- إنضم
- 13 أفريل 2013
- المشاركات
- 14,618
- نقاط التفاعل
- 54,537
- النقاط
- 1,756
- العمر
- 31
- محل الإقامة
- قسنطينة
- الجنس
- أنثى
السلام عليكم أهل اللمة الكرام عامة ومحبي القصص والروايات خاصة
أضع اليوم بين أيديكم الجزء الرابع والأخير من قصة "بعد منتصف الليل"
فقط للتذكير نوع هذه القصة هو غموض وخيال ورعب
ولمن اِلتحق بنا الآن يمكنكم من هنا قراءة الأجزاء السابقة
بعدَ مُنتصفِ اللّيل {الجُزء الأول}
بعدَ مُنتصفِ اللّيل {الجُزء الثّاني}
بعدَ مُنتصفِ اللّيل {الجُزء الثّالث}
{بعدَ مُنتصفِ الليل}
"الجزء الرابع"
ضربات قويّة كانت تصطدم بباب غرفة الصغيرة ومقبض الباب يرتفع وينخفض وكأن أحدهم يريد فتح الباب؛ مما جعلني أقف متوترة أترقب ما سيحدث وحتى الصغيرة وقفت مقابلة للباب وهي تحتضن لعبتها بفزع، فجأة فُتح الباب بقوّة وظهر من خلفه الأم والأب، "ألم أخبركِ أن لا تغلقي الباب؟ لأن هنالك خللا بالمقبض ولم أصلحه بعد وهذا قد يؤدي إلى سدّ الباب وقد نضطر لكسره لإخراجك لذلك لا تغلقيه مجددا مفهوم؟" أنب الأب ابنته التي لم تُجب بكلمة وبقيت تومئ برأسها موافقة على كلامه ثم اِقترب شيئا فشيئا مني مما دفعني للاِبتعاد جانبا وأغلقَ ستائر النافذة بعدما ألقى نظرة خاطفة على هديته النائمة بداخلها، أما الأم فكانت تحمل بين ذراعيها فستانا فاتنا أبيضا طويل الأكمام وقدّمته لصغيرتها باِبتسامة عذبة تزيّن وجهها "تفضلي عزيزتي هذا هو فستانكِ يمكنكِ اِرتداؤه للاِحتفال الليلة بعيد ميلادك" حملته الصغيرة بين ذراعيها وأخذت تدور حول نفسها سعيدة به، اقترب منها والدها وقبّل خدّها ثم جلس على ركبتيه مقابلًا لها وأمسك ذراعيها بلطف كأنه يريد قول شيء لها "عزيزتي؛ سنذهب أنا وأمك للمستشفى لأن جدتكِ مريضة ولكن أعدكِ أننا سنعود باكرًا وقبل منتصف الليل لنحتفل بعيد أميرتي الصغيرة؛ اتفقنا؟" ظهرت ملامح الحزن والخيبة على وجه الصغيرة فبرنامج الحفلة هذه المرة اتّخذ مجرًا آخر "هل يمكنني الذهاب معكم؟" رفع الأب يده وهو يرتب خصلات شعر صغيرته المتناثرة على جبينها وكأنه يحاول كسب رضاها "لا يمكنكِ القدوم معنا يا حبيبتي فالمستشفى ليس للأطفال؛ وإن أخذناكِ معنا فمن سيجهز الغرفة من أجل الحفلة؟ يجب أن يبقى أحدنا في البيت ليرتب الدّمى الجميلة ويضع الزينة وأنتِ أفضل شخص يمكنه القيام بهذه المهمة ولا تنسي اِرتداء هذا الفستان الجميل أريد أن أرى أميرتي في أجمل حلة عند عودتي؛ اِتفقنا؟" ابتسمت الصغيرة ببراءة وأومأت برأسها موافقة فقد أدت كلمات الأب مفعولها فاحتضنها والدها بكل قوّة ثم طبع قبلة على خدّها وغادر الغرفة هو وزوجته تاركيْن الباب مفتوحا والصغيرة واقفة وهي تراقبهما بصمت، "أنانيون تركوني ورحلوا" صدرت تمتمات من تلك الصغيرة ثم تلتها ضحكات خافتة ليُغلق بعدها باب الغرفة بكلّ قوته ثم ارتفعت الصغيرة عن الأرض قليلا كأنها تطير؛ اِبتلعت ريقي بصعوبة بعدما أدركت أنا الواقفة قبلي لم تعد تلك الصغيرة البريئة بل تحولت لوحش مفترس قادر على اِلتهامي في أي لحظة وبفعل لا إرادي اِنسحبتُ للخلف ونسيت أنني قريبة من النافذة وأنه يمكنني الاندماج مع جدران البيت والخروج للجهة المقابلة فتداخل جسدي مع جدار النافذة وسقطت للخلف ولكن هذه المرة في فوهة عميقة مظلمة.
