خُيِّلَ إليّ أنني تجاوزت تلك العاصفة العاطفية التي عانيت منها لمدة عام تقريبا . قمت بوضع برمانج يوميّ كمحاولة للتغيّر لكنني فشلت في ذلك فشلا ذريعًا ، حتى أنني أخبرت أمّي أن تبحث لي عن زوجة من اختيارها…
لطالما كنت صارما جدّا مع فكرة الزواج ، تماما كصرامة جنديّ حريصٍ وحادّ ، كنت أتمكنّ من وضع حدود لها في وقت وجيز جدّا وقد يتفّق لي في بعض الأحيان أن أفعلها قبل ميلاد الفكرة من الأساس ، لكن الأمر مختلف تماما هذه المرّة ! أنا لم أشعر بالوحدة مثلما أشعر بها الآن .. إنني ضائع تماما ولا ملجأ أحنّ إليه !
إن وقع هذا الشعور على النفس لعنيف جدا ، وفيه من الإيلام ما يكفي جميع البشر بالتساوي . أنا لم أفكر في الزواج كحلّ لمعاناتي كما أفكر به الآن ، صحيح أنّ نمط الحياة التي عشتها كانت نتطلب على الدوام عدم التواجد في حيّز النساء ، حتى أن الفتاة التي حملت لها كلّ الحب حنى استنزفتني تماما تعرفت عليها في أحد المنتديات قبل عشرة أعوام كاملا . لطالما كنت وحيدا ومنعزلا لا اخرج من البنت إلّا نادرا إلى أن فقدت كل المهارات الإجتماعية ، لقد فقدت حتى الرغبة في تحمل ذلك ، بل وأجد في ذلك عملا شاقا لأنني وكلّما فكرت في علاقة ما كحلّ لعذابي ودافعا معنويا للمواصلة وبعث الروم بعثًا جديدًا أحس بالذل والمهانة أحيانا ، إنني عاجز تماما عن تقبّل الفكرة بشكل يصعب تفسيره ، مع أنني واثق أنني سأتجاوز كلّ شيء لو قررت القيام بذلك ..
رأسي مشوّش تماما هذه الليلة مع استحالة قدوم النعاس كالعادة ، الجو يخنقني في هذه الغرفة اللعينة التي سئمت منها . لاشك أنها سبب لعنتي هي وكلبتي بيتوس التي رفسها كلاب مدربون لجيراننا الملاعين ...
لي رغبة بزيارة بيتنا القديم حيث كانت بداية الأرص والإنسان والحب ، سأحاول البحث عن شيء ما… شيئا أجهل ماهو ؟
سأذهب وأنا أحمل مجموعة من الحلول لمشاكل لم أجدها بعد !