في أصل التعامل بين الناس وخاصة من يدينون بدين الإسلام أن يكون قائما
على حسن الظن مالم يظهر ما يستوجب رفع حسن الظن في أمر ذلك المرء ،
وما على الواحد منا إلا ترك مواقع الريبة والنظر فيما يأخذه ويذر ،
فلا يمكن البوح والإسترسال في أمر وهو يعد من النقائص ثم بعد ذلك يُطالب أن يُحسن فيه الظن ،
هذا في القول وكذلك يقاس عليه الفعل ، أما الأسباب فهي حبيسة الحقيقة في دواخل أصحابها
وما سقناه من أسباب تعد 1% من بقية الأسباب .
حسن الظن يُعد البيئة الملائمة للتعايش بين الناس ، حيث يكون العمل يسير على وتيرة الثقة بالغير ،
وما أصاب الأمة اليوم هو ذلك السم الزعاف الذي منه هدمت علاقات ، ومنعت عطايا ، وعُطّلت مصالح ،
حين جُعل سوء الظن هو المُقدم ليكون التقييم منه يكون ، وهو القناة التي تكشف حقيقة ذلك الإنسان ،
من غير ايجاد البديل الذي به يزعزع تلك التُهم التي قد تكون مصوبة في قلب سلوك ذلك الإنسان ،
وفي المقابل تلك الحساسية المبالغ فيها بحيث يُجعل من سوء الظن قرون استشعار أو وسيلة اقصاء
للطرف الآخر من غير مبررات ، غير التوجس من خطر يظنه يأتي من قبل من يطاله سوء الظن ،
من هنا :
كان علينا معرفة التفريق بين ما لها أساس من وضع من يأتي بفعل مريب ،
أو قول غريب أن يخضع قوله وفعله للتمحيص من أجل الرد عليه وتصويب الخطأ ،
ورد ما قد يؤثر سلبا على المجتمع قد يصل لأمر خطير .
تلك هي تباريح ما يلاقيه ذلك المُتهم من قبل ذلك المصاب ب "فوبيا" سوء الظن ،
البعض يمتهن تلك الخصلة الذميمة لتكون له متنفس ليقضي بها وطره من التشفي بالغير !
مع هذا على الإنسان تجاوز أولئك المتطفلون ليكون واثق الخطى ناظرا إلى الطريق الذي يسلكه متجنبا
لكل ما من شأنه يُسيل لعاب المتربصين به ، ويقينا لا يكون المصاب بذلك المس إلا من سار في حياته سير التخبط ،
ونشف من جبينه وكل جوانب مكونه ماء الحياء والإيمان ، وفي المقابل يوجد من يصون العرض ويقدم العذر لمن يقابلونه ،
أو يتعاملون معه أكانوا معروفون لديه أو أنهم من عابري السبيل في هذه الحياة يخالط شخوصهم مخالطة اللحظات .
كعادتي أجعل من المواقف الحية نبضا أحرك به بناني بعد أن أعصر ما يزاحم عقلي وجناني ،
وكيف لا والحياة منها نستقي الفوائد ، ونصيغ بها المعاني ، ولنا فيها مآرب أخرى وحديث ثاني ،
وكلما رجعت بذاكرتي إلى الوراء ، ومنذ أن كان لنا إخوة حديثي العهد بالحياة ، كنا نحاول أن نبعدهم أن معازف المديح ، ومزامير الثناء ،
وإن كنا في ذات الوقت نكيل لهم ذلكَ الثناء ولكن كل بمقدار ، بحيث نغذي ذلكَ العطاء ويكون لهم زاد يدفعهم لمزيد من النجاح والنماء ،
فما وجدنا أضر على المرء كمثل المبالغة في الثناء ، فما هو إلا صخرة تهشم أجنحة من يطير إلى التقدم وبلوغ المرام ، وهو يقطع حبل الرجاء ،
وما نشاهده اليوم نجد ذلكَ التدافع من أجل نيل المديح الذي يخثر سعي المريد لبذل المزيد ، والبعض يلقي ما لديه من معارف ، وما وهبه الله من هبات
ليبقى ينتظر بشغف هطول أمطار الإعجاب لتسيل أوديته لتهدم صرح التواضع ليلقيه صريعا وقد تناهشه العجب ، والرياء ، والكبرياء ،
والذي يجعل منه غير قابل لأي نقد ولا تصويب ،
لأنه يرى نفسه فوق ذلك ! وكم ينتاب البعض الغضب إذا ما نالهم من الغير الإنتقاد ،
ولو كان مكملا لقصور تشبث بفواصل ذاكَ العطاء ، لأنهم عشقوا ، وعاشوا على التمجيد ،
والتصفيق ، والتهليل !.
ليس بالمطلق أن يكون خلف المديح مصلحة تطرق باب الممدوح ، ومن هنا يتعدد وتعدد أصناف واجناس المادح والممدوح ،
فما ركزت عليه في موضوعي ذاكَ بأن المدح من المادح يسري في جسد الممدوح كسير الدم في العروق ،
ومنه يصنع ذلكََ التصور في نفس الممدوح الذي لا يشك في صدق نواياه ، وأن العمل خالصاً لرب الأرض والسموات ،
فيكون بذلكَ المدح المبالغ خلقا آخر ، قد طوقت نقاء بذله شيء من شوائب العجب والرياء ،
ليس هنالك شك بأن للممدوح نصيب الأسد من جعل حالته تتبعثر رأسا على عقب ،
وفي ذات الوقت يكون للمادح كفل منه ، لكونه أعان الشيطان ونفسه عليه ، أما القول بأن الحكم بالظاهر ،
لا ينافي القول بأن للثناء حدودا تمنع التجاوز والغلو في المدح ،
وهنا تبرز الحكمة من ذات المادح بحيث يجعل من الثناء وقوداً به يدفع الممدوح للإستمرار في البذل والتقدم ،
لا أن يجعله نقطة نهاية النجاح والتميز ، فكم رأينا من انتكس بهم الحال بعدما كانوا شعلة من النشاط وصاروا ممن يشار إليهم بالبنان ،
ويتداول اسمهم على كل لسان ، حتى باتوا في حضيض الغرور والتعالي والتكبر بعدما اغرقوا بذلك التمجيد الذي يخرج عن نطاق التعقل والحكمة !
فكم من نكره أصبح نجما في سماء الوجود ، وكم من نجم طواه الأفول وسبب ذلكَ التحقير لمن لا يستحق
وتمجيد من لا يستحق وبذلك تختل الموازين !.
نحتاج :
للعيش في كنف اسماء الله الحسنى ...
لنجد يد الله في كل مواضع الكون ...
تأتمر بأمره ... ليسكن الذي عن يسارنا ...
كي لا يُشاغبه ما يتوافد علينا في فصول حياتنا.