فتحتُ عينيّ ببطء شديد فوجدت نفسي أنام أرضا في غرفة مظلمة إلّا من ضوء خافت صادر من الرواق المقابل؛ وقفت بصعوبة عن الأرض وذهبت باتجاه ذلك الضوء المنبعث من الرواق "يبدو أنني لا أزال داخل البيت ولكن هذه المرّة في الطابق الأرضي؛ وكأن الزمن يعيد نفسه" اقتربتُ أكثر بجسدٍ منهك وعقلٍ مازال يريد اِكتشاف الحقيقة التي أصبحت متأكدة أنها قريبة وما زاد يقيني بذلك دقات الساعة المفاجئة التي قمت بعدها واحدة تلو الأخرى وكانت اِثنتي عشرة دقّة، وقفت للحظة داخل الرواق وكأنني أحاول استجماع كلّ قوتّي فبعد دقات الساعة أكيد سيحدثُ أمر ما ولن يكون جيّدا بالتأكيد ويجب أن أكون مستعدة لذلك؛ وفجأة فُتح الباب المؤدي للرواق الرئيسي وللطابق الثاني مما جعلني أنتفض فزعا ثم ظهرت منه الصغيرة أمل ولكن هذه المرة لم تكن ترتدي فستانها الزهري بل كانت ترتدي الفستان الأبيض الذي قدمته لها والدتها، دخلت الصغيرة للمطبخ بعد أن أنارت المصباح ولحقتُها بسرعة بعدما عادت الطمأنينة لقلبي لأرى ما الذي أتى بها في هذا الوقت المتأخر من الليل؛ كانت الصغيرة تحوم داخل المطبخ وكأنها تبحث عن شيء ما ثم فتحت درج الخزانة وبعد بحث بداخله أخرجت علبة كبريت وكيسا به شموع ملونة ثم وضعتهما داخل جيب فستانها ثم اِلتفتت لعلبة الكعكة الموضوعة على طاولة الطعام واقتربت منها وحاولت حملها ولكنها لم تستطع وخشيت أن توقعها فابتعدت قليلا وهي تفكر في طريقة لحملِ هذه الكعكة ثم اقتربت من الطاولة مجددا وألصقت جسدها بها وقربت علبة الكعكة وأسندت جزءا منها على صدرها واحتضنت الأجزاء الباقية بذراعيها ثم خرجت من المطبخ وذهبت باتجاه الطابق الثاني وهي تتمايل يمينا وشمالا خشية أن تسقط، تبعتها بسرعة وأنا أراقب زوايا البيت كلها مستغربة من الهدوء المخيم عليه "يبدو أنه لا أحد هنا" دخلت الصغيرة لغرفتها ودخلت بعدها، كانت سلاسل الزينة الملونة تملأ الغرفة كلّها بعضها ملقًا على الأرض وبعضها معلّق على طرف باب الخزانة والبعض الآخر مرميّ على الكراسي؛ للحظة شعرت برغبة في الضحك بعد رؤية هذا التزيين الغريب وما زاد الأمر طرفة هي مجموعة الدّمى الجالسة على الكرسيّ كأنهم ضيوف شرف؛ "يبدو أن والديّ سيتأخران لأن وضع جدتي اِزداد سوءا لذلك سنحتفل بمفردنا" أخذت الصغيرة تكلّم الدّمى بعدما وضعت الكعكة على طاولة صغيرة تتوسط غرفتها ثم رفعت الغطاء عنها وأخرجت كيس الشموع الصغيرة الملونة وأخذت تغرس ثمانية شموع داخل الكعكة، كان شكل الشموع المائلة مضحكا ولكن طريقة تزيين الصغيرة للكعكة ببراءة كانت تستحق المشاهدة؛ أخرجَت بعدها علبة الكبريت من جيبها وأشعلت عود الكبريت محاولة من خلاله إشعال الشموع ولكنها كلّما قربت عود الكبريت من الشمعة إلا وينطفئ حاولت مرة ثانية وثالثة ولكن كان هنالك تيار هوائي يتسلل من الباب لينفُخ بمرح على عود الكبريت فيطفئه، قامت الصغيرة من مكانها متذمرة وأغلقت باب الغرفة لتمنع حدوث أي شيء يعكر صفو هذه الحفلة ثم أشعلت عود الكبريت مجددا وأخذت تشعل الشموع واحدة تلو الأخرى وقبل أن تلامس شعلة الكبريت أصابعها الصغيرة رمته بسرعة فوق الطاولة ونفخت عليه لإطفائه ثم اِلتفتت لكعكتها وبدأت الاِحتفال "عيد ميلاد سعيد عيد ميلاد سعيد عيد ميلاد سعيد أمل عيد ميلاد سعيد" نفخت الصغيرة على الشموع كلها ثم صفقت بحرارة وهي سعيدة وشاركتُها كذلك التصفيق وأنا أبتسم فحضور حفلة ميلاد كهذه يدعو للابتهاج، بحثت الصغيرة على الطاولة عن سكين تقطع به الكعكة ولكنها نسيت إحضاره من المطبخ عندها اِختطفت شريحة تفاح وأكلتها وسحبت القليل من الكْريمة بإصبعها ووضعتها داخل فمها وهي تبتسم بفرح كان منظرها جميلا وبريئا ويدعو للاِطمئنان ولكن كان هنالك ما يعكر هذه اللحظات الجميلة؛ دخان خفيف لمحته فجأة من خلف الصغيرة مما دفعني للتأكد وهناك كانت الفاجعة "عود الكبريت ! السجادة تحترق" اقتربت من الصغيرة حاولت لفت انتباهها ولكنها كانت منشغلة بإطعام الدمى من كعكتها ولم تنتبه للحريق الذي بدأ بالنشوب خلفها، حاولت إخماد النار بالضغط عليها بقدمي ولكن لا يمكنني التحكم أو التأثير فيما حولي حاولت الصراخ ولكنها أكيد لن تنتبه لوجودي، اِرتفع لهيب النار أكثر وانتشر في جزء كبير من السجادة وانتقل للأريكة وبدأ الدخان يغزو الغرفة؛ وقفت مكاني مستسلمة أراقب ما يحدث فقد أدركت أخيرا أنني مجرد شخص يشاهد فلمًا سينمائيا ولا يمكنه إضافة شيء للسيناريو، وبعد دقائق قليلة انبعثت رائحة الدخان لأنف الصغيرة فانتبهَت أخيرا أن الغرفة تحترق فقفزت من مكانها واتّسعت عيناها دهشة وقد تمكن الفزع من كل ملامح وجهها وسقطت دميتها المفضلة من بين يديها ثم ركضت بسرعة نحو الباب للهرب ولكن الباب لم يفتح حاولت الصغيرة مرة ومرتين وأكثر ولكن دون جدوى؛ ضربت الصغيرة الباب بقبضتيها الصغيرتين وهي تصرخ بصوت يملأه البكاء "افتحوا الغرفة تحترق؛ بابا ماما افتحوا الباب الغرفة تحترق أنا خائفة" تحركت مشاعري مجددا وركضت نحو الباب محاولة فتحه ولكنني كلما اقتربت منه وجدت نفسي أتجاوزه وأقف في الرواق حاولت عدة مرات ولكن ككل مرة يستقبلني الرواق فصرخت صرخة قهر مدوية فأنا لا أحتمل رؤية هذا المشهد أريد إنقاذها ولا أريدها أن تتأذى، دخلتُ الغرفة مجددا بقوى خائرة وكانت الغرفة تكاد تشتعل بالكامل الدمى والستائر والأريكة والخزانة وحتى الكعكة أصبحت شعلة نارية أما الصغيرة فكانت تركض في أرجاء الغرفة والنار تلاحق جسدها الصغير من زاوية لأخرى كان وجهها المحمر غارقا وسط الدموع وجبينها يتصبب عرقا من حرارة الغرفة؛ اغرورقت عيناي بالدموع وبدأت يداي ترتعشان وكل جسدي يرتجف ربما لا أشعر بحرارة الغرفة ولكن قلبي يحترق أكثر ونار الألم تلهب كل مشاعري، فجأة تشبث اللهب بحذاء الصغيرة وتسلل لفستانها ففزعت وأخذت تقفز وتنفض ملابسها وتركض أكثر ولكنها كلما ركضت كلما هجمت عليها النار أكثر؛ بدأت النار في اِلتهام فستانها بشراهة ثم انتقلت لخصلات شعرها والصغيرة تبكي وتصرخ صرخات من الألم والفزع والوجع والذّعر في آن واحد فقد تمكنت النار من جسدها الهزيل الذي أصبح في حد ذاته عبارة عن لهب لدرجة أنني لم أعد ألمح منها شيئا سوى قطعة من اللهب تركض ثم تسقط أرضا ولا أسمع منها شيئا سوى صوت صرخاتها؛ تساقطت الدمعات على خدّي بغزارة وكذلك جسدي لم يتحمل هول هذا المنظر فسقطت أرضا على ركبتي وسددت أذنيّ بيديّ ثم وضعت رأسي على قدميّ واحتضنته بذراعي وأنا أصرخ "يكفي أرجوكم هذا يكفي لا أتحمل رؤية المزيد"، بقيت لدقائق وأنا على هذا الوضع أنتحب وجسدي يرتعش وفي الوقت نفسه لم أعد أسمع شيئا "ربما كلّ شيء اِنتهى" فجأة سمعت صوت الغناء؛ توقفت للحظة عن البكاء ورفعت رأسي بهدوء وحبات الدّمع لا تزال عالقة بعينيّ وجسدي ينتفض بين الحين والآخر من كثرة البكاء كانت الغرفة مهجورة ومحطمة واضح أنها مرت بحريق مهول ولكن هذا قبل سنوات من الآن.
يتبع في أول رد
يتبع في أول رد
آخر تعديل: